اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوم الميلاد .. مشهد من سيرة ذاتية!// يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

يوم الميلاد .. مشهد من سيرة ذاتية!

يوسف أبو الفوز

 

مع رفيقة الدرب في المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي

حسنا .. لنبدأ من اخر الرحلة.. هاهو السندباد يهبطأارضا جديدة. محملًا بالهموم، بخور الاماني، اصداف السنين ومثقلا بعلامات الاستفهام. عيناه مترعتان بالوجد، ملء المدارات أغانيه، ملأ العمر أحلامه، ومن بين كفيه تهبط حكايات شهرزاد ...

 

تركت نافذة الغرفة مفتوحة، ففاجأك وعلى غير انتظار، طائر ملون، بقبعة من الريش الاحمر، حط  بحذر على حافة النافذة، تفحص المكان بحذر، وادار ظهره لك وراح يهز ذيله بشكل مضحك . لا تذكر أن في عراقك طيرا جميلا كهذا. أهو نوع من عصافير القطب؟. حملت كوب الشاي بحذر وجلست الى طاولة الكتابة متحاشيا افزاع الطائر. أمامك حزمة من الاوراق عليك ان تسلمها غدا لدائرة التسجيل.

 

هذي السماء الغريبة، وخطاك الوئيدة، وبلادك بين نيران ظلم الديكتاتور ونيران الحصار والحروب. في غرفتك النائية يبرز لك سكون الوحدة لسانه. تلتهم الوجع، ارغفة يشويها لك صقيع الغربة. واذ ترتجف أضلاعك تحت سماوات رصاصية، تتدثر بأغنيات من داخل حسن وفؤاد سالم.

 

طلبت منك موظفة دائرة التسجيل، ان تملأ الاستمارات بشكل دقيق. وضعت لك علامات بالاحمر امأم الاماكن الاجبارية. حياتك الجديدة، بعيدا عن سمائك الاولى، تحت سماء القطب، سيكون لها أيقاع قوانين بلد منفاك الاجباري. وكلما تتفحص الاوراق يواجهك السؤال : تأريخ الميلاد .. اليوم والشهر.. !

 

بين ثلوج الغربة واطلال الذاكرة يمتد زقاق للوجع، هناك تتكىء روحك الى جذع نخلة، وتطلق اغنيتك، ترسمها بهواجسك، في السماء الغريبة، نجمة لها وجه أمك الجميل بعيونها الذكية.

 

لم يسجل احد تأريخ ميلادك، لكن أمك ظلت تكرر دائما بأنها ولدتك في أيام "دخول السنة". كررت بأنها قبل ولادتك بأيام لم تترك مسمارا لتعليق الملابس لم تزينه بالعشب الاخضر. أخبرتها غجرية بأن القادم سيكون ولدا، وسيكون غنيا وبهيا وفارسا مثل ملك. لم تصدق أمك بكل هذا، فقد عجنها الفقر كل يوم، طيلة السنوات التي عاشتها مع الرجل الذي احبته ورفضت ان تتزوج سواه، بعد قصة حب كان لها صدى في المدينة الفراتية الصغيرة. كانت امك تتمنى ان يكون لمولودها ملامح أبيه ولون بشرته الفاتح، لكنك جئت تحمل سمارها ولون عينيها، وانف أبيك الدقيق .

 

ايها العاشق العنيد. أيها الطفل الكبير. يا عامل السكك العصامي، الذي لم تخلف لابنائك بعد رحيلك سوى بهاء اسمك وبدلة عملك الزرقاء. ما معنى السماء من دون حرية جناح الطائر؟ ما معنى البحر من دون مرح الأسماك الصغيرة؟ ما معنى الكبرياء من دون حروف اسمك؟ سأخطه بالنار على بوابات الغربة، وأطرزه بالدمع على رموش القلب .

 

أبوك، الكادح، لم يقرأ يوما كتب ماركس ولينين، ولكنه عرف نضالات يوسف سلمان يوسف ـ فهد وأستشهاده الاسطوري، وشارك في مظاهرات عمال السكك وهتف لاجل سعادة الناس. ويوم لاحظك تخبأ كتبك الثخينة في مكان امين. سألك وهو يغمز لأمك : أهذه كتب صاحبكم أبو لحية، ابو البلاوي؟

 

تهبط غيمة. تحملني. افترش الحلم. اعبر كل سنين العتمة. لشمس ما زالت تكبر. لارض الدفء اغانيها : فارسنا امتشق الفرح سيفا وتزنر !

 

كانت أمك راوية قصص العائلة. مغامرات ابيكم العاطفية قبل الزواج منها. عراكه مع المهندس الانكليزي. عن زياراتها ودورانها بين السجون. عن قصص عوائل السجناء الباحثين عن ابنائهم في سجن نقرة السلمان. عن تظاهرة نساء السماوة صبيحة ثورة الرابع عشر من تموز، وكنت ذا عامين تحملك في التظاهرة على كتفها. لقاءات نساء المحلة في لمة "شاي العباس" والحضور الدائم للقائدة الرابطية أم موسى ـ المناضلة صفية الشيخ محمد . قصة أعتقال خالك الشيوعي، صاحب المكوى، من قبل "الحرس القومي" في ذلك اليوم الاسود من شباط . عن يوم الحشر في محطة القطار، يوم وصول "قطار الموت" لمدينتكم، حين هبت المدينة لانقاذ السجناء. كان ابوك يرمقها بنظرات الحب مؤكدا كلماتها، وكنت ، واخوتك، تلتهمون قصصها مع ارغفة الخبز الذي تحمله لكم ساخنا من تنور البيت .

 

كانت امي توصيني دوما : يا ولدي، احذر .. احذر، لا تعط ظهرك للريح. اسنده الى صخرة او كتف رفيق!

 

مدرسك المسيحي، ببشرته الناصعة البياض،وعيونه الملونة، أختار ساعة الظهيرة لزيارتكم. طرق الباب، بأناقة فنان موسيقي، ففتح له ابيك. فعاد ليهمس لك بتأمر: استاذك الأحيمر! لم تكن مفاجأة ما حمله لك، لكنها كانت سعادة غامرة لم تستطع اخفاءها عن اشقائك، اذ ابلغك أستاذك بقبول ترشيحك لصفوف الحزب، وأنك ...

 

كما لو لم اعرفه. كما لو يكن. جاء هذه المرة . مرايا دار بي ، والروح شفيفة كالاغاني . تساءلت ، لم يتلون كقوس قزح ؟ أهو نزيف الروح ، ام هاجس لها؟ أهو ... أنه .. الفرح !

 

مرت الأيام سريعة، وفي اجتماع ضمك واخرين، حضر ذلك الرجل الاشيب، الذي لم يترك سجنا لم يخط اسمه على جدران زنازينه. مسح نظارته الطبية لأكثر من مرة، رفعها يفحصها عدة مرات، قبل ان ينادي ببعض الاسماء، ويرفع صوته، كأنه يقرأ خطابا في حفل عام : أحمل لكم تهاني الحزب بقبولكم اعضاء في صفوفه كاملي العضوية، وان ...

 

يشتبك الاصبع بالاصبع، يختلط الاخضر بالاحمر، ويميل القلب كالسنبل. وكاول قبلة بشفتي عاشق، يذوب ... يذوب، بطقوس الحب، بين الارض ولهيب الارجل!

 

كان ذلك في يوم العشرين من اذار. قبل دخول السنة بيوم ... في ذات الايام، حين وزعت أمك العشب الاخضر في زوايا البيت وهي تنتظر ولادتك .. والرجل الاشيب حمل البشارة لك قبل الدخول بيوم . ومسؤولة التسجيل في البلد القطبي تنتظر اوراقك . حملت القلم وكتبت في خانة يوم وشهر الميلاد، وبوضوح كامل وانت تغمز للطائر المستكين عند النافذة : 20 / أذار ! 

غابات الدنيا تناديني ... ياهذا قد اشرق يومك .

 يا كل العا ا ا ا ا ل ل ل ل ل  م م م م أسمعني :

 اليوم قد اشرق عمري !

 

 

* عن طريق الشعب الملف الخاص لعيد الحزب الشيوعي العراقي 81 العدد 161 ليوم الثلاثاء 31 آذار‏ 2015

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.