مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (1394)- موقف في الذاكرة

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 17 أيلول/سبتمبر 2025 20:02

كتب بواسطة: حسين الاعظمي

الزيارات: 58

حسين الاعظمي

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1394)

موقف في الذاكرة

      عندما كنتُ في مهد تجربتي الفنية التي بدأتها من مسرح مقهى المتحف البغدادي مطلع سبعينيات القرن المنصرم. سخر الله لي انسانا فنانا غيّر مجرى حياتي رأساً على عقب تماما..! فكان قدري المخبأ في عالم الغيب، منير بشير..! ورغم اني كنتُ في الخدمة العسكرية ورياضيا مصارعا في السنوات الاولى من السبعينيات، الا ان الموسيقار الراحل منير بشير كان له رأي آخر..! حيث استطاع اخراجي من الرياضة والخدمة العسكرية وتعييني في دائرته الفتية(دائرة المستشار الفني. دائرة الفنون الموسيقية لاحقاً). وهكذا كان دوامي اليومي في الدائرة كأحد الموظفين الاوائل الذين بدأت الدائرة عملها بهم، حيث لم نكن اكثر من ستة موظفين تأسست الدائرة بوجودنا وعلى رأسنا المدير العام الموسيقار منير بشير(هامش1).

      كما هو معلوم، كان اعضاء الفرقة الموسيقية المركزية في الاذاعة العراقية في اريعينيات وخمسينيات القرن العشرين، مكوّنة من الموسيقيين الكبار ومن اوائل خريجي طلبة معهد الفنون الجميلة، الذين غيّروا موازين الذوق الموسيقي في بلدنا العراق، وكان منهم الموسيقار الراحل منير بشير. ومن هنا تبدأ حكايتنا..! حيث رافقت هذه الفرقة الموسيقية الكبيرة جميع المطربين والمطربات في حفلاتهم الرسمية والخاصة لحقبة طويلة من عقود الاربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وكان مطربنا المقامي الكبير يوسف عمر احد هؤلاء المطربين ممن عمل فنيا مع هذه الفرقة الموسيقية. وهكذا يكون التاريخ ان جعل الموسيقار منير بشير احد اعضاء الفرقة الموسيقية المرافقة ليوسف عمر في حفلات رسمية وخاصة كثيرة..!

     عندما كان موقع وزارة الثقافة والاعلام في الباب الشرقي وسط بغداد عند ساحة التحرير الشهيرة، كانت دائرة المستشار الفني واحدة من دوائر الوزارة التي لم تكن تشغل اكثر من غرفتين(غرفة للمدير العام منير بشير وغرفة للسكرتيرة نجوى). وبعد حين توسعت الدائرة بنا وتم نقل الدائرة الى حي المنصور في شارع الاميرات. ثم تأسست الدائرة رسميا عام 1975. وتغيّر اسمها من دائرة المستشار الفني الى"دائرة الفنون الموسيقية". كانت غرفتي تقع امام ممر الدائرة الطويل عند الدخول اليها، وكنت على اطلاع مباشر على من يدخل الى الدائرة او يخرج منها.

     في احد الايام الحارة من صيفنا اللاهب، جاء الفنان يوسف عمر الى الدائرة. واستقبلته فرحا بقدومه. حيث كنت ألتقي به يوميا في المعهد احيانا عندما كان ياتِ على استاذنا شعوبي ابراهيم لحفلة ما، او ألتقي به في مقهى الخليج العربي في الاعظمية في المساء. وعليه كنتُ على معرفة جيدة به. جاء يوسف عمر مرتديا بدلته الرجالية المعتادة رغم الاجواء الحارة في صيف بغداد..! حاولتُ خلال استقبالي له ان اجلسه في غرفتي ليستريح بعض الوقت، الا انه أبى الاستراحة قائلاً. خذني الى منير بشير، فاوصلته الى مكتب السكرتيرة التي كانت فيما اعتقد في هذه الآونة الموظفة شيرمين يونس. فلم يجلس للاستراحة ايضا..! وبقي واقفاً عند باب المكتب واضعاً يده اليمنى على الباب. طالباً من السكرتيرة وكأنه يكلم موظفة صغيرة، وقد كانت صغيرة في العمر فعلاً، طلب منها اعلام منير بشير بقدومه ليقابله مباشرة دون انتظار، فقد كان كما يبدو على عجلة من امره..! ذهبت السكرتيرة الى المدير العام للدائرة الاستاذ منير بشير تخبره بقدوم يوسف عمر، ثم عادت بسرعة الى الفنان يوسف عمر الذي بقي واقفا على عتبة باب مكتب السكرتيرة ولم يجلس منتظرا مقابلة المدير العام. ولكن السكرتيرة طلبت من الاستاذ يوسف الجلوس لبعض الدقائق لحين التفرغ لوقت المقابلة. وفي كل ذلك كنت ما ازال واقفا بالقرب من الفنان يوسف ولم اعد الى غرفتي في الدائرة حتى التأكد من لقاء الفنان يوسف بالاستاذ منير بشير احتراما لفناننا الكبير ابا يعقوب. ولكن المفاجئة كانت رد فعل الفنان يوسف عمر من قول السكرتيرة، قائلا لها بانفعال، انا لا انتظر..! فادار ظهره متوجها مغادرا الى الباب الخارجية للدائرة..! وسرعان ما عادت السكرتيرة الى الاستاذ منير بشير تخبره بمغادرة الفنان يوسف عمر ورفضه الانتظار..! حينها امر منير بشير سكرتيرته بالذهاب الى الفنان يوسف ومحاولة عودته ليقابله، وذهبت السكرتيرة الى الفنان يوسف وهي تتوسل اليه بالعودة ولكن دون جدوى، واستمر بها امر التوسل بالفنان يوسف حتى الشارع العام..! الا انه أبى العودة الى الدائرة ومقابلة المدير العام مؤكدا رفضه ما طلبت منه السكرتيرة من انتظار لبعض الدقائق في مكتبها لحين تفرغ المدير العام منير بشير.

     واقع الحال، فقد استغربتُ وتعجبتُ واعجبتُ بنفس الوقت، من تصرف الفنان يوسف عمر بعدم العودة الى الدائرة رغم انه كان مرشحا لسفرة فنية الى السويد وجاء بدعوة من الدائرة ليروج معاملة سفره..!

     لقد كان يوسف عمر رجلاً عنيداً شامخاً رافضا أي موقف يراه غير مناسب له. وهذا ما شاهدته وانا واقف بقربه حتى مغادرته الدائرة وسعي السكرتيرة خلفه متوسلة به للعودة الى الدائرة ومقابلة المدير العام، ولكن كل المحاولات التي حاولت ثنيه عن موقفه قد باءت بالفشل، فعاد الفنان يوسف عمر من حيث أتى، وعادت السكرتيرة الى الدائرة دون تحقيق رغبة المدير العام في عودة فناننا الكبير يوسف عمر..!

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

هوامش

1 – هامش1: الموظفون الستة الذين بدأت الدائرة عملها بهم هم. المدير العام الفنان منير بشير كأول مدير عام للدائرة. وباسم حنا بطرس في الادارة، ومحمد لقمان مصورا فوتغرافيا، وعادل........؟ مترجما، وغزوان..........؟ كاتب طابعة. وانا موظفا في انتظار جمع اعضاء من الفنانين لفرقة التراث الموسيقي العراقي المزمع تاسيسها قريباً.

صورة 1 / الفنان الكبير يوسف عمر(1918-1986).

صورة 2 / الفنان الكبير منير بشير(1930-1997).

• < السابق
• التالي >