اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

أحداث في ذاكرتي- الحلقة الأولى// حامد الحمداني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

أحداث في ذاكرتي

الحلقة الأولى

حامد الحمداني

   22/10/2014

 

نشأتي:

في  فجر السادس عشر من شهر شباط عام 1932، وفي يوم من أشد أيام الشتاء قساوة، أبصرت عيناي النور لأول مرة.

كانت مدينة الموصل مسقط رأسي قد أشتد بها البرد، وتجمدت مياه نهر دجلة حتى أن بعض الناس أخذوا يعبرون من ضفة إلى الضفة الأخرى مشياً فوق النهر المتجمد، كما حدثتني أمي فيما بعد، وكان ذاك أمر غريب بالنسبة للموصليين.

 

في تلك الأيام كانت العائلة المؤلفة من أبي شريف سليمان الحمداني، وأمي وفيقة عبد الغني الدباغ ، وشقيقتيَّ وهبية  وثامرة، وأشقائي َعبد الهادي ومحمود وسالم ، نعيش مع جدتي وأعمامي وعماتي، العم حمو وعائلته، والعم عبد القادر، والعم أمين والعمة وفيقة، والعمة خديجة وولديها رمزية وعبد الستار نعيش جميعاً في دار جدي سليمان والواقعة في محلة باب لكش، والذي توفي قبل عدة سنين من ولادتي، حيث كانت مدينة الموصل محاطة بسور لحمايتها من الغزو والحروب، ولها عدة أبواب منها باب لكش وباب البيض وباب القلعة، وباب الجديد، وباب سنجار، وباب الطوب، وغيرها من الأبواب العديدة الأخرى.

 

كانت الدار واسعة تضم غرفاً عديدة، وفناءً كبيراً، وسرداباً واسعاً أستخدم من قبل جدي، ومن ثم من قبل والدي وأعمامي لتربية الخيول العربية الأصيلة، والمتاجرة بها داخل وخارج العراق. كان السرداب  يضم ما بين عشرة إلى خمسة عشر حصاناً من أجود الخيول العربية الأصيلة ذات القيمة العالية جداً آنذاك.

 

كانت عائلتنا تعيش في غرفة كبيرة وبداخلها مخزن كبير لخزن المواد الغذائية التي أعتاد الموصليون خزن ما يكفي منها لمدة سنة كاملة من شتى أنواع الحبوب كالحنطة ومشتقاتها من البرغل والحبية والرشتة والرز والعدس والتمر والحمص والباقلاء والسمن والأجبان والجوز وغيرها من المواد الغذائية الأخرى.

 

 فقد تأصلت عادة الخزن عند الموصليين بعد المحنة التي مروا بها أبان الحرب العالمية الأولى، حيث جمع الجيش التركي كل ما وقعت عليه يده من المواد الغذائية في مخازنه لتأمين حاجة الجيش التركي وإدامة الحرب، تاركين أبناء الشعب يتضورون جوعاً، حيث عمَّ الغلاء الفاحش الذي لم يعرف الموصليون مثله من قبل، وقد مات الكثيرون من أبناء الشعب جوعاً حيث لم يعد لديهم ما يأكلون، وقد روى لنا والدي كيف أن الكثير من الناس كانوا يموتون في الشوارع وليس هناك من يدفن جثثهم، وحيث لم يبق كلب، أو قطة إلا وأكلها الناس لسد رمقهم، وهكذا بقيت عادة خزن المواد الغذائية لمدة سنة لدى الموصليين، وقد توارثها الناس عن آبائهم وأجدادهم حتى يومنا هذا.

 

كانت الحياة آنذاك صعبة جداً إذا ما قيست بيومنا هذا، فلا كهرباء ولا إسالة ماء، ولا حمام خاصة في البيت، ناهيك عن التدفئة والتبريد، وليس هناك أجهزة كهربائية، ولا يوجد سوى أثاث بسيط، كان الناس يستعملون المصباح النفطي[الفانوس] أو[اللمبة]وكان[السقا] يجلب الماء من النهر للبيوت دون تعقيم كما كان الناس يستعملون ماء الآبار المالحة لغسل الأواني، ويغتسلون في الحمامات العامة أسبوعياً.

 

 لم يكن هناك مطابخ في البيوت، كما هو معروف اليوم، بل عبارة عن غرف صغيرة تحتوي على القدور والموقد النفطي أو الخشبي حيث يستخدم الناس قطع الخشب لطبخ الطعام، أما التدفئة في الشتاء فكانت تقتصر على إشعال الفحم في [المنقل]، وفي فصل الصيف كان الناس يستعملون المراوح اليدوية، وكان الأغنياء من الناس يستخدمون الثلاجات الخشبية لحفظ الطعام وتبريد الماء، ويشترون الثلج لتبريد الثلاجة والطعام الذي فيها.

 

 أما أغلبية الناس فكانوا يضعون طعامهم في أقفاص محاطة بطبقة من الأسلاك المشبكة لتكون معرضة للهواء، وأما ماء الشرب فكان يوضع في الزير[الحب] والأواني الفخارية.

كان الجهل يعم البلد كله، وتكاد الأمية تصل نسبة 98% من أبناء الشعب، وهكذا فقد كان أبي وأمي  أميان يجهلان القراءة والكتابة، وكان والدي يقضي أيامه في عمله حيث كان  يعمل بيطاراً، بالإضافة إلى المتاجرة بالخيول، كما قام بتأسيس محل لشقيقي الكبير عبد الهادي لبيع مختلف أنواع السجائر والتبوغ.

 

نشأتي:

نشأتُ وكبرتُ في أحضان عائلة طيبة جداً، متدينة ومسالمة، ولم أرَ في حياتي كلها أن أبي و أمي تخاصما يوما ما فيما بينهما أو مع الآخرين من الأهل والأقارب أو الجيران، وكانا يتمتعان بسمعة طيبة جداً لدى كل من عرفهما، وهكذا فقد تربينا أنا وأخوتي على عاداتهما، وأخلاقهما وسلوكهما، حيث تلعب البيئة التي ينشأ فيها الطفل دوراً كبيراً في التربية.

 

كانت الحالة الصحية آنذاك متدنية جداً، وكان اهتمام الدولة ضئيلا لا يتناسب وسوء تلك الأوضاع، فلا يوجد سوى عدد قليل جداً من المستشفيات والأطباء، وقد زاد في الطين بله الجهل الذي يعم البلد من أقصاه إلى أقصاه. فقد كان الناس يعتمدون على الحلاقين الذين كانوا يمارسون الطب إلى جانب الحلاقة كالطهور، ومداواة الجروح ومعالج الأمراض الشائعة آنذاك، هذا بالإضافة إلى الكثير من الأشخاص نساءً ورجالاً الذين كانوا يدعون القدرة على معالجة المرضى بالأدعية!!، وحمل ما يسمى [الحجاب] وغيرها، وهكذا فقد كانت الوفيات في صفوف الأطفال بشكل خاص عالية جداً،  ويندر أن لا تفقد العائلة ولو واحداً من أولادها بسبب تلك الأمراض. لقد فقدت عائلتنا أخي [ صالح ] قبل ولادتي، وكان عمره ثمان سنوات، بسبب مرض التيفوئيد، كما توفيت شقيقتي [كتبيه] قبل ولادتي أيضا بنفس المرض، وكان عمرها أربع سنوات، وكان لوفاة أخي صالح تأثيرٌ كبيرُ على صحة والدي، كما كانت تحدثني والدتي، فقد وقع والدي طريح الفراش لفترة طويلة من الزمن.

 

 أما أخي الكبير عبد الهادي فقد أصيبت عيناه بالرمد، وبسبب الإهمال وعدم وجود الرعاية الصحية، حيث فَقَدَ عينه اليمنى تماماً، كما أصيبت العين اليسرى أصابة شديدة بحيث فقد أكثر من 75 % من قوة النظر فيها. أما أنا فقد أصيبت قدمي جراء سقوط صخرة عليها، وكنت آنذاك في السنة الثالثة من عمري، وبقيت أعاني منها سنتان بسبب ذلك التخلف، والاعتماد على الجهلة في معالجتي، وقد نذرت أمي إذا ما شفيت قدمي أن تذبح خروفاً، وتطبخ الشوربة  لتوزعها على الفقراء قرباناً لله إذا شافاني. وبالفعل حل ذلك اليوم، ووفتْ أمي بنذرها، وطبخت الشوربة ووزعتها. لكن الذي حدث فور الانتهاء من تفريغ القدر الكبير ورفعه من موقعه في فناء الدار أن وقعت فوق تلك النار لتحترق رجليّ، ولينقلب الفرح إلى حزن وهلع، فقد تم نقلي إلى المستشفى بسبب تلك الحروق التي أصابتني، وبقيت أعاني من الحروق مدة طويلة.

 

استقلال العائلة:

لم تكن العلاقة بين عمي [ أمين ] ووالدي على ما يرام، فقد كان عمي على عكس والدي وأخويه عبد القادر وحمو  يتصف بالأنانية وحب الذات، وقد حاول بكل الوسائل والسبل إجبار والدي على بيع حصته من البيت الذي ورثه الجميع عن جدي له، وكثيراً ما كان يضغط على والدي مما حدا بأعمامي إلى الوقوف بجانب والدي ضده.

 

 لكن والدي قرر أخيراً حسماً للمشاكل بيع حصته له بثمن بخس قدره ثمانون دينار آنذاك، في عام 1938، واشترى لنا داراً كبيرة في منطقة الدواسة بجانب حديقة الشهداء العامة، وهي من أجمل وأحدث مناطق الموصل آنذاك، وكان ثمن الدار300 دينار على ما أذكر، وقد تم ترميم وصبغ الدار بعد استلامه من صاحبه السابق، وجرى تأسيس الأسلاك  الكهربائية التي بلغت تكاليفها خمسون ديناراً.

 

وخلال مدة الانتظار لاستلام الدار التي استغرقت ستة أشهر كان عمي أمين يفتعل المشاكل معنا كل يوم، ويضغط على والدي لمغادرة الدار، لكن عمي عبد القادر تحداه، وهدده بالكف عن إزعاجنا، وتسبب ذلك في وقوع مشاحنات بينهما تحولت إلى العراك بالأيدي، وتطور العراك إلى الحد الذي كاد عمي عبد القادر يقتل أمين، فقد لحق به وبيده السكين، ولولا إخفائه في إحدى الغرف وقفلها عليه لكانت حدثت مصيبة.

 

لم يمضي سوى شهر واحد على ذلك الحدث حتى أصيب بالمرض أحب الأعمام إلينا عبد القادر، ولم يمهله المرض سوى أيام معدودة حيث فارق الحياة وهو في عز شبابه، وكان على وشك الزواج حيث كان قد عقد، وجهز كل ما يقتضيه الزواج من أثاث ومفروشات وغيرها، وهكذا فقد كانت وفاته صدمة كبرى لنا جميعاً بشكل عام، ولجدتي بشكل خاص، وكذلك لكل من عرفه، لما يتمتع به من خلق حميد، وذكاء حيث كانوا يطلقون عليه لقب قدوري المكتبلي لأنه كان يجيد القراءة والكتابة.

 

دخولي المدرسة:

في الخامس عشر من أيلول عام [ 1938 ] أدخلني والدي المدرسة الابتدائية [مدرسة الأحداث الرابعة] المختلطة الواقعة في محلة باب الجديد، وكنت قد أكملت العام السادس من عمري منذ السادس عشر من شباط من ذلك العام، وكان أخي محمود قد سبقني في دخول المدرسة بثلاث سنوات، وهو فارق العمر بيني وبينه.

 

قضيت الصفوف الثلاثة الأولى في هذه المدرسة التي كانت بإدارة السيدة [اليزا]، وكان علي الانتقال إلى مدرسة أخرى لإكمال الدراسة الابتدائية حيث انتقلت إلى مدرسة الوطن التي كان يديرها الأستاذ [بشير الدليمي]حيث أكملت الدراسة الابتدائية فيها، ومن ثم انتقلت إلى المدرسة الثانوية الشرقية ذات الثلاث سنوات قبل الانتقال إلى المدرسة الإعدادية، وهي الإعدادية الوحيدة في الموصل آنذاك، والتي كان يديرها الأستاذ [عزيز جاسم] حيث أكملت دراستي الثانوية، والاستعداد للمرحلة التالية.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.