اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

• الأستاذ دنحا والكلديـّـون في بابل

تقييم المستخدم:  / 3
سيئجيد 

آشور كيواركيس

بيروت

الأستاذ دنحا والكلديـّـون في بابل

 

 19/09/2011

 

كعادته، أتحفنا الأستاذ دنحا كوركيس بمقالة أرجعها في نهاية نصه إلى أحد مشاهير المثقفين في التاريخ الحديث وهو البروفسور ويليام غراهام أستاذ علم الإجتماع في جامعة يال، والذي وافته المنية عام 1910، والموضوع الذي نشره الأستاذ دنحا كان بعنوان : "الأحوال الشخصية للمرأة في مملكة الكلدان"، حيث أضاء على أهم القيم الإنسانية التي تعدّ مفخرة بابل ودرسا للكثير من مجتمعات اليوم في احترام المرأة، وموضوعنا هو مقالة الأستاذ دنحا على الرابط التالي :

 http://www.tellskuf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=15285:aa&catid=32:mqalat&Itemid=45

 

 http://www.alqosh.net/article_000/dinha_georges/dg_44.htm

 

وما لفت نظري كقارئ للتاريخ هو عبارة "مملكة الكلدان" الواردة في عنوان الترجمة، مما دفعني لقراءة النص بتمعــّـن خصوصا أنني لم أعرف شيئا عن أن هناك ميزة لأحوال المرأة خلال حكم "الكلدو" لبابل، وإذا بي أقرأ في النص عن قوانين حمورابي وبأن ثقافة الكلدان عمرها 5000 سنة (!) ، وهذا ما جعلني أتساءل هل أن الأستاذ دنحا قد "زيـّـن" نصّ غراهام بهذه العبارة أم أن غراهام جاهل في التاريخ ؟  - ولدى مراجعتي لبحث غراهام، لاحظت بأن الإحتمال الأوّل هو الصحيح، فنصّ غراهام يقول ما حرفيته :

 

Excavations of Telloh show that the mother-family existed in Chaldea in the third millennium B.C

 

وترجمتها بالعربية : "إن حفريات موقع تللو الأثري (الواقع في حافطة ذي قار) يدلّ على أن "الأم" كان لها أهميتها في "كالديا" في الألف الثالث قبل الميلاد" – وهنا نرى بأن غراهام يسمّى المنطقة بإسم آخر السلالات البابلية وهذه خصلة معهودة لدى الكثيرين من "كتــّـاب" التاريخ، بينما ترجمها الأستاذ دنحا كما يلي بتصرّف :

 

" يرى المؤرخون اعتمادا على حقائق فلكية أن الوعي الحضاري ابتدأ مع تاريخ وثقافة الكلدان قبل 5000 سنة قبل الميلاد"

 

 وحتى في العنوان الذي وضعه الأستاذ دنحا نلاحظ "مملكة الكلدان" بينما يستعمل غراهام عبارة "كالديا" وهناك فرق شاسع بالمعنى لمن يجيد الترجمة العلمية للمصطلحات التاريخية، ثم وضع الأستاذ دنحا مرجعا في آخر مقالته ليعطيه هيبة أمام القارئ البسيط، الذي سيقرأ مقالة انتقائية، وعلى ذلك أعلـّـق كما يلي، بانتظار أن يصحح الأستاذ دنحا معلوماتي – إذا أمكنه ذلك.

 

من المعلوم تاريخيا أن نبو بلاســّـر  (Nabu-Apil-Usur)

هو أوّل ملك "كلداني" استلم الحكم في بابل وذلك عام 627 بعد وفاة الملك آشور بانيبال الذي كان آخر ملك آشوري حكم بابل، واستمرّ حكم نابوبلاســّـر 20 سنة ثم استلم من بعده إبنه نبوخذنسـّـر. ومن المعلوم أيضا حتى لأبسط البسطاء بأن بابل لم يحكمها شعب واحد بل كانت مدينة تتوالى عليها عدّة سلالات بعكس آشوريي الشمال، والسلالات التي حكمت بابل منذ نشأتها هي التالية :

 

1-   العموريين حوالي العام 1894 ق.م بزعامة الملك سومو أبوم، والعموريون كانوا شعبا غريبا عن المنطقة حيث قدموا من "أمـّــورو" أي "الغرب" وقد ورَد في الألواح المسمارية  أنهم أتوا مما يعرف اليوم بسوريا وفلسطين (-21) حيث حكموا بابل حتى العام 1595 ق.م – أي ما يعادل 209 سنوات ومنهم كان حمورابي المسكين الذي يــُـكلدنه البعض رغم أنفه.

2-   بعد مرحلة العموريين بدأت سلالة الكاشيين القادمين من جبال زاغروس وذلك من العام 1595 حتى 1160 أي ما يعادل 435 سنة (3) وعرفت بابل خلال هذه المرحلة بـ"كاروندونياش"، وحتى ملوك الآشوريين استعملوا هذا الإسم كما يرد في مدوناتهم وفي رسائل "تل العمارنة".

3-   بعد المرحلة الكاشية بدأ الصراع الآشوري – العيلامي على السيطرة على بابل حتى دخلها الآشوريون بزعامة الملك "توكلتي نينورتا" الأوّل (توكـّـلت على نينوريا) عام 1225 ق.م ضدّ الملك البابلي (الكاشي) كاشتالياشو الرابع واقتاده أسيرا إلى نينوى، وكن توكولتي الملك "النهريني" الأول الذي يحكم بابل واستمرّ حكم الآشوريين حتى سقوطها بيد قبائل الكلدو (كما سماهم آشور ناصربال) الذين قدموا من البحرين إلى العراق في الألف الأوّل قبل الميلاد (أنظر ساغس) حيث حكموا منذ عام 627 ق.م إثر وفاة الملك الآشوري آشور بانيبال.

4-   الحكم الكلدي استمر من العام 627 ق.م حتى 539 حكم خلالها ثلاثة ملوك فقط، وهم: نبو بلاصّر، نبوخذنصّر الثاني، وأخيرا نبونيد - حيث وقعت بيد قوروش الفارسي

5-   الحكم الفارسي من 539 ق.م حتى احتلها الإسكندر (الهيلينيـّـون الإغريق) عام 331 ق.م أي ما يعادل 208 سنوات من الحكم الفارسي

6-   بعد موت الإسكندر عام 333 ق.م احتلها البارثيين ثم الساسنيين حتى العام 650م

7-   الإحتلال الإسلامي (العربي) من 650م حتى اليوم

 

إنطلاقا مما ورَد نلاحظ بأن المرحلة الكلدية لم تتعدّ الـ87 سنة من تاريخ بابل الذي يتمتد لآلاف السنين، وهي أصغر فترة بين الفترات التي حـُـكِـمَـت بابل خلالها على يد شعوب غريبة عن المنطقة ما عدا الآشوريين الذين طالبوا البابليون الأصلاء بالإنضمام إليهم أثناء الإحتلال الكلدي وثاروا ضد "الكلدو" بعد أن احتلوها عام 627 وهذا وارد في ترجمات البروفسور ساغس لرسائل البابليين إلى نينوى، في كتابه "جبروت آشور" (4)

 

ومن الملاحظ تاريخيا أنه رغم كون "الكلدو" شعبا غريبا عن بابل، إلا أن مدونات المرحلة الكلدية جاءت بالآكادية، لغة بابل، وحتى آلهة بابل تحوّلت إلى موروث ثقافي للكلدو وهذا يدل على عظمة الثقافة البابلية التي يعرّفها العلماء ضمن "الآشوريات"، وعن ذلك يتحدّث البروفسور ويليام فوكسويل ألبرايت، أستاذ تاريخ الشرق القديم في جامعة كامبريدج في كتابه الشهير "منذ العصر الحجري حتى المسيحية" قائلا بأنه رغم الطغيان العددي للكلدان في بابل إلا أن الثقافة البابلية قد تغلـّـبت عليهم فتبنــّــوها (5) .

 

إذن ليس هناك أي تبرير لذكر عبارة "مملكة الكلدان" سوى لمرحلة 87 سنة، وحتى عبارة "الإمبراطورية الكلدانية" التي ترد في كتابات بعض القساوسة ليست في محلها وهذا يدحضه عالم الآشوريات والعربيات، البروفسور وولفرام فون دوزن (6) ، ولو سلمنا جدلا مع الأستاذ دنحا (في العنوان الذي اختاره) باعتبار بابل "مملكة الكلدان" لمجرّد أنهم حكموها لـ87 سنة، وتناسينا بأن الآشوريين حكموها 400 سنة فيحق للعرب تسميتها بمملكة العرب كونهم احتلوها لفترة تفوق احتلال الكلدان بستة عشر ضعف وهم آخر شعب يحكمها حتى الآن، لذا نرجو أن يتنبــّـه كتــّـابنا لما ينشرونه تجنبا للمغالطات وفتح المجال أمام الغزاة بالتحدّث بمنطقهم، فالبحث العلمي ليس مجرّد اصطياد للكلمات وانتقائها لإشباع الأهواء بإضفاء رونق "المرجع العلمي" في نهاية اقتباساتنا الإنتقائية، بل هي مسؤولية علمية وإنسانية تجاه القارئ، وكان من الأجدر بالإستاذ دنحا أن يقرأ المزيد من المراجع قبل وضعه للعنوان الملغوم، خصوصا أن البروفسور غراهام قد توفي عام 1910، بينما أهم المكتشفات لدى علماء الآشوريات تمت من بعده، إعتبارا من عشرينات القرن الماضي بعد صناعة ما يسمّى "العراق" في مصانع لندن وباريس.

 

1-   Who Were the Amorites (1971) Alfred Haldar (University of Uppsala

2-   Encyclopedia Britannica : Amorites

3-   Walter Sommerfeld, "The Kassites of Ancient Mesopotamia" vol. II, p: 917

4-   "جبروت آشور"  - طبعة 1995، ص: 140 و 141

5-   W. Foxwell Albright: “From the stone age to Christianity” – 1957, p: 340

6-   W. Von Dozin: “The ancient Orient: an introduction to the study of the ancient Near East” – p:60

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.