مقالات وآراء

الجزائر بين الإنكار والحقيقة// عبده حقي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عبده حقي

 

للذهاب الى صفحة الكاتب 

الجزائر بين الإنكار والحقيقة

عبده حقي

 

لم تكن الأيام الأولى من شهر نوفمبر 2025 عادية في سجل الصراع الدبلوماسي بين المغرب والجزائر. فبعد التصويت التاريخي الذي جرى في 31 أكتوبر 2025 داخل مجلس الأمن على القرار رقم 2797، والذي جدد الثقة في مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي ودائم لقضية الصحراء، اهتزت الدبلوماسية الجزائرية على وقع صدمة القرار وتداعياته.

 

غير أن المشهد ازداد درامية في اليوم الموالي، 2 نوفمبر 2025، حين خرج وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في مقابلة مع القناة الرسمية L24 News ليقدم رواية مرتبكة عن سبب مقاطعة الجزائر للتصويت، رواية سرعان ما كشفت تناقضها الفاضح مع ما ورد في التقارير الرسمية للأمم المتحدة.

 

في كلمته أمام مجلس الأمن بنيويورك، قدمت البعثة الجزائرية تبريراً واضحاً لموقفها: رفضٌ شامل للقرار باعتباره ـ حسب قولها ـ يتنافى مع مبدأ تقرير المصير ويميل لصالح المغرب.

 

أما في مقابلة عطاف اللاحقة، فقد حاول تبرير المقاطعة بتفصيل تقني هامشي، قائلاً إن الجزائر كانت “على وشك التصويت لصالح القرار”، لكن عبارة واحدة في ديباجته ـ "تحت السيادة المغربية" ـ كانت السبب الوحيد في تراجعها.

 

غير أن مراجعة النصوص الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة تنسف هذه الرواية. فحسب البيان الصحفي للأمانة العامة، أوضحت الجزائر أنها لم تشارك في التصويت لأن القرار "يقترح إطاراً تفاوضياً ضيقاً يُكرس الطموحات الإقليمية لطرف على حساب الطرف الآخر، ويتجاهل مقترحات جبهة البوليساريو".

 

أي أن الرفض الجزائري لم يكن جزئياً أو لغوياً كما زعم عطاف، بل جوهرياً وسياسياً شاملاً.

 

التناقض بين الموقفين لا يمكن تفسيره إلا برغبة النظام الجزائري في تجميل الخسارة الدبلوماسية أمام الرأي العام المحلي والدولي.

 

فبينما اعترفت معظم الصحف العالمية، من لوموند  إلى واشنطون بوست، بأن القرار يمثل انتصاراً واضحاً للدبلوماسية المغربية، حاولت الجزائر عبر وزيرها أن تصور الموقف كـ"خلاف تقني بسيط".

 

لكن هذا التبرير بدا هشاً أمام الحقائق المنشورة في المواقع الرسمية للأمم المتحدة، والتي تُظهر بوضوح أن الجزائر لم تكن على وشك التصويت مع القرار، بل على وشك خسارة معركتها السياسية بالكامل.

 

المفارقة الكبرى التي كشفتها الأزمة هي أن الجزائر لم تجرؤ على التصويت ضد القرار رغم معارضتها له.

 

ولو كانت تمتلك القدرة الدبلوماسية الكافية ـ كما يروّج إعلامها ـ لكان بإمكانها جمع تسع أصوات مانعة فقط لتعطيل المصادقة، وفق قواعد مجلس الأمن (15 عضواً، 9 أصوات ضرورية للموافقة).

 

لكنها فشلت حتى في إقناع حلفائها التقليديين: لا روسيا ولا الصين ولا باكستان صوتت ضد القرار، بل اكتفت بالامتناع، في حين تركت الجزائر وحيدة خارج قاعة التصويت، في مشهدٍ اعتبره بعض المراقبين “انعكاساً للعزلة المتفاقمة للدبلوماسية الجزائرية”.

 

حين تتحدث الجزائر عن “الكرامة الوطنية” و"المبادئ الثابتة"، فإنها تتناسى أن الكرامة لا تُصان بالتضليل الإعلامي ولا بالمغالطات الرسمية.

 

فالمعطيات المنشورة على الموقع الرسمي للأمم المتحدة تثبت أن موقف الجزائر لم يكن نابعاً من تحفظ لغوي بل من رفض جذري لمضامين القرار الداعم للمغرب.

 

أما تصريحات عطاف، فقد بدت محاولة يائسة لـالتغطية على هزيمة سياسية ودبلوماسية مؤلمة بعد سنوات من توظيف ملف الصحراء كـ"قضية وجودية" للنظام.

 

لقد كشفت هذه الأزمة عن محدودية التأثير الجزائري في المنظومة الأممية، مقابل تنامي الثقة الدولية في المقاربة المغربية التي تجمع بين الواقعية السياسية والاستقرار الإقليمي.

 

فالمغرب، منذ طرحه لمبادرة الحكم الذاتي عام 2007، استطاع أن يقنع المجتمع الدولي بأنها الإطار العملي الوحيد القادر على إنهاء النزاع، بينما ظلت الجزائر أسيرة خطاب إيديولوجي جامد فقد صداه في العواصم الكبرى.

 

لم يعد بإمكان الجزائر أن تواصل سياسة الإنكار والازدواجية. فالعالم كله شاهد كيف حاول وزيرها تحويل الخسارة إلى “انتصار بلاغي” من خلال رواية لا تصمد أمام الوثائق الأممية.

 

إن الواقعية المغربية تنتصر اليوم، لا فقط داخل أروقة مجلس الأمن، بل في ضمير المجتمع الدولي الذي أدرك أن طريق الحل يمر عبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، لا عبر الشعارات القديمة التي لم تعد تقنع أحداً.

توقيع: عبده حقي