اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

البيت العراقي// د. ناهدة محمد علي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتبة

البيت العراقي

الدكتورة / ناهدة محمد علي

 

يمتلك العراقيون إحساساً وطنياً عميقاً ولا فرق في هذا بين مواطني الأقليات والأديان , فلم أجد يوماً فرداً عراقياً سواء كان في الداخل أو الخارج لا يتمسك بترابه وكأنه يحمله معه أينما ذهب . أذكر يوماً أن صديقة لي قد عادت من العراق وحينما إلتقيت بها قالت لي : أحمل لكِ هدية رائعة وكانت بعض من التراب العراقي معبأة في قنينة زجاجية , وأضافت لدي واحدة مثلها أضعها في غرفة الجلوس , ولم يكن هذا شيئاً من الخبل بل حقيقة يحملها العراقي أينما ذهب يعض عليه بأسنانه حين يجوع أو يتوجع , حين يُنفى أو حين يُسجن وحتى حين يتطرف إلا أنه في هذه الحالة يمسك بالطرف الخطأ وهو غير شاعر بهذا .

قبل أيام مررت بمتحف أشبه بقوس قزح للمحبة العراقية وقد تمثل هذا في  ( السوق العراقي والخيري ) الذي أقامته جمعية المرأة العراقية النيوزيلندية الثقافية . كان السوق يبيع منتجات العوائل العراقية المهاجرة وبعضاً من ممتلكاتها كالملابس والتحفيات العراقية والمآكل العراقية المألوفة وبعض المجوهرات اليدوية الصنع , وكان الهدف الأساسي لإقامة هذا السوق هو جمع ألوان الطيف العراقي مع التبرع للنازحين العراقيين , وكان هذا

  والتي خصصت مبيعاتها كلياً لصالح I CARE  بالتعاون مع منظمة

المساعدات للنازحين . إحترمت كثيراً ما قامت به هذه المنظمة والتي تديرها طبيبات عراقيات شابات إتسمن بالرقي الفكري , ولن يكن هؤلاء الشابات يعانين الفقر أو الجوع لكنهن يحملن القلب العراقي النبيل والذي تجاوب حتماً مع صرخات الإستغاثة التي تمزق الأسماع كل يوم كما كانت تمزق أسماعي وتخترق أوردتي وتحرمني النوم .

كان الفلكلور العراقي جميلاً بتحفياته ولوحاته الأثرية , وأضاف الى هذا لوناً حضارياً بعض المبدعات من الفنانات التشكيليات , كما أثار إنتباهي إحدى الرسامات البصريات والتي فاقت حد تصوري بوجود قدرات إبداعية لدى شاباتنا في المهجر , وكانت صور الأهوار ومخططات الفرس العربية في غاية الجمال , وكانت هذه الفنانة الشابة ( علياء داود ) والتي جاءت من بعيد ورغم إلتزاماتها العائلية إستطاعت أن تعطي الوقت اللازم لموهبتها .

وبتجوالي في ( البزار العراقي ) وجدت وجوه شابة يانعة وباسمة من الفتيات والشبان العراقيين بأحلى ملابسهم ويعملون كخلية نحل متجانسة , هؤلاء هم النُخب التي سنعتمد عليها في المستقبل . لقد وجدت أن مبيعات الأطعمة العراقية المعروفة فاقت جميع المبيعات , فالشعب العراقي كما هو معروف شعب أكول . كانت القهوة العربية مع التمر والحلوى توزع مجاناً للحاضرين بطقوس عراقية أصيلة وأباريق فلكلورية مما أثار شغف الزائرين الأجانب كل هذا كان جميلاً لكني لم أقم بإعداد هذا الريبورتاج لأقول هذا فقط بل لأُلقي الضوء قليلاً على النفس العراقي الطيب الذي يعطي وبدون حساب , فقد أعطى الكثير على مدى التأريخ وأعطى على مدى كل الثورات ومن قِبل كل الشرائح الإجتماعية ولم يطالب بالمقابل ومع ذلك كانت مكتسباته قليلة دائماً , ولم يكن كافياً إقامة صرح واحد للجندي المجهول فهناك آلاف كثيرة للجنود المجهولين سواء كانوا أمواتاً أو أحياء ولن يحضى كل هؤلاء بأوسمة الفخر أو الميداليات الذهبية , ولم ينتظروا منا كلمة شكر واحدة .

تساءلت كثيراً لِمَ نحن العراقيون نحوي نسيجاً واحداً , فقد رأيت في هذا البيت أو السوق العراقي العربي والكردي والتركماني , والسني والشيعي , والمسلم والمسيحي والصابئي , ووجدت أن الكل يحتضن الآخر مرحباً بالكل , وكان ذوقنا واحد ومزاجنا واحد . نبهني صوت أحدى الشابات العراقيات المتبرعات وهي تحمل صندوقاً كارتونياً  وتنادي بأعلى صوتها  ( تبرع بدولار لتروي عطشاناً من النازحين ) فتسارع الجميع ولم يتساءل أحد أين الدولة العراقية بملياراتها وأين الأمم المتحدة بمنظماتها من هؤلاء الهاربين من الموت الى الموت .

حاولت أن أكتب عن مأساة النازحين بموضوع منفصل لكنني كلما قلّبت أرشيفاً أجد قلمي وكأن الحبر قد تجمد فيه لا يريد أن يسيل لهول المأساة , وأبقى أُردد بغضب الى أين يافقراء العراق , أنتم وأطفالكم الى أين ؟ .

تساءلت أيضاً لِمَ يجتمع العراقيون في المهجر على المحبة والعطاء ولا يستطيعون هذا في الداخل , لا لأنهم لا يريدون بل هم لا يقدرون , فهم مفتقدون دائماً الى المنظم , والغريب في الأمر إن كل التنظيمات السياسية تجعل أحزابها وتنظيماتها هي الوطن , وتُقدَم هذه التنظيمات على أنها الوطن والمواطن .

إن ما يقدمه قادة الجمعيات والتنظيمات الإجتماعية هو مفخرة في القدرة التنظيمية النزيهة بدون مصالح مادية أو معنوية , وهذا ما يجب أن يُضرب به بالمثل للقادة السياسيين في العراق . ويقود الكثير من هذه المنظمات نساء مثقفات ثقافة عالية ومتفانيات تفانياً في ضم الجالية العراقية نساءاً ورجالاً وبكافة تشكيلاتهم الحزبية والمذهبية , وهناك نماذج كثيرة من هذا النوع مثل نموذج قيادة جمعية المرأة العراقية النيوزيلندية الثقافية متمثلة بالدكتورة ( غادة محمد سليم ) في إدارة أعمال الجمعية , وقد قدمت هذه المرأة العراقية نموذجاً راقياً للتعامل مع المذهب والقومية والأقلية , ولا أقول أن أبناء العراق وبناته لا يملكون هذا النموذج ولكن الفرق يظهر في أن من يرفع أو ترفع رأسها للمطالبة بالحق وحتى تحت قبة البرلمان ستجد حتماً من يسقطها ومن أعلى قِمم الجبال العراقية لكي تكون عِبرة لمن إعتبر بعد هذا , وإذا تساءلنا لِمَ كل هذا أقول وللأسف إن القِلة الغير مفكرة تقصم ظهر الأغلبية الواعية وهي ببساطة الأقوى .

إن العراقيين في المهجر يتحركون ضمن جو سياسي وإجتماعي مختلف , فالخبز متوفر للجميع , ولا تباع هنا كمامات الأفواه في الأسواق , ولا تُمارس الضغوط على الناخبين كما يحدث في العراق حيث تُمارس الضغوط على الفرد العراقي من جميع الجهات وتظل تحاصره حتى تُفرز الوحش الصغير الذي في داخل البعض منا .

أقول إن ما تفعله النساء العراقيات بأجسادهن الصغيرة وعقولهن الكبيرة يستدعي الإنحناء له تقديراً حيث لا مكاسب معنوية أو مادية , بل روح معطاءة من القلب والنفس العراقي الذي يُشعل شموع المحبة في كل الجوامع والكنائس والأديّرة .

 

أرفع تقديري لما تفعله المثقفات العراقيات في تقديم القدوة الجميلة للعرب والمسلمين أمام أنظار الغرب لكي لا يثير وجودنا الرعب بينهم بل يرون جوهرنا الجميل الملون تحت زخات المطرالشتوي وموسيقى التخوت الشرقية .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.