علاء اللامي
برهم صالح رئيس الدولة الذي قبل أن يكون مرؤوسا
علاء اللامي*
لا يمكن تفسير موافقة الرئيس الفخري السابق لجمهورية العراق برهم صالح، إلا تفسيرا ذاتيا لا يخلو من دوافع النرجسية والبحث عن المنصب ذي الراتب المجزي والوجاهة تحت كل الظروف وأيا كانت شروط الصفقة.
لقد استقتل برهم صالح من أجل نيل منصب رئيس جمهورية العراق رغم أنه منصب فخري ورمزي بلا صلاحيات ذات شأن تقريباً غير التوقيع على الوثائق والقوانين التي يصدرها البرلمان، والتي، حتى إذا لم يوقع عليها الرئيس، ستكون نافذة ومقررة بعد 15 يوما من عدم التوقيع كما ينص الدستور العراقي في المادة 73. وحين انتهت فترته الرئاسية استقتل صالح واستمات من أجل البقاء في المنصب وحين جوبه بالرفض من حزبه وهو حزب آل الطالباني "الاتحاد الوطني الكردستاني" وتم ترشيح شخص آخر هدد بالاستقالة ولا أدري إنْ كان استقال فعلا أم ولكنه اعتزل المنصب وسافر من بغداد ولم يحضر مراسيم التسليم لخلفه عبد اللطيف رشيد وترك الرئيس الجديد وحيدا في قصر السلام في ما وصفته وسائل الإعلام بمراسيم رئاسية عرجاء!
إن الأسباب كثيرة التي كان يمكن أن تدفع صالح لتردد والتفكير مليا بقبول هذا العرض لمنصب مفوض شؤون اللاجئين ومن ذلك أنه كان رئيسا لدولة يفترض أنها مستقلة وذات سيادة في بلد عريق يمتد عمره لسبعة آلاف عام ومن غير المقبول أن يوافق على قبول وظيفة في المنظمة الدولية ليكون مفوضا لشؤون اللاجئين.
إن المعنى الأول قبول برهم صالح بهذه الوظيفة الإدارية هو أنه وافق على أن يجعل صفته الرئاسية تنحط إلى مستوى مدير عام تحت رئاسة الأمين العام للأمم المتحدة. وبالمناسبة فأحد مفوضي الأمم المتحدة السابقين لشؤون اللاجئين، وهو السيد جان بيير هوكي فترة الولاية (1986 – 1989) كان فعلا مديرا عاما لعمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر قبل تعيينه مفوضاً سامياً للأمم المتحدة لشؤون للاجئين! والمعنى الثاني لقبول صالح لهذا المنصب هو أنه مارس الازدراء وتقليل شأن منصبه كرئيس دولة يمثل هذه الدولة ويشرف على حماية دستورها وتساوي بسائر الموظفين في هذا المنصب وهم جميعا ليس بينهم رئيس دولة جمهوريةً كانت أم ملكية.
فأحدهم محامي وصحافي هو غودهارت (1951–1956) والأخر مراسل لعدة صحف ودبلوماسي هو أوغست ليندت (1956 – 1960)، والآخر كان صدر الدين ابن السلطان أغاخان إمام الإسماعيليين الثامن والأربعين (1977-1965). وستولتنبرغ (1990-1990) كان قانوني نرويجي وسادوكا أوكاتا (2001-1991) كانت أستاذة جامعية ...إلخ.
وبالاستفسار من بعض الأصدقاء العاملين في فضاء الأمم المتحدة في مقرها العام في جنيف عن هذا التعيين لرئيس دولة عراقي قيل لي إنَّ مثل هذه الوظائف قد تمنح لوزير سابق أو حالي وقد تمنح لوكيل وزير أو لأكاديمي او صحافي مشهور في البلدان التي تحترم نفسها، لكن أن تمنح لرئيس جمهورية سابق، فهذا ليس تكريماً أبداً إلا إذا كان هذا الشخص سيُعدُّ ليكون الأمين العام القادم، وبما أن الرئيس العراقي السابق برهم صالح لم يرشحه أحد ولم ترشحه دولته ذاتها لهذا المنصب فمن المعيب عليه قبول منصب المفوضية الخاصة بشؤون اللاجئين، وسيكون من المخزي لمكانة العراق وسمعته كدولة أن يكون رئيسه السابق رئيساً لوكالة أو مفوضية تعمل تحت إمرة رئيس آخر وهو الأمين العام للأمم المتحدة.
أما من ناحية تعليل موافقة الأمم المتحدة على هذا التعيين فالأمر لا يحتاج كما أعتقد إلى التذكير بأن هذه الهيئة الدولية هي من الهيئات الغربية التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية وثمرة لها وقد أنشأها الحلفاء المنتصرون، وبعد انهيار أحد المنتصرين أي الاتحاد السوفيتي سيطرت الدول الغربية الثلاث بزعامة الولايات المتحدة على الأمم المتحدة وتندر عليها بعض الدبلوماسيين المستقلين بالقول إنها أصبحت وكالة تابعة لوزارة الخارجية الأميركية وحلف الناتو.
ولهذا فليس من المستبعد بل من المرجح جدا أن هذا تعيين برهم صالح جاء باقتراح ودعم غربي لواحد من أصدقائهم الموثوقين والذي كان له دوره الكبير في احتلال العراق وإقامة نظام الحكم المكوناتي الطائفي. إن هذا التعيين يأتي بعد الورطة التي دخلتها الأمم المتحدة بالموافقة على اختيار السيدة الإيطالية الشجاعة فرانشيسكا ألبانيزي صديقة الشعب الفلسطيني والمعادية جهارا لحرب الإبادة التي يشنها الكيان على هذا الشعب. وهم في الأمم المتحدة قد يحاولون عن طريق برهم صالح موازنة الوضع بمنح إدارة مفوضية اللاجئين ووكالاتها المستهدفة من قبل إسرائيل لهذا "الصديق" الذي لم يتفوه بكلمة حق واحدة لمصلحة الشعب الفلسطيني ولم تسجل له إدانة أو كلمة نقد للكيان الصهيوني الإبادي ونرجح أنه سيستكمل مشروع إسرائيل في القضاء على وكالة الأونروا "وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين".
وأخيرا فإن سكون الهيئات الرسمية والشعبية على هذه الفضيحة المتكاملة الأركان والإساءة البالغة لمقام رئاسة الدولة العراقية من قبل برهم صالح لا يمكن تفسيره إلا بحالة التفسخ الشاملة التي تعيشها الدولة والمجتمع السياسي والثقافي في العراق... ولكن التأريخ يشهد ويسجل الوقائع ولن يفلت من تسجيلاته شيء!
*كاتب عراقي