رانية مرجية
في رحيل إسكندر حبش… حين يرحل الذين يشبهون القصائد
رانية مرجية
اليوم، لم يمت شاعرٌ فقط. اليوم انطفأت لغةٌ كانت تمشي على الأرض.
رحل إسكندر حبش، المترجم الذي كان يرى في الكلمات بيتًا مفتوحًا لكلّ العابرين، والشاعر الذي كتب عن الغياب كأنه يعرف الطريق إليه منذ البداية.
من الصعب أن نرثي إسكندر بالكلمات التي أحبّها، لأن كلّ كلمةٍ بعده تبدو يتيمةً قليلاً.
لقد عاش مثل من يحمل قلبًا أكبر من هذا العالم، يكتبه كي يخفّف عنه، لا كي يغيّره.
وحين يرحل الذين يكتبون بهذه الطهارة، نشعر أننا نحن الذين خسرنا لغةً كانت تفهمنا أكثر مما نفهم أنفسنا.
الشاعر الذي لم يرفع صوته
إسكندر لم يكن من الذين يصرخون في المهرجانات أو يعلنون مواقفهم باللافتات.
كان يؤمن بأن الهمس أبلغ من الضجيج، وأن الكلمة الصادقة لا تحتاج إلى مكبّر صوت. كان يكتب كما يتنفس، كما يصلّي، كما يبتسم خجلًا من العالم وهو يعتذر له لأنه ما زال يحبّه رغم كلّ شيء.
وفي كلّ نصٍّ من نصوصه، كان هناك حنينٌ ما، ألمٌ شفيف، خيبةٌ راقية لا تشبه خيباتنا اليومية.
كان يعرف أن الكتابة ليست دواءً، لكنها طريقةٌ كي لا يموت الألم صامتًا في الداخل.
ترجمان الضوء
لم يكن حبش يترجم نصوصًا فحسب، بل ينقل أرواحًا من لغةٍ إلى أخرى.
كان حين يترجم، يُعيد خلق النص بالعربية كما لو كُتب لها أول مرة.
كان يرى أن الترجمة فعل حبّ، لا مهنة، وأن الكاتب حين يترجم إنما يفتح نافذة في جدار العزلة.
ولهذا أحبّه الكتّاب والقرّاء والمترجمون جميعًا، لأنه كان واحدًا منهم ومنّا في آن.
سلامٌ على الرفيق الذي لم نلتقِه
لم أعرف إسكندر حبش شخصيًا، لكنني أشعر أنني عرفته منذ زمنٍ بعيد، من خلال ما كتب، وما سكت عنه.
كان واحدًا من أولئك الذين يمشون في الحياة بخفة الشعراء وحكمة العارفين.
وحين رحل، رحل كما عاش: بهدوء، من دون ضجيج، تاركًا وراءه صمتًا أجمل من أي كلام.
وداعًا أيها الحالم المتعب
نم بسلام يا إسكندر،
يا من حملت وجع العالم دون أن تشتكي.
يا من جعلت من الترجمة صلاة، ومن الشعر بيتًا للغرباء.
نم مطمئنًا، فالكلمات التي أحببتها ستبقى حيّة،
والذين قرأوك سيبقون يذكُرونك حين تضيق بهم الحياة،
لأنك كنتَ تكتب لتواسينا، لا لتُعجبنا.
سلامٌ على روحك التي ترجمت الجمال إلى لغةٍ يفهمها الجميع.
وسلامٌ علينا، نحن الذين سنواصل القراءة كي لا يموت حضورك فينا.