اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

قراءة في كتاب "التشيع العلوي والتشيع الصفوي" (الحلقة العاشرة - الأخيرة)// زكي رضا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

قراءة في كتاب "التشيع العلوي والتشيع الصفوي"

د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي

(الحلقة العاشرة - الأخيرة)

زكي رضا

الدنمارك

26 / 11 / 2014

 

ولكي ننهي قراءتنا المتواضعة لكتابه، نمر بشكل بسيط على أمرين نراهما جديرين بالمرور عليهما وهما التقية والشفاعة.

 

التقية

يعتبر شريعتي أن التقية في المنظور العلوي للتشيّع عبارة عن شكلين من أشكال التكتيك، هما تكتيك "تقية الوحدة" وتكتيك "تقية النضال". ويلخص شريعتي مفهومه للشكل الأول من التقية على عدم ابراز ما يثير مجموع المسلمين ويشتت وحدتهم وكلمتهم، وذلك في بحثه المستمر عن توفير الفرص لوحدة المسلمين، والبحث عن المنهج والوسيلة لطرق عمل وسلوك الأقلية مقابل الأكثرية ليس في أحترام أفكار الأخوة وأعمالهم فقط ، بل وللحفاظ على عقائد من يمارس التقية للحفاظ عليها وحمايتها. وأعتبر الصلاة في مكة والمدينة المنورة أثناء تواجد الشيعي هناك خلف أمام سني جائزة حسب توصيات "علمائنا الكبار" حسب قوله. أما "تقية النضال"، فهي الحفاظ على قوى الأيمان "لا على النفس" من خلال مواصلة النضال الفكري والسياسي والاجتماعي مع مراعاة جانب الكتمان بعدم أعطاء السلطات الظالمة أية ذريعة لضرب المذهب ورجالاته. وبذلك فأن التقية حسب وصفه عبارة عن منهج علمي وعملي للحفاظ على الكيان الشيعي. وقد ضرب مثلاً على تقية الأئمة الشيعة أمام السلطان الأموي والعباسي.

 

وتختلف التقية عند التشيّع الصفوي عن مثيلاتها عند التشيّع العلوي في أنه أي التشيّع الصفوي، وبحجة الحفاظ على النفس يدعو الى التزام الصمت تجاه أنحرافات السلطات المُضطَهِدة. ولم يحدد شريعتي هنا هذا الشكل من التقية فيما إذا كانت هذه السلطة شيعية، وهل على الشيعي أن يأخذ جانب التقية إذا كان الحاكم الظالم شيعياً !؟. ولكن أستنتاجه حول الفرق الذي حدده بالحفاظ على النفس وإن كان الخطر ضئيلاً بين التشيّعين نجد له مثالا صارخاً في التاريخ والتراث والادب الشيعي متمثلاً في موقف الحسين في كربلاء من خصومه وعدم لجوئه الى التقية للحفاظ على حياته وآل بيته وأصحابه الذين أستشهدوا في معركة غير متكافئة. فالحسين كان باستطاعته "وفق التقية الصفوية" أن يتقي خطر الأمويين ببيعته ليزيد لحين عودته الى مكّة أو المدينة، حيث يحّشد شيعته ليعلنها حرباً على النظام الأموي. إن موقف الحسين هذا أضافة الى موقف أباه الأمام علي بعزله معاوية وعدم أخذه بنصيحة المغيرة بن شعبة على أبقاءه لحين أن تقوى شوكة الأمام تقيّة، يوضحان بشكل جلي من أن التقية المعروفة اليوم هي شكل من اشكال الجبن والأنتهازية ليس الّا.

 

الشفاعة

الشفاعة في اللغة مشتقة من مفردة (الشفع) أي (الزوج وما يضم إلى الفرد). قال ابن منظور:(شفع : الشفع : خلاف الوتر، وهو الزوج، تقول: كان وتراً فشفعته شفعا، وشفع الوتر من العدد شفعا : صيره زوجاً...، وشفع لي يشفع شفاعة وتشفع: طلب، والشفيع: الشافع، والجمع شفعاء ، واستشفع بفلان على فلان وتشفع له إليه فشفعه فيه. وقال الفارسي : استشفعه طلب منه الشفاعة أي قال له كن لي شافعاً. وفي التنزيل: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها . وقد تكرر ذكر الشفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم، والمُشفِع: الذي يقبل الشفاعة، والمُشفَع: الذي تقبل شفاعته).

 

وتستخدم الشفاعة عند العرب بأن يطلب شخص له مكانة اجتماعية أو دينية أو ما شابه ذلك من شخص آخر بيده أمر من أمور الناس كالحكام في أن يعفو عن معارض، أو أن يقضي حاجة لشخص وهكذا، وأن يتقبل الشخص شفاعة الشفيع، بسبب خشيته من أنه إذا لم يقبل شفاعته، فسوف يلحق الأذى بالشفيع ، وبذلك يحرم من لذة معاشرته، بل ربما يؤدي عدم قبوله لشفاعته، أن يلحق به بعض الأذى، والضرر من جانب الشفيع.

 

أما في الاصطلاح، فهي ليست ببعيدة عن المعنى اللغوي كثيرا، إذ الشفاعة هي: (السؤال في التجاوز عن الذنوب)، أو هي : (عبارة عن طلبه من المشفوع إليه أمرا للمشفوع له. فشفاعة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أو غيره عبارة عن دعائه الله تعالى لأجل الغير وطلبه منه غفران الذنب وقضاء الحوائج. فـ(الشفاعة نوع من الدعاء والرجاء).

 

والشفاعة عند المسلمين من المسائل المهمة ليس في الحياة الدنيا، بل في الحياة الآخرة لكونها ترتبط أرتباطاً وثيقاً بيوم الحساب عند ميزان الحق الالهي وفق ما أتفق عليه فقهاء المسلمين من جميع المذاهب الأسلامية، عدا الخوارج والمعتزلة. وقد حدد علماء المذاهب السنّية الشفاعة بالنبي محمد وبقية الأنبياء والملائكة وخواص القوم، وقالوا أن الشفيع يطلب من الله ويسأله برفع الذنوب أو تخفيفها لمن يحبون أو يريدون. الّا ان هذه الشفاعة لا تنفع الا بأذنه "الله" وفقاً للآية القرآنية :"من ذا الذي يشفع عنده الا بأذنه" (1) ، أو الآية:"وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا الّا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" (2).

 

أما الشفاعة عند التشيّع العلوي فهي لا تختلف بشيء تقريباً عن نظيرتها في المذاهب السنّية. فحتى شفاعة أئمة الشيعة لأتباعهم يوم القيامة والتي يؤمن بها الشيعة أيماناً مطلقاً مقبولة من السنّة وإن بشكل غير مباشر. فالمذاهب السنّية تكن كل الأحترام للنبي وآل بيته وهي تؤمن بأن خواص القوم لهم القدرة على الشفاعة، وآل بيت محمد هم جزء لا يتجزأ من خواص الأمة عند مجموع المسلمين ولذا فهم من الشفعاء. وعودة إلى الخوارج والمعتزلة الذين لا يعتقدون بالشفاعة، فأنهم، شأنهم في ذلك شأن أتباع المذاهب الاخرى، يستندون الى نصوص قرآنية ومنها "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خُلّة ولا شفاعة" (3) .

 

يبقى الفرق بين التشيّع العلوي والسنّة من جهة وبين التشيّع الصفوي حول مسألة الشفاعة من جهة أخرى تدور حول شفاعة غير بني البشر كالتراب مثلاً!. فالحسين على سبيل المثال هو شهيد الأسلام بأعتراف جميع المذاهب الأسلامية تقريباً، وهو بنفس الوقت سبط النبي محمد وأبن بطل الاسلام علي وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين؛ أي أنه من خواص الخواص وشفاعته لمريديه جائزة بل قائمة وفق ما جاء في آيات عديدة من القرآن حول مسألة الشفاعة.

 

الا أن شريعتي في تناوله لمسألة الشفاعة عند "التشيّع الصفوي"، ينتقد هذا التشيّع كونه تشيّع خرافة وجهل ليضرب لنا مثلاً حول شفاعة التراب والدمّ!، فيقول أن "الشيعي الصفوي يرى أن تراب كربلاء له خواص مميزة ينفرد بها عن سائر الأتربة في العالم ، ويتألف من مواد مختلفة عن تلك التي تتألف منها الأتربة الأخرى، وربما كانت له خواص فيزياوية وكيمياوية فريدة من نوعها!. ففي تراب كربلاء، حسب اعتقادهم، روح خفية وقوة غيبية وخاصية أعجازية ميتافيزيقية وله كرامة ذاتية جوهرية وفضائل ومناقب لا يدركها عقل أنسان وهي التي أكسبته هذه القدسية الدينية التي تفتقر اليها سائر انواع التراب" (4)،"أن ما وراء هذا التراب وهذا السحر والاكسير قوة غيبية أشبه بالمانا" (5) . وينبري التشيّع الصفوي في وصفه الكربلائي الحقيقي السائر على درب شهادة الحسين ليمنحه نفس قدسية هذا التراب وأن بشكل آخر محاولاً منح حق الشفاعة من الناحية الروحية قائلاً :"هذا التراب يبعث الحياة في عقولنا الخاملة وينشط قلوبنا التعبى ويحرّك أرادتنا الميتّة ويبعث في أجسادنا الحرارة وفي أرواحنا الحياة!. أنه يعيد لنا أنسانيتنا التي معها فقط نستحق الحياة، هكذا يشفع لنا تراب الحسين" (6) . ويخلص شريعتي الى القول بتطابق وجهتي نظر التشيّع الصفوي والعلوي حول مسألة الشفاعة سوى ان التشيّع الصفوي خص الفائدة منه بنفسه فكتب يقول:"والتشيّع الصفوي يقول بذلك أيضاً، هنا وفي أي مكان آخر، فقد أكدت في أكثر من موقع على أن التشيّع الصفوي حافظ على نفس معتقدات التشيّع العلوي غير أنه جرّ نفع وفائدة ذلك الى نفسه وبما يضر المجتمع ككل" (7). ويلخص شريعتي كلامه في النهاية ويقول أن الشفاعة في التشيّع العلوي هو "سبب لكسب أستحقاق النجاة" فيما الشفاعة عند التشيّع الصفوي هو "طريق لنجاة غير المستحق".

 

لقد شغل بال شريعتي كمفكر أسلامي شيعي علوي تجديد الفكر الديني عن طريق صيانته وتنقيته من كل أشكال الجهل والخرافة التي رافقته خلال مسيرته الطويلة، مشدداً على أستخدام لغة المنطق والشك في تفسير الكثير مما جاء في التراث الديني بشكل عام، مع تركيزه على التشيّع. وهذا يحسب له، بجرأته في نقد وتعرية كل ما من شأنه أن يحط من قدر أئمة مذهبه من تلك الخوارق التي سبغتها عليهم كتب التراث الشيعية، خصوصاً في الفترة ما بعد تأسيس الدولة الصفوية. أن شريعتي في كتابه هذا يريد من الحسين اليوم أن يكون أشلاءاً متناثرة في صحراء كربلاء، لأن تلك الأشلاء هي التي حفظت التشيّع العلوي وليستمر معها الدين الاسلامي. أنه يريد ذلك الحسين الثائر على الوضع السياسي والاجتماعي حينها والذي أنتج بعد أستشهاده عشرات الثورات التي أستلهمت من مواقفه الكثير. إن البحث عن مثل هذا الحسين قاده الى حصر وجوده في التشيّع الأحمر؛ أي تشيّع الثورة من أجل القيم والمباديء التي تفضي الى تحرير الانسان من ربقة الفقر والعوز والجوع والجهل. أن شريعتي يبحث عن الحسين في دار أبيه الامام علي المتواضعة في عاصمة الخلافة الاسلامية "الكوفة"، وليس في قصر الأمارة. أنه يبحث عن الحسين في صحراء الربذة الموحشة حيث كان أبا ذر يعاني سكرات الموت منفياً من السلطة الجائرة هو وزوجته. هذا هو التشيّع الذي بحث عنه شريعتي، ومثل هذا الحسين كان مناره وهو يرى التشيّع يغيب في لجّة بحر مظلم حالك السواد، فهل وصلت سفينة شريعتي الى شاطئها؟.

 

أن تلك الأشلاء المتناثرة التي ألهمت الكثيرين على الثورة ضد الظلم والطغيان والفساد بعد أن اصبحت مأوى لكل الناقمين على سوء أوضاعهم، غادرت صحراء كربلاء لتستقر تحت قبّة ذهبية في فناء واسع تحيط به أبواب ذهبية وفضيّة، وليصبح ترياق وأفيون رجال الدين الصفوي يخدر مريديه وعشّاقه ويبعدهم عن تلك الصحراء الى حيث تلك القبّة الذهبية. وبدلاً من ان تسير هذه الجموع، كما يريدها شريعتي ، الى حيث حسين الدم والكلمة والثورة، فإن العمائم الصفوية تسيّرها الى حيث حسين السواد والذلّة والسكوت عن الظلم والجوع وجور الحاكم ، ليس لشيء الا كون هذا الحاكم شيعياً.

 

أن الحسين في التشيّع العلوي، كان يريد ان تقف الثورة والقيم والمثل والحكمة وإن تصطف الى جانب الفقراء في مواجهة الحكام الفجرة القتلة المرتشون الذين لبسوا لباس التقوى. أما الحسين عند التشيّع الصفوي فيراد منه ان يلبس لباس السلطة الغاشمة. لماذا، لأن السلطة شيعية والحاكم شيعي ورجل الدين في بلاطه شيعي!. وهنا تكمن الكارثة التي لحقت بالتشيّع العلوي الذي أصبح اليوم لا يجرؤ أن يطل برأسه وهو يرى كل هذه الخزعبلات في طقوس لم تنتمي اليه، الا لشأن سياسي بحت. فهل سيستعيد التشيّع العلوي يوماً ما رونقه و مُثُله ومكانته التي حلم بها شريعتي؟. وهل سيتحقق حلم شريعتي بتشيّع يصطف إلى جانب الفقراء والارامل والأيتام الذين شغلوا بال الأمام علي حتى ساعة أستشهاده؟. وهل سيتحقق حلم شريعتي بـ"تشيّع" يقوده العامّة ولا تقوده العمامة؟

 

 

زكي رضا

الدنمارك

26 / 11 / 2014

 

(1) " قرآن كريم سورة البقرة آية 225 "

(2) " قرآن كريم سورة النجم آية 26 "

(3) " قرآن كريم سورة البقرة آية 254 "

(4) " التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي ص 274 "

(5) " المصدر السابق هامش ص 275 ، والمانا: قوة تأثير غيبية في أدبيات الديانة المانوية وهي ديانة قريبة من الزرادستية "

(6) " المصدر السابق ص 276 "

 

(7) "  المصدر السابق ص 270 "

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.