اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

• ســــــورما خــــــانم - الجزء الثالث

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

إعداد شميران مروكل

ســــــورما خــــــانم - الجزء الثالث

 

قال وزير الدولة في الخارجية البريطانية لعام 1919 ( اللورد كورزون ) عن سورما خانم : ( لا يمكننا ان نتصور ان هناك امرأة أخرى جديرة بالملاحظة أو سيدة كفوءة  تقدر ان تتكلم عن قضايا الطائفة التي تنتمي إليها مثلها ) .

 

في 19/3/1917 دخل الجيش البريطاني بغداد وفي 30/10/1918 أعلن وقف إطلاق النار وعمل الانكليز على تشكيل إدارة بديلة للتشكيلات الإدارية العثمانية التي انسحبت إلى مواقعها التي كانوا فيها قبل الحرب .. تمت كل هذه الإجراءات والشعور الوطني في تنام بين الجماهير العربية وقبائلها المنتشرة في كل المناطق .. إما الجماهير الكلدواشورية المنهكة القوى من كثرة المصائب التي كابدتها والتي جاءت قسرا إلى سهل فسيح مترامي الإطراف يسقيه نهران أسطوريان .. مهد حضارة سومر وأكد .. مهد حضارة بابل وآشور في وسط مدينة الخيم ( لأنها تشكلت من عدد كبير من الخيم سكنها المنفيون ) فقد عاشوا في رخاء نسبي في منطقة ( بعقوبة ) ولكن  الحياة كانت  صعبة مثيرة للأعصاب ..بعقوبة مدينة تقع على بعد (55) كم شمال شرقي بغداد فيها قرر الانكليز إسكان الآشوريين وفي هذا الموقع أسس البريطانيين مدينة تتكون من ثلاثة آلاف خيمة سكن فيها الكلدواشوريين والأرمن .

وصلت عائلة الآباء البطاركة إلى بعقوبة مع الجماهير المنفية الهاربة من الظلم بحراسة سرية الحماية العسكرية وآمرها جورج ريد في نهاية العام 1918 وكان آمر المخيم العميد الركن (اوستن) والذي ارتبط بالعمل مع جورج ريد الضابط الوحيد الذي يجيد لغة ( السورث ) بطلاقة والتحق بالمخيم الراعي ويكرام مقدما خدماته وخبرته لخدمة أهل المخيم وكانوا يأملون أنهم بتعاونهم مع السلطات البريطانية يسهل عودتهم إلى موطنهم الأصلي .  

قام قداسة البطريرك مار شمعون بولس في شهر شباط عام 1919 بتحرير رسالة مفصلة تحوي مطالب شعبه أرسلها إلى المفوض السامي البريطاني طالبا منه رفعها إلى المسؤولين في السكرتارية العامة لمؤتمر السلام في لندن . بذلك بدأ كفاحهم الجديد في تاريخهم الحديث ولكن هذه المرة كان ضمن الدوائر الدبلوماسية وفي آذار 1919 أرسل البطريرك ثانية برقية إلى لندن أكد فيها إصراره على ضرورة حضور ممثل عن الكلدواشوريين إثناء المناقشات التي سيجريها مؤتمر السلام باعتباره انه الجهة العليا التي ستضع النقاط على الحروف بنهاية الحرب العالمية الأولى وفيها ستقرر صيغ المعاهدات النهائية .

بدأت صحة البطريرك الشاب تتدهور .. سورما أحست بخطورة الموقف وتأكدت من إن البطريرك لا يستطيع الاستمرار في قيادة شعبه .. خيم الحزن والقلق . في نيسان 1919 أرسل الراعي ويكرام على وجه السرعة البطريرك إلى دير (شيخ متي ) للاستجمام خلال فترة الصيف وانيطت مهمة تسيير الأمور المدنية إلى قائد قوات الآشوريين داوود والى سورما أخته نظرا لإتقانها اللغة الانكليزية بذلك استطاعت سورما الحفاظ على علاقات وثيقة مع مسؤولي المخيم وعن طريقهم بالحكومة البريطانية .. فقامت بتنظيم لقاءات مع إدارات المخيم المتتالية ، هذه الاتصالات ساعدت على كسب ثقة المسؤولين البريطانيين شيئا فشيئا . حاول القائد العام للمخيم إقناع السلطات البريطانية في لندن بضرورة منح سورما وثيقة تسمح لها بالسفر إلى أوربا .

لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل .. في الثامن والعشرين من حزيران عام 1919 حددت معاهدة فرساي المصير النهائي لألمانيا المندحرة إما ما يتعلق بموضوع تركيا فالأمر كان مغايرا . ذلك لان هذا الموضوع كان له علاقة بشعوب كثيرة وحدود طويلة.. معارك دبلوماسية كثيرة ومناقشات طويلة جرت خاضها المشتركون في الاجتماعات.. استمرت المناقشات أشهرا عديدة ولم تتخذ (حكومة صاحبة الجلالة ) ! الإجراء اللازم للإسراع في إرسال وفد آشوري بادعاء إن قضيتهم وحقوقهم باقية محمية ومصانة وفق ما يستحقونه.. وفي شهر أيار من العام نفسه جاء تأكيد إن هناك ضرورة ملحة ليكونوا ممثلين في مؤتمر السلام. وأعطت حكومة لندن الضوء الأخضر لمشاركتهم في المؤتمر ولكن لشخص واحد فقط . وهكذا انتخبت ( سورما ) في الحادي والعشرين من شهر تموز في نفس السنة لتكون الممثل الرسمي للشعب الكلدواشوري في مناقشات مؤتمر السلام .

كتبت سورما مذكرتان إلى السكرتارية العامة لمؤتمر السلام بهدف اطلاع الرأي العام الغربي على الواقع الحقيقي للقضية من خلال تفاصيل دونت في المذكرتين بكل دقة وعناية وركزت على نقاط عديدة منها توفير ضمانات لأمن دائم وعدم الخلط بين حقوق الكلدواشوريين والأرمن وتنفيذ الإجراءات اللازمة لإعادة الأملاك والمباني العائدة لهم التي تم الاستيلاء عليها بالقوة وإعادة مراعيهم ومحاسبة اللذين قاموا بممارسة الضغوط بمنهجية خلال عقود السنوات الأخيرة ومعاقبتهم ووضع حد للاغتصاب غير القانوني للسلطة . وفرض السلام العادل .

إما المذكرة الثانية التي كتبتها سورما فكانت موجهة إلى الحكومة البريطانية وتركز على حل القضية الكلدواشورية والانتباه لعدم الخلط بينهم وبين قضية الأرمن .

في خريف عام 1919 وافقت الدوائر المعنية على سفر سورما ولكن بشرط الذهاب إلى لندن أولا ، هذا مع العلم إن مؤتمر السلام كان قد بدأ مناقشاته في باريس منذ أشهر عديدة . واليوم أصبح مصير الشعب وديعة بين يدي سورما .. المرأة الشجاعة الثابتة الأهداف . المشاكل والمعوقات التي واجهتها لم تثنها عن الاستمرار في السير على الخط الذي رسمته لمسيرتها دون إن تثبط عزيمتها. بقيت سورما مؤمنة بقضية شعبها  وتعمل لتحقيق هدفها الرئيسي الذي كانت تطلبه وهو انتزاع الحكم الذاتي لشعبها .

غادرت سورما بعقوبة وبرفقتها جورج ريد وقائد القوات داوود واتجهت القافلة نحو بغداد واستقلت سورما منها أول مركب يمخر عباب دجلة نزولا نحو الجنوب باتجاه البصرة . ودّعت سورما أخاها داوود الوداع الأخير ونظرت إلى مياه دجلة فتذكرت إن هذه المياه هي نفسها مياه نهر الزاب الكبير الذي شربت منه وشعبها سنين طويلة .

كانت سفرة سورما بهذا المركب سفرة لاكتشاف عالم جديد .. إنها ابنة جبال حكاري الشامخة اليوم نراها على ظهر مركب ينحدر بها مع مياه نهر دجلة بهدوء ومهابة والتفصيلات الدقيقة لهذه السفرة لم تمنعها من تذوق لذة اكتشافها لهذا العالم الجديد بالنسبة لها . في البصرة شعرت سورما أنها في مدينة عانت كثيرا من ويلات الحرب .. من على الرصيف استطاعت الصعود على ظهر باخرة وكان السفر بالنسبة لسورما مؤثرا جدا لأنه كانت المرة الأولى تبتعد فيه عن إفراد عائلتها .. غاصت سورما في أفكار عميقة عندما تذكرت العائلة ، تلك الأفكار أقلقتها وحيرتها لأنها جعلتها تحس بطعم الحياة حلوها ومرها . استمرت الباخرة في طريقها حتى وصلت مياه البحر الأحمر واكتشفت بعد المرور من ميناء بورسعيد أنها المرأة الوحيدة على ظهر الباخرة. وصلت سورما إلى ميناء ( ساوث امبتون ) البريطاني ينتظرها الراعي ويكرام الذي كان قد علم بموعد وصول سورما عن طريق برقية أرسلها جورج ريد وقام بتهيئة اللازم لاستقبالها رغم معلوماته المسبقة إن هناك فريق من الدبلوماسيين كان يترصد وصول سورما وتحركاتها .. الصالات المفروشة بالسجاد الأحمر كانت ساحات مناقشات مزروعة بالفخاخ ولا مجال فيها للرحمة يا لسوء حظ من يحضر هناك وهو بمظهر الضعيف لان هكذا أماكن الحق هو دائما مع الأقوى.

عندما التقى ( ويكرام ) بسورما أخذها على عجل إلى محطة سكك حديد خاصة بالميناء بهدف الوصول إلى العاصمة بأسرع ما يمكن وعند الوصول لاحظت سورما إعمال التجديد والتحديث تقوم على قدم وساق وعلى الواجهة الأمامية شاهدت سورما (قوس النصر ) ذكرى للعمال الذين احترقوا بنار الحرب التي لم تمضي على نهايتها سوى سنوات قليلة .

قدمت ( 6 ) مذكرات إلى سكرتارية مؤتمر السلام الذي التأم شمله يوم الثامن عشر من كانون الثاني عام 1919 المجتمعون كانوا يمثلون 27 بلدا .. هي الدول المنتصرة ( الحلفاء ) والمتعاونين معهم. ركزت المذكرات الستة لتقييم دور الكلدواشوريين في قتالهم إلى جانب الحلفاء وتذكرهم بالوعود .. مذكرة أرسلها مار شمعون بولص ( البطريرك ) ومذكرة الوفود الآشورية من الولايات المتحدة ومذكرة وفد آشوري إيران ومذكرة وفد كلدواشوري من القفقاس ومذكرة وفد الاتحاد الكلدواشوري من تركيا وكان الوفد الأخير قد استقبل بزعامة سعيد نامق ورستم نجيب من قبل الرئيس الفرنسي حينذاك رسميا في 20 / 3 /1920 .

وصلت سورما إلى قصر ( لامبرث ) واستقبلها رئيس الأساقفة ( راندال دافيدسن ) في صالة فاخرة أحست سورما بالموقع المهم الذي يشغله وتأثيره الكبير لذلك تشجعت لتضع ثقتها بجهوده . حاولت أيضا الاتصال باللورد ( كورزون ) باعتبار انه كان نائب الملك في الهند . وعند زيارة سورما لانكلترا كان يشغل منصب وزير دولة للشؤون الخارجية منذ عام 1919 ونظرا لموقع هذه الشخصية البريطانية وأهميتها بقيت الآمال تداعب مخيلة سورما التي كانت تطمح للقياه بأسرع ما يمكن. بعد إن حطت سورما الرحال على ارض لندن وتجولت فيها اكتشفت أنها مدينة صناعية كبيرة معقدة فيها ترسم السياسات الدولية ومنها تصدر الأوامر ولكن في الوقت ذاته هي مدينة جميلة جذابة ومركزا للثقافة والاقتصاد . كما انتبهت أيضا إلى ملاحظاتها الخاصة بموضوع أهمية حقول النفط في بلدان الشرق الأوسط والتي تعني لبريطانيا موردا اقتصاديا وفيرا وشبه دائم .. فهمت سورما بحدة بصرها وبصيرتها الحاجة البريطانية الملحة للنفط كأهم مصدر للطاقة ...  بعد تمحيص كل هذه الحقائق بعناية اتضحت الرؤية إمام سورما وتساءلت هل إن قضية شعبها التي جاءت لتدافع عنها تحتل موقعا مهما في خضم المصالح المتصارعة في جسم هذا الكيان السياسي العملاق والذي لا يتنازل عن مصالحه قيد شعرة ؟

في قصر ( ويستمنستر ) استقبل اللورد كورزون وزير الدولة للشؤون الخارجية رسميا السيدة سورما في ظهيرة احد الأيام من شهر تشرين ثاني عام 1919 في نفس المكان الذي كانت قد نظمت لقاءات لصالح الكلدواشوريين والأرمن وبحضور شخصيات مهمة وطنية وعالمية مع مسؤولي المنظمات الشعبية التي نظمها اللورد ( مايير ) في الرابع من كانون أول عام 1918 .

لم يستطع اللورد كورزون إخفاء اندهاشه عندما رأى سورما رغم احتفاظه بالأبهة البريطانية وارستقراطيتها .. رآها سيدة بملامح شرقية جذابة ، مدت يدها لتصافحه وتقدم له الاحترام الواجب والتقدير البالغ اللذين طلب أخيها مار شمعون بولس بطريرك كنيسة المشرق نقلهما له ، بعد المصافحة فهم اللورد كورزون إن تعامله سيكون مع شخصية مهمة تمثل بحق الجماهير الكلدواشورية ، جلس الاثنان متقابلين وتباحثا وقال بعد ذلك وبحضور المرافقان باللورد كورزون وسورما .. اني قررت طرح القضية إمام مجلس اللوردات للمناقشة في الاجتماع القادم وبما إني احد أعضاء الحكومة سأكون ايجابي إثناء المناقشة ومع صالح القضية .

خرجت سورما بعد هذه المقابلة المهمة من قصر ويستمنستر وقلبها طافح بالآمال .. لقد أعطت هذه المقابلة انطباعا ايجابيا ..

في 17/12/1919 اجتمع مجلس اللوردات البريطاني لغرض مناقشة قضية الكلدواشوريين والاعتراف بهم كجهة سياسية .. بعد الاجتماع حققت سورما أول أهدافها ذلك هو المطالبة بحق تقرير المصير لشعبها وطرح الموضوع رسميا وعلنيا وكان الصراع السياسي بخصوص هذه القضية على أشده .. وانتهز اللورد كورزون فرصة إلقاء خطابه فكال المديح لسورما ..قال : عمليا من الصعب لا بل من المستحيل ان نتصور إن هناك امرأة تستحق الملاحظة والاهتمام او سيدة أكفأ من سورما ، هي الوحيدة التي باستطاعتها التحدث عن الطائفة التي تنتمي إليها بشكل واف وبحجة .. لاحظت سورما إن الصحافة البريطانية اهتمت بموضوع قضية شعبها وأيضا بشخصيتها بإعطائها لقب ( الليدي سورما ) نتيجة لاهتمام الصحف بدأت تردها طلبات لمقابلتها وخاصة من الصحف اليومية والمؤسسات والمنظمات الخيرية والشخصيات الشهيرة المعروفة التي تريد الاستماع إليها . كان كل ذلك يحصل مع دعم بالصور الفوتغرافية .

واجهت سورما هذا النشاط الإعلامي بشجاعة وحكمة .. صورها المنشورة وهي بالزى التقليدي كانت موضوعا رئيسيا لبعض الصحف ، كانت عوامل مؤثرة في الشعب البريطاني علما إن هذه السفرة كانت أول سفرة تقوم بها سورما خارج وطنها . كانت خير سفير لشعبها لقد طرحت بوضوح طموحات ومطالب شعبها العادلة بأمانة أمام الحكومات البريطانية وإمام الرأي العام الأوربي.. إقامة سورما في انكلترا أدت إلى زيادة الروابط والحصول على لقب الليدي سورما تم ذلك بناء على طلب الملكة (ميري ) زوجة الملك جورج الخامس .. ايد جورج ريد والجنرال اوستن في كتاباتهم لقاء سورما مع الملكة ولكنه لم يثمر عن نتائج ايجابية رغم أنها قيمت شخصية سورما وذكاءها .

وخلال إقامتها في لندن أصدرت كتابا احتوى على عشرة فصول والذي يعتبر وثيقة حية ومفيدة للتعريف بالقضية لأوسع الجماهير كما تابعت علاقات الصداقة التي تأسست واستثمرتها بكل حماسة وتفعيل بينما كانت تعيش مع عائلتها الجديدة راهبات دير بيث عنيا .

استحقاقا لجهود سورما في إلقاء الأنوار كاشفة على أبناء طائفتها وكنيستها التي بقيت زمنا طويلا في شبه عزلة عن العالم خلال زيارتها للندن توفرت الفرصة لتعزيز موقفها إمام الأوساط الرسمية ذات الأثر الكبير في  السياسات الخارجية إما جهودها فكانت تطورا للتعريف بقضية الكلدواشوريين واستطاعت توصيل صوتها إلى الدوائر التي بيدها القرار التي حاولت سورما دوما إن تفرض ثقل شعبها على لوحة الشطرنج التي تمثل العالم واللاعبين عليها القوى العظمى .

إن آمالها كانت كبيرة في نتائج اتصالاتها التي توقعتها وسيلة فعالة وفرصة مؤاتية ليأخذ شعبها موقعه العادل واستحقاقه الكامل رغم إن في دواخلها  كان هناك هاجس يؤكد لها إن للدول الكبرى مصالح ذاتية تعمل لتحقيقها وان اجر آتها المستقبلية ستكون حتما متوافقة مع الإحداث والواقع الفعلي .

سورما بقيت متشبثة بموضوع تحقيق أهدافها ،  أبدت الاستعداد الكامل لحضور جلسات مؤتمر السلام في باريس على أمل التمكن من توصيل صوتها للمجتمعين وإقناعهم بعدالة قضية شعبها .. ولكن بقى الحضور إلى مؤتمر السلام حلما لم توفق في تحقيقه نظرا لعدم توفر الموافقات الضرورية لدخول الأراضي الفرنسية.. سورما لم تستسلم للواقع أرسلت رسالة إلى اللورد كورزون بتاريخ 17/2/1920 أكدت حقها في المطالبة بحقوق شعبها العادلة كما أبلغت سورما بصريح العبارة انه كان هناك اعتراف نافذ أعطته الحكومة البريطانية خلال سنوات الحرب بموجبه يكون الكلدواشوريين حلفاء فعليين وهذا يعني إن لهم الحق في إن يكون لهم صوت مسموع .

بعد أن تم الاتفاق على توزيع البلدان العربية المحررة من سلطة العثمانيين.. لم يتم حسم موضوع حكاري وبقى كفاح الليدي سورما مستمرا لذا وبعد الأخذ في نظر الاعتبار المستجدات والتطورات في إحداث ( سان ريمو ) قامت سورما بصياغة بعض المقترحات وبدأت تفتش عن دعم ومساعدة بعض الأصدقاء لتلك المقترحات وكانت تركز على محاولة تجميع جماهير الأمة كلها على أراضي مشرقية على إن تكون قريبة من جبال حكاري وجعلت هذا الاهتمام خطا أساسيا تسير عليه وموجها رئيسيا لنشاطاتها وجهودها .

في العاشر من آب عام 1920 تم توقيع معاهدة في (سيفر ) بموجبها أسست دولة ارمنية في الأناضول الشرقية ومنطقة كردستانية ذات حكم ذاتي . ما يخص الكلدواشوريين أعلنت المعاهدة إعطاء ضمانات وتوفير حماية لهم ضمن إطار كردستان متمتع بحكم ذاتي المواد ( 62 ، 63 ، 64 ) من الباب الثالث من المعاهدة أوضحت الالتزامات الرئيسية ، نص المادة ( 62 ) يجب إن تتضمن هذه الخطة ضمانات تامة لحماية الكلدواشوريين وغيرهم من الأقليات الاثنية أو الدينية الذين يسكنون ضمن هذه المناطق .

بعد التوقيع على معاهدة سيفر ملأت قلوبهم الآمال بإمكانية التوصل إلى تفاهم تام مع كردستان مستقل مؤقتا . ولكن اتضح فيما بعد إن وضع الاتفاقية وبنودها كان هشا لا بل أكثر هشاشة من خزف سيفر ( مدينة سيفر فرنسية تشتهر بصناعة الخزف الجيد والرقيق والسهل الكسر ) .

بينما كانت الليدي سورما تتهيأ للعودة إلى بلاد مابين النهرين قام القوميون الأتراك ببذل جهود مضنية لتعليق العمل ببنود الاتفاقية التي كانت ولادتها جدا عسيرة بسبب ذلك بدأت أسس معاهدة سيفر تهتز شيئا فشيئا حتى انتهت إلى التفتت التام .

خلال فترة غياب سورما عن الديار حصلت إحداث مهمة فقد تم غلق المخيم في بعقوبة في نيسان عام 1920 وغادر المخيم إعداد كبيرة بما فيهم إفراد عائلة البطريرك ليستقروا في قرية تدعى ( مندان ) قرب ضفاف نهر ( الخازر ) وقسم أخر في إطراف مدينة عقرة .

كما حلت نكبة جديدة بعائلة سورما .. وفاة البطريرك مار شمعون بولص في 27/4/1920 وكانت لا تزال في لندن وحيدة وبعيدة عن الأهل والأقارب وبموته تجددت إحزان سورما . بعد وفاة البطريرك طرحت قضية مهمة جدا وهي من هو المؤهل للجلوس على الكرسي البطريركي ؟ وخاصة إن البطريرك الراحل كان قد صرح قبيل وفاته انه لا يؤيد الأسلوب الوراثي المتبع .. ولكن نتيجة الأوضاع الصعبة التي كانوا يعيشونها استطاع البعض من ممارسة الضغط لاستمرار العمل بتطبيق النظام الوراثي لأعتلاء المنصب البطريركي ، ولم يكن في العائلة مؤهلين فعليا سوى شخصين ( تيودور ) و ( ايشاي ) المولود عام 1908 وكان عمره 12 عاما وتمت مراسيم تنصيبه وتجليسه على الكرسي على يدي خاله في اليوم العشرين من حزيران عام 1920 في كنيسة مريم العذراء في مخيم بعقوبة . وكانت أمه ( استير ) من المعارضين بعناد ولم تؤيد القرار . وكان هذا القرار بالنسبة لسورما يعني استمرارها في تحمل أعباء المسؤولية الملقاة على كاهلها و بقاءها وصية على إدارة شؤون جماهير أبناء شعبها الذين أخلصت لهم الحب وكرست ذاتها لخدمتهم . تسارعت الإحداث وخلال غياب سورما عن البلاد قامت  بريطانيا  بتحضير خطة للعمل دعمها المندوب السامي ( ولسن ) والتي تقضي بترحيل الأشوريين وإعادتهم إلى موطنهم الأصلي . كان ذلك في شباط عام 1920 فاختاروا ( أغا بطرس ) كشخصية عسكرية قادرة على قيادة هذه المهمة ولكن الكثيرين لم يوافقوا على الخطة ولا المشروع وانتظروا عودة سورما خانم ورافق ذلك اندلاع انتفاضة ( ثورة ) عربية في ربوع بلاد الرافدين وسببت في تأخير تنفيذ المشروع . محصلات سان ريمو أنتجت ردود فعل عنيفة في أوساط الشعوب العربية التي انشغلت بموضوع الانتداب وصيغته إضافة إلى قلقها من شروط السلام الخاصة بتركيا بالذات .. في 19/ 10/1920 بدأ الكلدواشوريين المسيرة لاستعادة حكاري لكن بدأت تظهر الانقسامات في صفوفهم ولم يسمح الوضع لأغا بطرس تحقيق هدفه فأضاع السيطرة على القوات التي كانت تحت إمرته وكانت بحدود ستة آلاف مقاتل مسلح .. تراجع أغا بطرس إلى مخيم مندان ولم يغفروا الانكليز له هذه النتيجة واعتبروه شخصية غير مرغوب فيها .  وطلب على اثر ذلك  استبدال ( ولسن ) وجاء بديلا له ( بيرسي كوكس ) وصل في العشرين من تشرين الأول عام 1920 وأصبح المندوب السامي لبلاد ما بين النهرين وتركزت مهامه على نشر الأمن والسلام قبل إن يبدأ التشاور مع أبناء الشعب العراقي وبتأسيس حكومة عربية تحت رعاية الحكومة البريطانية .. هكذا قلبت صفحة في تاريخ الإمبراطورية البريطانية وفتحت أخرى جديدة وهذا ما انطبق على الكلدواشوريين وتاريخهم .

 

 

يتبع الجزء الرابع

 

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.