اخر الاخبار:
غوتيريش يحذر من اقتراب "الدمار" المناخي - الخميس, 06 تشرين2/نوفمبر 2025 20:33
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (1405)- المقام العراقي رواية العراقيين -11

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي 

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1405)

المقام العراقي رواية العراقيين -11

 

 

من كتاب (المقام العراقي في مئة عام)

تحت عنوان داخلي مركزي

المقام العراقي رواية العراقيين -11

 

موقع العراق الثقافي

      ليس من باب المصادفة ان نشأ الاتجاه الفكري والجمالي والذوقي المستنير في الغناسيقى العراقية الريفية والحديثة عموما وغناء المقام العراقي على وجه التخصيص منذ حقبة التحول واستمرارا حتى نهاية القرن العشرين..! وكان لابد لهذه السمات الثقافية التطورية في العراق، ان تظهر بمستوى فني تتجاوز فيه مراحلها الثقافية قبل القرن العشرين. والسبب في ذلك هو ان العراق اصبح منذ هذه الحقبة(حقبة التحول) مرة اخرى، الارض النموذج للتطور الثقافي عموما، وفي الفن الغناسيقي خصوصا، بالنسبة لاكثرية المثقفين في البلاد العربية. وان كان ذلك بطبيعة الحال بمعنى مختلف عما هو عليه الحال في كل قطر من الاقطار العربية نسبة للظروف الخاصة بكل قطر في القرن العشرين..! والآن وفي أعين مثقفي البلاد العربية. يبدو العراق المثل الكلاسيكي والمثل الحديث والمعاصر للتطور الثقافي بصورة عامة. رغم ظروف هذا البلد غير الطبيعية..! اذ كان واقع، ان العراق قد مرَّ بظروف عصيبة في القرن العشرين. ورغم ذلك مرَّ هذا البلد بتطور متصاعد استمر بصورة اكثر حدوثا، استنادا الى تطور العامل الاقتصادي الذي ساعد على تطور نواحي اخرى مهمة بصورة عامة. حيث ظهر العراق بمظهر المثل النموذج للتطور باسلوبه الابداعي الجديد في التفسير الثقافي وبكل المجالات..! وبذلك يكون العراق قد قدم نفسه على نحو اكيد. بوصفه مثلاً يحتذى به من قبل كل البلدان النامية في العالم الثالث ومثلاً آخر للمثقفين العرب في وطننا العربي.

      على اية حال، فقد تحمّل فنانون مقاميون مخلصون، ممن كانوا يواكبون حياتهم المعاصرة في تقدمها الثقافي وتحولاتها الجمالية في العراق.كالمطرب التأملي حسن خيوكة والمطرب الواقعي يوسف عمر والمطرب الحضاري ناظم الغزالي والمطرب التقني عبدالحمن العزاوي والمطرب الصوفي جميل الاعظمي والمطرب الاصولي عبدالهادي البياتي والمطربة الشعبية زهور حسين والمطربة الفنية مائدة نزهت والمطربة التقليدية سلطانة يوسف وغيرهم الكثير. على ان يعتبروا هذه التحولات الثقافية في الفن والحياة برمتها. المثل الاعلى لأي مفهوم تطوري نحو الثقافة الفنية في طرق واساليب الغناء المقامي العراقي. وكذلك فقد ايقظت هذه التحولات الثقافية، الشعور نحو زيادة الهمّة لإنجاز اعمال ونتاجات فنية  تُحسـب لهم في حقبتهم على الاقل وربما الحقب التالية.

       ان الاستقرار النسبي في التطور الثقافي في العراق خلال حقبة انتصاف القرن العشرين، بالمقارنة مع استقرار بقية بلداننا العربية. مكّنَ من تحويل هذا الحس المستيقظ حديثا. تحويلاً فنياً الى صورة ملحمية ودرامية وموضوعية واسعة. وتزداد هذه الموضوعية ظهورا باتجاه المغنين المقاميين العراقيين الذين ظهروا بعد استاذهم محمد القبانجي،والذين استفادوا من إشعاعات طريقته الغنائية الفذة.كالمغنين المقاميين المبدعين حسن خيوكةويوسف عمر وناظم الغزالي وعبدالرحمن العزاوي وغيرهم. فهؤلاء المغنين المبدعين مع استاذهم المخضرم محمد القبانجي الرجل المؤسس لهذه التطلعات الابداعية. كانوا يتقدون حماسة لهذه التطورات الثقافية والجمالية في الفن والغناء المقامي العراقي. وهكذا استمر التطور الثقافي في القرن العشرين، وذابت في العراق المعاصر، الكثير من تخلفات الرؤية في الفكر والجمال والذوق. حيث اضمحلت في العقود الاخيرة من هذا القرن وبعد فترة طويلة من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحسّنت هي الاخرى بصورة تدريجية مستمرة.

هكذا اعطى مفهوم الابداع المقامي العراقيمنذ الطريقة الغنائية القبانجية. مفهوما جديداً وان لم يكن واضحا للتطور الثقافي في الجمال والذوق والفن نحو الرؤية المستقبلية من خلال مبدعيها بمرور الزمن. والقبانجي ومن جاء بعده من المبدعين.نادرا ما يتحدثون عن الحاضر فقط..! اذ نرى تأكيداتهم على اقتران رؤيتهم بتماسك الماضي بالحاضر والمستقبل. وبقدر قدرتهم على الاجابة على مثل هذه التساؤلات. فهم يفعلون ذلك بصورة غير مباشرة، بصورة قائمة على تجسيد احاسيسهم وادراكاتهم بقيمة الماضي والحاضر والمستقبل مجتمعين بواسطة نتاجاتهم المقامية.

من الملاحظ ان امكانية محمد القبانجي، التي تجسّدت في طريقته الغنائية. تكمن في بنائه المحكم لمواد غنائه. وهذه الامكانية ترتبط ايضا ارتباطا وثيقا بحبكته لهذه المواد والعناصر الاصولية والتقليدية المكوّنة لشكل المقام العراقي المغنى. فهو يعمل على بناء مساراته اللحنية بصورة دقيقة. ومن ثم  يسعى ليعرض نتاجاته الغنائية باسلوب ذوقي ملائم. فهو ينشد النجاح والتفوق بين معاصريه. وهو يهدف الى تنمية الاساس الحسّي والتعبيري لطريقته الغنائية التي يبني بها حبكته وصياغته لمكونات المقام العراقي المغنى، والمهيمن على كل ذلك. صوته الكبير، صوته القوي، صوته الجميل،الذي يتمتع باستقرار واضح يكاد يخلُ من العيوب تماما..!

    ان ما يجري التعبير عنه هنا قبل كل شىء، تطور للتقليدية او اخضاعها للنزوعات الجديدة في التفكير والجمال والذوق وتطوير اعلى لمضمون التعابير المقامية انسجاما مع تحولات الحقبة..! والفنان الناجح يفرض حضوره حتى في اوساط من الناس لاتميل الى تذوق الموسيقى التراثية بصورة عامة. يعتبروا وان لم يكن ذلك بحق، ان التراث ماض قد انتهى..! ولا داعي للعودة اليه..!! إلا أن الإقرار بالجذور التاريخية لهذا التراث الغناسيقي، ومن ثم الانطلاق منه كقاعدة اساسية لبناء اصالة جديدة تعبر عن حقبتنا، امر لا بد منه. اما جعله شيئا ذا صفة بالية مطلقة وجامدة، فذلك شىء مرفوض.

      ان علينا ان نعي مدلولات حقبتنا الزمنية، ونحاول التعبير عنها من خلال ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وهو امر صحيح. واستنادا الى هذا الاساس، لا يمكن ان تبنى أي موسيقى موضوعية بدون ان تكون لها جذورا وتراكمات تجريبية. بل هو ضرباً من المستحيل..! فقد تغلّب المؤدون المبدعون الذين جاؤوا بعد استاذهم القبانجي، ممن صوروا هذا النمط الصحيح في بناء ألحان غنائهم وموسيقاهم كحسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبدالرحمن العزاوي وزهور حسين وسليمة مراد وسلطانة يوسف وغيرهم. وباساليب ادائيةمغايرة لاسلوب استاذهم القبانجي. وقد فسروا بقوة بنائهم الغناسيقي هذا. صحة الاعتماد على الجذور الاصيلة لمادتهم الغنائية، ومن ثم صياغتهم لاصالة غناسيقية جديدة تعبّر عن واقعهم المقامي العراقي وروح عصرهم ومستقبلهم والتعبير عن هموم جمهورهم العاطفية. أي انهم ادركوا الحاضر والمستقبل من الناحية التاريخية، وكشفوا عن جميع الكوامن الاصيلة الخاصة بجذور غنائنا وموسيقانا وقدموها كمادة حية تعتبر جديدة بحق من حيث مضامينها التعبيرية واشكالها المهذبة.

        لهذا السبب وحده اذن، من الخطأ تماما، ان يُعتبر الفنان مبدعا ومجددا ما لم يعتمد في نتاجاته الفنية على هذا المفهوم من البناء الفني الغناسيقي لاعماله..! بحيث يحتضن كل ما يحيط بمادته الفنية المعاصرة من جذورها حتى آفاقها المستقبلية..! وهكذا تأخذ هذه النتاجات الغناسيقية مسارها الصحيح.وتصبح وثيقة الروابط فيما بينها، وبالتالي وثيقة الصلة بالحياة المعاصرة.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

 

صورة واحدة/ توقيع واشهار كتاب (موسوعة المصارعة العراقية) الجزء الاول. تأليف الدكتور حسين الاعظمي. في قاعة دائرة المكتبة الوطنية في عمّان مساء يوم الإثنين-2021-12-20. ادار الامسية أ.د.محمد غوانمة، شاركه في الحديث عن الكتاب الفنان الاردني الشهير الاستاذ داوود جلاجل.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.