اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

النظام الطائفي في بغداد متعفّن وغير قابل للأصلاح// زكي رضا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

النظام الطائفي في بغداد متعفّن وغير قابل للأصلاح

زكي رضا

الدنمارك

 

إن أية محاولة لتزكية النظام السياسي القائم في بغداد وإبعاد صفة الطائفية - القومية عنه تعني تعمد قراءة الواقع السياسي العراقي بشكل يفضي الى تجاوز كل الخراب الذي أنتجه وسينتجه هذا الشكل المشوه من نظام الحكم، حتّى لو حاول البعض ومن أجل "المصلحة الوطنية" وصف الحكومات التي جاءت من رحم طائفي، بحكومات الشراكة الوطنية أو حكومات توافقية ستنتهي (وهم كاذبون) بعد أستقرار الأوضاع الأمنية وأعادة عجلة البناء والحياة الى الدوران بتعديل الدستور وسنّ قوانين جديدة. لأن الأحزاب الطائفية - القومية لا ترى الا في إعتماد وتكريس هذا الشكل من نظام الحكم تحديدا لحماية أمتيازاتها التي حصلت عليها خلال فترة هيمنتها على مقاليد البلد. فهذا النظام ومن دون الدخول في تفاصيل عجزه بأدارة أبسط الملفّات التي تصدى لها منذ الاحتلال لليوم يعتبر نظاما فاشلا بكل المقاييس.

 

من الصعب مقارنة النظام السياسي في العراق اليوم مع أي نظام سياسي آخر في أي مكان بالعالم ، كوننا في العراق لا نعرف لليوم شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم فيه ولازالت الامور عندنا ضبابية نتيجة تداخل مهام الدولة والحكومة واللتان تختلفان عن بعضهما كونهما منفصلتان. فالدولة تمثل السلطات الثلاث ومنها السلطة التنفيذية أي الحكومة، والدولة أضافة الى مسؤوليتها تلك فلها واجبات أخرى كأدارة شؤون المجتمع وتنظيم الحياة الاجتماعية فيه والتي هي أساسا جزء من مهام اكبر وهي أحتكارها للأجهزة السياسية والاقتصادية والقانونية، أما الحكومة فيمكن القول من أنها عبارة عن موظفين "ساسة" يحكمون بأسم الدولة لفترة زمنية معينة ليرحلوا بعدها عكس الدولة التي تظلّ باقية على الدوام.

 

لكي نعرف إن كان هناك في عراق اليوم دولة أم لا علينا البحث عن أهداف الدولة تجاه وطنها وشعبها مقارنة مع أية دولة تحترم وطنها وشعبها بالحد الأدنى. ولننطلق من أولى وأهم هذه الأهداف أي الحفاظ على أمن المواطن وحمايته من كل أشكال القهر والارهاب والتهميش السياسي، مع توفير حياة حرة كريمة لهذا المواطن في مجالات الصحة والتعليم والعمل والثقافة وذلك بالحفاظ على وتطوير موارد بلده من الثروات الطبيعية وعدم التفريط بها أو المساهمة في تبديدها. وهناك الامر الآخر الذي لا يقل أهمية عن ما ذكرناه كونه يعتبر أطارا لحمايته وهو العمل على استقلال القرار السياسي وحماية أمن البلد وحدوده وعدم السماح لأية قوى أجنبية دولية كانت أم أقليمية بالتدخل في شأنه الداخلي.

 

فهل والارهاب يضرب متى ما شاء واينما شاء ومع أنعدام شبه كامل للأمن والخدمات ونهب ثروات البلد من قبل دول الجوار وأنهيار القطاعين الصناعي والزراعي والتدخل العلني لدول عدة بالشأن السياسي الداخلي وأنهيار الحدود وأمكانية تجاوزها بسهولة كبيرة من مختلف الجهات توحي من أن هناك دولة؟

 

الدولة في حالة العراق متعدد الطوائف ولكي ينطبق عليها مفهوم الدولة فأنها بحاجة الى القفز على كل الطوائف أي أن لا يكون للطائفة أي موقع فيها من الناحية السياسية لأن تسلح الطوائف بظهير سياسي دستوري يعني حلبة صراع مفتوح بين هذه الطوائف، والتي تحمل في رحمها جنين الحرب الطائفية الذي إن خفّ أواره لضغوط دولية وأقليمية في وقت معين فأنه سرعان ما سيستعيد "عافيته" في أي فراغ سياسي ليدمر ما لم يُدَمَر نتيجة فشل الدولة في مهامها سابقا. فالدولة العابرة للطوائف مهمتها الاساسية هي حماية نفس الطوائف التي تبدو متصارعة على ساحتها من خلال حماية المواطن الفرد عن طريق أنتاجها لنظام سياسي ديموقراطي حقيقي وحكومة أغلبية تستند الى صناديق الاقتراع على أن لا تتجاهل حقوق الاقليات القومية والدينية والمذهبية والسياسية، وأن تسن القوانين الكفيلة بأجراء الانتخابات البرلمانية بحرية وشفّافية وبعيدا عن استخدام الدين والطائفة كخطاب وبرنامج سياسي!

 

إذا ما تحققت ما تسمّى بـ "حكومة الشراكة الوطنية" في أية دولة ومنها العراق فأنها تعتبر ترجمة حقيقية للتجاوز على الدولة وتعطيل مؤسساتها كون هذه الشركة سوف تنتج " أنتجت" نظاما لتوزيع المناصب وفق النقاط وكأننا في بورصة تجارية، وستعمل "المطلوب أن تعمل" هذه الحكومة بمكوناتها الطائفية والقومية على خدمة كياناتها تلك وليس المواطن المتواجد في أي بقعة جغرافية من الوطن وبغض النظر عن أنتمائه الديني والطائفي والقومي، ولكننا لا نرى هذه الخدمة على أرض الواقع بل العكس هو الصحيح فحجم الدمار والتخلف وانعدام الامن والخدمات منتشرة على عموم التراب الوطني العراقي عدا أقليم كوردستان ولحدود معقولة ولكن غير كافية نتيجة لأشتراك السلطة هناك بنفس السمات مع مثيلتها بالمركز وهي في الواقع جزء منه.

 

أن ما تسمّى بـ "حكومة الشراكة الوطنية" أو بـ "حكومة التوافق" لم تترك لنا من خلال تجربتنا المرّة معها خلال فترة الثلاث عشرة سنة الماضية الا خرابا وفوضى خلّاقة! وعلينا اليوم البحث عن قوى قادرة على أن تخرج بلدنا وشعبنا من تحت ركام هذا الكم الهائل من الخراب المادي والمعنوي والروحي بسعيها على أن تكون مركز جذب واستقطاب لقوى أجتماعية متضررة مما وصل اليها حالها وحال البلد والتواقّة للعيش بسلام وكرامة في عراق آمن مستقر. لأن الاعتماد على نفس القوى الطائفية من أجل تغيير الواقع السياسي بتعديلها للدستور للعبور بالعملية السياسية لانتاج دولة مدنية حديثة حلما لا أظنه يتحقق مطلقا، لأن في حالة تحقيقه يعني تنازل هذه القوى عن مصالحها وهذا أمر بعيد تحقيقه أن لم يكن محالا. وفي هذه الحالة فأنها لن تنتج الا نظاما متهرئا وغير قابل للاصلاح. أن الطريقة الوحيدة للأصلاح هي هدم هذا النظام وبناء نظام مؤسسات لا مكان فيه لعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات، نظام سياسي يحترم الدين كحاجة أنسانية وأجتماعية عند قطاع واسع من العراقيين ولكنه يعمل "من اجل مكانة الدين واحترامه" على الغاء دور المؤسسات الدينية الطائفية في الشأن السياسي.

 

الاحزاب الطائفية تتحمل كامل المسؤولية عن هزيمتنا الفكرية والاجتماعية والاخلاقية، بل هزيمة وطننا.

 

زكي رضا

الدنمارك

 

23/10/2014

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.