اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

شيوعي في عيد الحزب// عبد الرضا حمد جاسم

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

شيوعي في عيد الحزب

عبد الرضا حمد جاسم

 

من الحياة مع شيوعي

حَّــــلاق في زقاق

في زقاق من أزقة الوطن: ان هناك حّلاق...

له ما يميزه من أدبٍ راق وأخلاق...

وله الكثير من الأصدقاء والزملاء والرفاق

...له صفاء ماءٍ رقراق...

لتحية القادم بأشواق سَّباق

...يكدح على قدمٍ و ساق

أنه ابو عادل...

محب للفَّلاح والعامل

وكل من يستحق ويستاهل...

هادي كريم... متسامح متساهل...

واثق... للخير سَّباق... تحَّمل بعض ما لا يُطاق

...بصبر وأمل... وصفاء العُشاق

...يتأمل كل صباح الإشراق...

أنه كما قلت أبو عادل الحلاق...

في طريقي اليه.... انتبهت الى ستار يجلس على كرسي امام محل (صالون) حلاقة أخر ليس ببعيد عن محل (صالون) ابو عادل وهو يقرأ في صحيفة يومية...

صباح الخير ستار...

اهلاً وسهلاً استاذ صباح الخير

انتبهت الى الزجاجة الامامية للمحل (الصالون).... مكتوب عليها: صالون حلاقة ستار للرجال

استغربت وباركت له وسألته عن ابو عادل وتركته وهو يقول ( ألله وياك عمي)

ستار كان عامل في محل (صالون) حلاقة ابو عادل منذ ان عرفت ابو عادل عن طريق صديق قبل اكثر من عام في وقتها

ابو عادل رجل يقترب من الاربعين في عمره... حلاق رجالي... صاحب محل صغير منزوي في شارع فرعي ...نظيف ...مؤدب ...قليل الكلام بعكس ما ذُكِرَ عن الحلاق والثرثرة

تعَّرفت عليه عن طريق زميل طلب مني مرافقته اليه ليقص شعر رأسه ...بعد التحية والتعارف ...والترحيب قال صاحبي مخاطباً ابو عادل :

ابو عادل عيوني... الأخ من ربعك... (في اشارةٍ لي).

رحَّب وشَكَرَ وتمنى وابتسم

تلقفت الكلام وعرفت معناه ...

قدم ابو عادل الشاي... ودار حديث عام بينه وبين زميلي وانا اقلب بإحدى صحف ذلك اليوم التي يبدو ان ابو عادل تعَّود شرائها ووضعها في محله حيث هناك اعداد منها لأيام سابقة.

انتظرنا اكثر من نصف ساعة.... همستُ في أذن صاحبي ...تأخرنا... ماذا هناك؟

فرد ابو عادل وكأنه تلقف ما اقصد قائلاً : حلاق الأخ ( وهو يُشير الى زميلي) لم يحضر بعد... خلال دقائق سيأتي... فعلاً ليس أكثر من 15دقيقة حضر شاب مُهتم بنفسه يحمل معه كتاب ودفتر... ادى تحية الصباح بحياء واحترام... بادلناه بأحسن منها... وضع كتابه ودفتره وارتدى ما يرتديه في عمله... ونهض زميلي ليجلس على كرسي الحلاق ويُسلم رأسه لشاب لم يتجاوز السادسة عشر من العمر.

باستغراب اُراقب ما يجري

طلب مني ابو عادل ان نجلس خارج المحل... جلسنا نتكلم على ما ورد في الصحيفة وما اُذيع من اخبار... سألني ابو عادل أين تسكن قلتُ له في (الطوبجي) (حي السلام)... ابتسم قال على خط (44) ( يقصد باص مصلحة نقل الركاب رقم44 الذي يخدم المنطقة او الحي) ...

قلت له نعم ...اركب من بدايته وانزل في نهايته... (لمن يعرف بغداد هذا الخط ينطلق من ساحة الشهداء في الكرخ الى منطقة او مدينة الطوبجي /حي السلام)...

ضحك ابو عادل وقال: من ترجع سلم لي على اخوية مجيد الاوتجي (الاوتجي... تعني صاحب مكوى الملابس /كان على الفحم)... محل مجيد يقع عند نهاية خط الباص44

قلت له ...تعرفه؟ اجاب نعم هذا من (عتيك) اي معرفة قديمة او متمرس في شيء... شكرته وتعهدت له بأن سلامه سيصل اليوم... تكلمنا عن مجيد الطيب... وقد وصل سلامه في نفس اليوم وكان محل حديثنا انا ومجيد.

لا أبالغ أذا قلت أن نسبة عالية من أهالي المنطقة الواسعة المتنوعة (الطوبجي/ حي السلام) تعرف مجيد الاوتجي... وحتى الغريب حيث من يسأل على شخص او دار او عائلة يقولون له أسأل مجيد الاوتجي فهو يعرف نسبة عالية من اهل المنطقة... (يعني مختار غير رسمي).

خرجنا من المحل (صالون حلاقة ابو عادل) انا وزميلي... وتدور برأسي اسئلة كثيرة... حيث هناك امور تحتاج الى تلك الاسئلة...

بادرت بسؤال زميلي ...يبدوا أن ابو عادل قد ترك العمل وهو في عمر الشباب تقريباً (أربعين عام)... حيث العادة أن الصديق يقص شعره (الاسطه) صاحب المحل وليس العامل...

فرد صاحبي مبتسماً وقال ...كنت ...لكن أبو عادل وبحكم الصداقة التي تربطنا طلب مني في أحد الايام ان اقبل بأن يقص لي شعري... ستار... مستقبلاً... وقال انظر الى قصة شعري فهو من قصها لي...

يقول صاحبي: استغربت...لأن ابو عادل اكيد يحتاج الى من يقص له شعره فوجد ستار الاقرب لذلك وهذا ربما طبيعي... لكن ابو عادل بادرني قائلاً ما يقص شعر الحلاق إلا حلاق مثله... فهمت القصد و قبلت الطلب.

وعندما ( والحديث لصاحبي) استوضحت الامر من ابو عادل ...قال لي :

انا كما تعرف لي عائلة صغيرة أنا وزوجتي (راسي او راس المرة لا ولد و لا تلد) (تعني ...ليس لي اطفال رغم زواجي المبكر)... ولي جماعتي الذين يرغبون ان اكون حلاقهم الخاص... وهذا يكفيني ويسد كل احتياجاتي وهي بسيطة كما تعرف... وستار يتيم الاب وله والدته وثلاث اخوات أصغر منه... وهو طالب وصغير بالعمر... والده من جماعتنا ...قدم حياته في سبيل ذلك ولم يترك لهم اي مصدر عيش... وانا تكفلت بهم على قدر ما استطعت كل تلك الفترة تقاسمت معهم ما يمكننا من العيش حتى بكفاف... وعندما كَبُر ستار قلتُ له أن يساعدني في المحل ويتعلم مهنة قد تعينه في قابل الايام وسيكون له رواد ممن يرتادون المحل اليوم... على ان يستمر بدراسته في المساء...

واستمر صاحبي يسرد عليَّ تلك الملحمة الانسانية التي كتبها عملياً ابو عادل...

اكمل حديثة ونحن جلوس في احد البارات (مطعم وبار)... قائلاً :

كيف تدَّرب ستار على قص الشعر؟... من خلال المشاهدة والانتباه والتعليم والوصايا من ابو عادل... واول تجربة له.... حيث طلب يوماً أن يأخذ ادوات الحلاقة البسيطة معه الى البيت... حيث قص شعر بعض اطفال الجيران... واستمر هذا الحال اسبوعياً تقريباً... ثم مع اطفال المحلة التي يقع فيها المحل (الصالون) ومجاناً... إلى أن... تمكن من كسب اعتراف ابو عادل بجودة عمله من خلال الانتباه الى قص شعر اطفال المحلة...

في أحد الايام ...طلب منه أبو عادل أن يقص له شعر رأسه... صُعِق ستار كما وصف الموقف ابو عادل... لكنه شجعَّه ...أحسن ستار عمله وتكرر الحال مع ابو عادل... في أحد الايام وانا في المحل ليقص ابو عادل شعري ... قال لي ...ما هو رأيك بقصة شعري؟... هل فيها عيب او عيوب... قلتُ (والكلام لصاحبي) لا... ممتاز ...أكيد عند حلاق متخصص مثلك... ضحك وقال نعم ...حلاق أحسن وأفضل من معلمه (صانع الاستاد...تاد او نص) [ يعني من يتدرب عند استاذ يصبح اكثر من استاذه و احسن]... أنه ستار... استغربت يقول صاحبي... واطلب منك أن تقبل به حلاقك من اليوم...

أكمل صاحبي قائلاً: لا تستغرب عندما يطلب منك ذلك في يوم من الايام... سيطلب منك ذلك خلال فترة قصيرة حتماً... وفعلاً حصل وتقبلت ذلك بكل رحابة صدر...

تركتُ ستار.... يجلس في باب صالون حلاقته... وتوجهت الى محل ابو عادل ...مستغرباً خائفاً أن هناك خلاف او نكران جميل من ستار لإستاذه وعمه ابو عادل وانا بقلق اسأل ابو عادل عن ستار كأني لم التقيه...

ضحك ابو عادل... وقال: اصبح صاحب محل مستقل واستاذ في مهنة الحلاقة...

كان المعروف في صالونات الحلاقة او محلات الحلاقة ان يقدم الزبون هدية بسيطة قبل الخروج للعامل يُطلق عليها في العامية العراقية (بقشيش أو بخشيش)... هذه كانت لستار مع اجوره اليومية المُعتادة من ابو عادل... وبعدها قرر ابو عادل أن يعطي اجور الحلاقة التي يقوم بها عادل اليه كاملة... بالإضافة الى مساعدته في انجاز واجباته المدرسية وحرصة على دراسته واستمرارها.

موقف صعب ودرس بليغ ونزاهة وشرف واخلاص متناهي ...أخرسني عن قول أي شيء ...سرحت في خيال وشرود ....وصمت... حيث تعجز الكلمات عن وصف ذلك...

كسر كل ذلك ابو عادل... بابتسامته وهدوءه المميزينْ وقال: من اليوم انت حلاقك ستار... تأتي هنا ...أهلاً وسهلاً وانا بشوق لكن للتواصل فقط... قص الشعر هناك...

وهذا الموقف اخبر به أو طلبه من كل من كان ستار يقص لهم الشعر...

وفي أحدى المرات ...قال لي أبو عادل أنا سعيد لأن ستار تعلم مهنة تدر عليه ما يسد به احتياجات عائلته... وبذلك انا ربحت ايضاً ...ربحت كثيراً.... أني اوفيت حق والده صديقي واوفيت حق القيم التي آمنت بها ولا أزال... وربحت اني مرتاح الضمير... وربحت لأني تخلصت مما كنت أقدمه لهم من مال ولو بسيط وربحت لأن ستار فيه وفاء وصدق أبيه ولم ينسى عمه ابو عادل... فهو كل يوم يأتي ليفتح المحل وينظفه وينظف امامه وينتظرني الى أن آتي اُصَّبِحْ عليه ويُصَّبح عليَّ وبعد ذلك يذهب ليفتح محله (صالونه) وعند المساء يأتي بعد أن يغلق محله ليُنظف المحل والادوات و يغلق المحل ويُمَّسي عليَّ وأُمَّسي عليه.

هل هناك سعادة اكثر من هذه السعادة... وانا على يقين من أنه لن يترك (خالته) زوجتي لو حصل لي مكروه فهو ابنها الذي لم تلده

تحيـــة كبيرة في هذه المناسبة للكبير ابو عادل (اصدقاءه من اطلقوا عليه اسم ابو عادل) الذي لا اعرف اسمه لليوم ... وبحثت عنه في زيارتي الاولى ولم اصل الى شيء.

وتحية للغالي مجيد الاوتجي والذي لا اتوقع انه حي لليوم لهما الذكر الطيب

وتحية للشاب ستار الذي ايضاً لا اعرف عنه شيء إلا أنه حصل على الشهادة الاعدادية والتحق بالجامعة ولا يعرف عنه شيء من قال لي ذلك.... وهو صاحب محل بيع الاحذية الملاصق لمحل الحلاقة... حيث باع محله وانتقل الى مكان آخر قريب لسكنهم الجديد في احدى ضواحي بغداد... اتذكر ستار عندما يستقبلني او زميلي يقول استاذ و عندما نغادر يقول عَّمي

وتحية لمن ارضعتهم الدر وتحية لمن علمهم القراءة والكتابة وتحية خاصة لمن علمهم حب الناس واحترامهم...

وتحيــة للحزب الشيوعي العراقي... ولكل من سار في طريقه من أمثال ابو عادل ومجيد وستار

والذكر الطيب لكل شهداء الحزب ومناضليه

 

الى اللقاء مع قصة اخرى هذه المرة من البصرة

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.