اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

لم يعد لأمتنا الآشورية أي قائد قومي حقيقي -//- كوريل شمعون

تقييم المستخدم:  / 2
سيئجيد 

كلمات لا تنقصها الصراحة:

لم يعد لأمتنا الآشورية أي قائد قومي حقيقي

كوريل شمعون

ما بين اشتياقي ومرارة الانتظار، حكايات لا يعرفها أحد سوى الزمن. فرغيف الانتظار الممزوج بالعذاب، حتى إن كان في لحظات حلم جميل، يُغرقني بالأحزان، ويغلق في وجهي كل النوافذ، هنا في وطني.

أعلم يا حبيبتي بأن الحزن لن يعيد لي ما فقدته، وان البكاء المرير لأبينا يعقوب لم يُرجع اليه ابنه الغالي الحبيب يوسف الذي غدره اخوانه. فحتى قميصه الدامي لم يستطع أن يواسي حزن أبيه الكبير، فما الذي سيستطيع أن يواسي أحزاني وأنا أرى الشعب المغبون والمطعون برماح البعض من أبنائه وقادته لا يملك الخلاص؟!، ودماءه تسيل من حولي، ومحطات السفر تعج بالمودعين والمسافرين وبدموع الفراق والتشتت، لأن الذي ينتظر نضوج السنابل قد بات واعيا وأدرك باليقين بأن كل المواسم قد باتت عجافا. فهو يهاجر بعيدا رغم انه يعلم بأن ليس هناك أي شيء في الغربة سوى الأمان وثمة أجراس ترن من بعيد تدعو الناس الى الصلاة لشكر الرب على النجاة من كل المخاطر التي تعرضوا اليها في العراق.

أتذكر يا حبيبتي يوم أهديتك وردة في عيد الحب قبل سنوات طويلة مضت وكيف تفرعت عنها بين يديك ورود حمراء كثيرة، لكنها اليوم قد تحولت الى مجرد أوراق ذابلة متيبسة معشّبة فوق صخرة اغترابك في المهجر ووحشة غربتي في داخل الوطن. فنحن غريبان يا حبيبتي، وقد نكون مع أبناء أمتنا الآشورية آخر الغرباء الذين يلاحقهم العالم في كل زاوية من هذه الأرض. فما أحوجنا الى أن نتحسر في غيمة ظليلة تتهادى تحت ثقل ما تحمله من مطر، وما أحوجنا الى الشمس اذا غربت، انها صورة واقعية أليمة لشعب مظلوم ولوطن مهموم قد تمزقت أشلاؤه وتناثرت كنوزه في متاحف العالم.

وعبر أطلال بابل ونينوى، أين الأماني القومية يا ترى؟! وأين النجوم التي دفنت حزنها مع ولادة الفجر؟ وكيف تمسي الديار الأليفة أطلالا تبكي وتئن تحت نور الشمس؟! وأين هم من فارقونا يا حبيبتي وكانو هنا بالأمس ساكنين؟ وكيف يقعون أسرى للأسى والأحزان بعد كل تلك الأمجاد وتلك السنين؟ فالشهداء قد ضحوا بدمائهم وأرواحهم من أجل القضية، وصاروا شموعا تنير وتلتهب في كل الكنائس والبيوت في ليالي الأحد، ونحن ما فتئنا في أيام الحنين الجريحة نسمع أصواتهم تتهامس كأوراق الورد التي يوقظها ندى الصباح، بينما جموع شعبنا في سفر دائم وارتحال لا يعرف الوقوف بعد أن فقدت ربان سفينتها الوفي الأمين في مذبحة دموية جائرة ارتكبتها فئة شيطانية غادرة لئيمة معروفة بحقدها ومكرها وخداعها وخيانتها وتخلفها الهمجي. فلا راعي لنا غير الرب، إذ لا أحد يشعر بأي واجب أو مسؤولية، فكل واحد يتصرف على مزاجه ووفق أهوائه وحسب ما تتطلبه مصلحته.

ففي الثالث من شباط من كل عام نستذكر وبكل إجلال شهيد التاريخ الآشوري الحديث القائد مار بنيامين، البطل الجسور المؤمن الذي أمسى رمزا مشرقا للتضحية والفداء من أجل الأمة الآشورية وحقوقها وكنيسة المشرق الآشورية العظيمة ورسالتها الايمانية الجليلة.

ففي ذلك الزمن البريء ورغم كل المآسي والدماء، لبست الأمة كلها ثوب الحداد بهذا المصاب الجلل، وعمّ الغضب العارم كل القرى والمدن والمناطق التي كان يسكنها الآشوريون آنذاك، كانت خطواتنا بين البيوت والأكواخ الطينية نبيلة مؤمنة، كنا نتعذب من آلامنا وشقائنا وجراحنا عبر كل تلك المآسي التي أرادت إبادة شعبنا، ولكننا كنا نمسح دموعنا بخبز أمهاتنا ونكهته الأليفة المحببة المتميزة. إذ كان النقاء والايمان المسيحي والقومي هما السائدان في كل النفوس، ناهيك عن ميزات الشجاعة والجرأة والتضحية والإقدام التي كان يتصف بها الجميع، وخاصة أثناء المحن والحروب.

كنا نصغي الى ألف أسئلة تتدفق بين الحقول والمزارع والروابي والجبال، فكم من كوخ أو بيت في قريتنا كان يخترقه ضياء القمر، إذ ينساب بين أغصان الورد والشجر ونبضات القلوب النقية، لكن آه من الخيانة القومية المدمرة التي باعت القضية، وآه من غدر الرصاص الأعمى الذي لاحقنا ولا زال يلاحقنا حتى هذه اللحظة، وألف آه من ومضات أمل يغتالونها يوميا في وضح النهار وأمام عيوننا كل يوم بألف حجة وغطاء، ولا نملك في ذكرى شهيد الحرية والايمان والسلام مار بنيامين غير أن نترحم على شهدائنا وأن نصلي من أجلهم جميعا ونقول بصريح العبارة: نعم، لم يعد لسفينتنا ربان جسور شجاع، بل أمسينا بلا موجة ولا شراع.

فلقد فقدنا من يقودنا الى الطريق القومي بعد أن اختلط الحابل بالنابل وضاعت القضية في سوق المزايدات على أيدي البعض من أبناء شعبنا وقادته الخونة، وتم خنق أو إبعاد الكثير من الأصوات القومية المخلصة، فصارت المظاهر والعقارات والسيارات الحديثة هي الشغل الشاغل لكل من يزعم زورا وبهتانا بأنه يقود مسيرة أمتنا نحو الهدف الأقدس المنشود بعد أن أصبح البحث عن الثراء هم جميع هؤلاء.

انه واقع أليم لشعب مظلوم ولوطن مهموم قد تمزقت أشلاؤه وانتشرت كنوزه في متاحف العالم وعبر الأطلال في بابل ونينوى. فيا نسور آشور الجريحة التي خذلها الإرهاق والغدر والدم والتفتت والتشرد والضياع، فأخذت أجنحتها الحبيبة تتيه في عتمة الليل البهيم، لا تحزني، فلا أحد يلومكِ على ما يجري، فقد ضاع كل شيء بعد أن مزق الرصاص الغادر كل موضع في عربة القائد الشهيد العظيم مار بنيامين.. ورحماك يا رب.

- نشر المقال في جريدة بيت نهرين، العدد (142).

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.