اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

هكذا غادرت القافلة الاخيرة من المسيحيين الموصل// نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

هكذا غادرت القافلة الاخيرة من المسيحيين الموصل

نبيل يونس دمان

 

     ان اضطهاد المسيحيين في العراق موجود على مر الزمان، والتفرقة والتمييز ازائهم عايشناها كلنا، ويطول الحديث عن كل ما لا قيناه من المستوطن الذي غزا بلادنا قبل 14 قرن، واشتد بخاصة بعد فراغ العراق من سلطة قوية، ومجيئ ديمقراطية هزيلة لا تقوى على الصمود امام الظلاميين والتكفيريين واعوان النظام السابق.

     السلطة في بغداد هي الملامة في الاول لكل ما حصل بسبب طائفيتها وقلة تجربتها في ادارة بلاد انهكتها الحروب وتتعدد فيها الأثنيات والقوميات، لم تحسن التعامل مع خصومها سوى بصب المزيد من الزيت على النار الطائفية التي اشتعلت بعد غزو العراق، كان الوضع المربك وغير المستقر قد تفاعل في الثلاث سنوات الاخيرة ما عرف بالربيع العربي، فاقيمت منصات خطابة على طريقة ما حدث في مصر وتونس والبحرين وغيرها من بلدان المنطقة، لقد اقترفت حكومة المالكي خطيئة مميتة في ضرب تلك المنصات والخيام في الرمادي وطوزخورماتو وسامراء والموصل، فأججت النار المشتعلة اصلاً، ثم تزاوج الوضعان السوري والعراقي زواجا غير مقدساً بزحف ما يسمى( داعش) مع بقايا البعث والناقمين على الاوضاع الى بعض محافظات العراق وخصوصا الموصل التي تعادل بغداد في اهميتها.

     للان لم نفهم لغز سقوط الموصل السريع بيد داعش ومن لف لفها، ولا نفهم ايضا ما هي مقبلة عليه المنطقة، حيث تتخندق ثلاثة اقاليم( سني- شيعي- كردي) لا اريد بل يصعب علي طرحها بالاسماء هكذا لان ذلك يتنافى مع تربيتي الوطنية وايماني بوحدة العراق، لكن ذلك للاسف موجود على الارض، من منكم لم يشاهد الخرائط التي تقسم البلاد في امهات الصحف العالمية ووسائل الاعلام المختلفة.

     تشبث المالكي بالسلطة وما سمي بالولاية الثالثة، دون ان يلقى الترحيب لا من شعبنا في الاقاليم المنوه عنها جدلاً، ولا من المنطقة، ولا العالم، وعلى نفس الاساليب التي اتبعها في دورته الثانية والتي دفعنا نحن العراقيون ثمنها حتى اليوم، ازاء استياءنا من المالكي ومن يؤيده ويدفعه في استقطابه الطائفي وتحوله الى دكتاتور يصعب انزاله من منصة الدكتاتورية، جاءت مفاجأة الموصل وسرعان ما رفع القادمون الجدد كل العوارض الكونكريتية والسيطرات من الشوارع وصارت منطقة الغابات تستقبل العوائل المتعطشة للنزهة، فاستبشرنا خيراً وقلنا ربما تشكل هذه الورقة الجديدة عامل ضغط على المالكي وحكومته.

     تمادى القادمون الجدد في تعاملهم مع شعب نينوى العريق وتراثة الانساني والحضاري، وصاروا يستهدفون المعالم التاريخية من انصاب ومزارات ومراقد وكنائس، حتى وصلوا الى اخلاء مدينة الموصل من مسيحييها تحت بنود الجزية المقيتة او تغيير الدين او حد السيف، كل هذه الاوضاع المتسارعة الاليمة وحكومة المحاصصة في بغداد لم تعمل شيء، بل عاجزة وضعيفة لا تقوى على الدفاع حتى عن حصنها الاخير في بغداد، وفي ذات الوقت لا تستقيل  وتنسحب لفشلها وتعتذر للشعب العراقي لتحل محلها بسرعة حكومة انقاذ وطني تضع حلولا لازمات العراق الخطيرة على المنطقة وعلى العالم.

     في عصرنا الراهن يقوم ابو بكر البغدادي بنصب نفسه خليفة للمسلمين، ليس في مكة او بغداد او دمشق بل في الموصل، ويعلنها دولة الخلافة تمتد من حلب- الرقة- دير الزور الى الموصل والرمادي وتكريت، انها مساحات شاسعة لا يستهان بها، ولكن ما مدى نجاح هذا المشروع الذي لا يلقى من يؤيده على الساحة العالمية والاقليمية، واين معايير العدالة فيه، واين حقوق الانسان ولوائحها التي تعلمها جيلنا والاجيال التي سبقته وحفظها، فكيف لهذا الفكر الظلامي ان يسود وسط صمت العالم المطبق من الناحية الفعلية، اما الاقوال والتصريحات فما اسهلها وانها  تذهب بسرعة ادراج الرياح.

     اود هنا توجيه التحية الى آخر المسيحيين المنسحبين من الموصل، وان انحني طويلا امامهم، حيث لم يرضخوا لتغيير دينهم ولا لدفع الخاوة( الجزية) وضحوا بكل شيئ  وخرجوا بملابسهم كما قال المسيح( اترك كل شيء، احمل صليبك واتبعني) القافلة الاخيرة لم تحمل شيئاً الا ايمانهم العميق بربهم ومخلصهم المسيح الذي الهمهم في صعوده الى الجلجثة وهو يتعمذ بدمه. لقد صعب على ذلك القوم الاصيل قليل العدد( من 100 الى 200 فقط) وهو ما تبقى من مئة الف كانوا في الموصل قبل 2003، صعب عليهم قبول معتقد بالإكراه، تحملوا اقسى درجات التحمل منذ سنين وهم يرون كل يوم دماء الابرياء تسفك في شوارع الموصل، على ايدي تتعدد الجهات التي توجهها وتقف خلفها في العشرة سنوات الاخيرة.

     تبقى القافلة الاخيرة التي خرجت من الموصل مرفوعة الرأس بايمانها، وثباتها، بتحملها ليس فقط الاسابيع الاخيرة المرعبة من جانب المسلحين، ومن جانب طائرات الحكومة وازيزها فوق الرؤوس، ومن عصابات القتل والسرقة، ومصادرة الاملاك، واحتلال بيوت الله، واديرة الرهبان المحرومين من ملاذ الدنيا، والمنقطعين للصلاة والتعبد لإرضاء الخالق. ينبغي ان يستقبل هؤلاء من قبل من يأويهم في ضواحي نينوى وفي الاماكن الاخرى استقبالا يليق بهم، يجب ان توليهم الاهتمام كل المنظمات الانسانية، والكنيسة بخاصة تضعهم تيجانا وامثلة امام العالم اجمع، هؤلاء هم المؤمنون الحقيقيون، قد وضعوا ارواحهم على اكفهم ولم يرضوا بالذل فتمسكوا بدينهم وعقيدتهم، انهم لم يدفعوا الجزية ولم يشهروا اسلامهم بل عرضوا انفسهم للموت وللسيف الظالم، انه نفس السيف على مدار القرون الذي حصد الآلاف من آبائهم واجدادهم في ظروف مماثلة، على يد شابور الثاني 341م، على يد المغول والتتار 1258م، على يد نادر شاه( طهماسب) 1743م، على يد ميري كور 1832م، على يد بدر خان 1846م، على يد السلطان العثماني 1914م عندما اصدر فرمانا بقطع رقاب المسيحيين، على يد بكر صدقي 1933م. يا لها من مفارقة ان يعيد التاريخ نفسه كل مرة على شكل مآسي ومهازل.

     الدين براء مما يرتكب اليوم باسمه من موبقات وجرائم، الله خلقنا جميعا وكلنا صنعة يده فكيف ندافع عنه ونجيش خلقه لمحاربة بعضنا بعضاً، اليس قادراً على كل شيء؟ هراء هذه الادعاءات ومغزاها واساسها معروف ولا ينطلي على عاقل، و كل ما يحدث باسم الدين هي مصالح دنيوية زائلة في الاستحواذ على جهود الاخرين واملاكهم، في السيطرة على الاموال والنساء، وشغل مراكز سيطرة وقوة غاشمة. الدين وجد لعبادة الله، الدين مسامحة، الدين فرائض الصلاة والزكاة وعمل الخير، وهداية الناس بالاقناع وبطرق تقديم الخدمة الأفضل، والتباري بين كل الفرق الدينية في ما تقدمه من مكاسب مادية وسعادة للناس، لا الخوف والرعب والحزن المخيم، ولا العنتريات، وامتشاق السلاح، وتغطية الوجوه، وحمل رايات الموت السوداء، وفرض احكام وشرائع لا تنسجم الا مع سكنة الكهوف، لقد بلغت الحضارة قرنها الحادي والعشرين، لا يمكنها التراجع عما انجزته خبرات وتجارب الشعوب من لوائح انسان الى مواثيق امم عبر القرون، هؤلاء الظلاميون والرجعيون والسلفيون ليسوا سوى مرضى الألفية الثالثة والآفة الخطيرة ووباء ينبغي استئصاله بايجاد العلاجات اللازمة على المدى الطويل، حتى لا يستفحل هذا المرض ويستشري في العالم اجمع، ومن اجل ان تتعافى الاجيال القادمة.

     نحن مسيحيوا العراق نلوذ بانفسنا ونهرب تاركين كل شيء ورائنا من ممتلكات وارث اباء وقبور اجداد، ماذا بامكاننا ان نفعل وقد خذلنا الجار وخذلنا عالم المصالح، صدقوني لو كانت لنا امكانيات ودعم لتصدينا لكل من يمسنا بضرر دون ذنب ارتكبناه، الجبن هو الاستقواء على الضعيف والفقير، اننا مجموعة قليلة وقليلة جدا لا تصمد امام الواقع، وتنتهي بسرعة كما ورد الصباح وزهر الأقاح، لو فرضنا ان الكنيسة لم تحرق بعد واننا لا نصدق القيل والقال ولا نتكلم شيئا، هل نستعيد حريتنا واماننا ووجودنا؟ ثم ما فائدة الكنائس في الموصل وهي موصدة تخلوا من المؤمنين، وكيف سيعودون اليها؟ اخواننا المسلمون كلما تحتدم حروبكم الطائفية او الدينية تصبون جام غضبكم علينا، هل هذه رجولة، هل هذه عدالة، هل هذا مفهوم العين بالعين والسن بالسن، هل هذه انسانية وهل هناك ضمير حي يقبل بكل ذلك. نحن عزل وقليلي العدد وحتى عندما كان عددنا كبيرا لم نعتدي على احد، بل تحملنا الاعتداءات المتكررة منذ فتح العراق موطننا الاصلي امام غزواتكم القادمة من الصحراء، واليوم ندفع ثمن ذلك بالانتهاء والجلاء من ارضنا واسدال الستار على تاريخنا.

     المسيحية انبثقت من الشرق الاوسط قبل الفي عام، وافراغ المسيحيين منها بمثابة موتها في العالم اجمع، وتسليمه الى قوة السيف والمظالم الكبرى والمسالخ الرهيبة التي تنتظر البشرية، اترك كلامي مفتوحا للسامعين في ارجاء المعمورة.

 

23/ تموز/ 2014

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.