اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

حضارة العراق لا تُقهَرْ// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

اقرأ ايضا للكاتب

حضارة العراق لا تُقهَرْ

محمد عارف

مستشارفي العلوم والكنولوجيا

 

"قلبُ حبيبتي قلبي"؛ يقول السومريون، وعندما تكون الحبيبات 14 عالمة آثار من مختلف بلدان العالم مختصات بالعراق يُبدعن الانتقام الجميل من تخريب ونهب آثار العراق.

**

«ينبغي عليك أن لا تحزّ رَقَبة مَنْ رَقبتُه مقطوعة»، نذير شؤم حذّر منه قدماءُ العراقيين، ويراه العالم اليوم في عواقب غزو العراق، التي لا تتوقف. زيارة العبادي الخميس الماضي لواشنطن كانت مناسبة لمشاهدة ذلك على الطبيعة. فالعراق الذي يملك 10% من احتياطيات النفط العالمية، مازال يقف في صفوف المحتاجين إلى المعونة الاقتصادية، وبدلاً من أن يصبح دولة مانحة للقروض بموارده النفطية 180 مليار دولار خلال الخمس سنوات الماضية، يعاني عجزاً في موازنته الحالية بلغ 22 مليار دولار. ولن يستجيب «صندوق النقد الدولي» لطلب العراق 700 مليون دولار، ما لم يخفض الإنفاق العام، وكيف يتدّبر ذلك بلد دمّرت صاحبة الصندوق هياكله الارتكازية قبل وبعد الغزو. و200 مليون دولار التي أعلن أوباما منحها للعراق «إهانة نجمت عن إهانة، ولعنة أنتجتها لعنة، إنها التجدد المستمر للمصير» حسب المثل السومري. فالعبادي يطلب 440 مليون دولار لمجرد تغطية نفقات إعادة إعمار المناطق التي تُحرَّرُ من «داعش».

و«أن ترضى بالإدانة أمر ممكن، لكن أن ترضى باللعنة مستحيل»، قال ذلك قدامى العراقيين، ومستحيل أن يرضى بلدهم الذي ولدت فيه الحضارة البشرية لعنة الطائفية. والعبادي الذي حمله للحكم حزب ديني يمثل طائفة الشيعة يعرف ذلك. وقد اختار أن يخاطب العالم بمرجعية حضارة بلده التي لا خلاف عليها، ليس بين الطوائف والأديان فحسب، بل بين سكان العالم، الذين يعتبرون بلاد ما بين النهرين مهد الحضارة الإنسانية. وسلّم العبادي في خطابه بالإنجليزية في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» بواشنطن بأن تحقيق النصر العسكري على أهميته لن يكون كافياً، وأن المعركة، وما تلاها تواجه التحديات المقبلة لإعادة بناء العراق على امتداد الخطوط السياسية والإثنية والطائفية لتوحيد البلد.

ويعرف سكان العراق منذ آلاف السنين أن «القلب المحب يُعمِّر المنازل والقلب الحقود يُدمّرها». ويقارب العبادي ذلك بخطابه الذي تعهدّ فيه بأن لا تشرع حكومته في التحرك قبل استكمال جميع الأدوات الاستراتيجية والبشرية، والهياكل الارتكازية، إضافة إلى العسكرية. «فالموصل ثاني أكبر مدينة في العراق وذات بيئة معقدة، فيما الأنبار أكبر محافظاتنا جغرافياً، والهدف ليس مجرد تحريرهما، من بربرية داعش، بل أيضاً استعادة مستوى حضاري لائق بناسنا، ومناسب لتاريخنا وتراثنا».

والسومريون يقولون «ما يأتي من قلب الشجرة يعرفه قلب الشجرة»، وقلب العراق شجرة علماء حضارته، الذين لم يوقفهم ربع قرن من نهب وتدمير متاحف العراق عن إبداع ما لم يبدعوه من قبل. فوقف عمليات التنقيب في العراق لم يوقف «تنقيب» علماء مختلف البلدان معطيات آلاف الرقيمات الطينية، والأختام الأسطوانية، واللُقى المتراكمة منذ أكثر من قرن. و«الوثائق المسمارية قوية نسبياً وقد حافظت على البقاء في المدن المنهوبة، وبعد آلاف السنين من دفنها تحت الرمال أصبحت الآن معطيات بنك معلومات». وقد ذكرت الباحثة البريطانية «غويندولين ليك» أن تقنية الكمبيوتر تساعد الآن في خزن المعلومات المعقدة للنصوص الاقتصادية وإتقان سبر نتائجها، ولم تتغير التقنية وحدها، بل المسائل التي تطرح، مثل التنوع الثقافي، وصلات المركز بالأطراف، والعلاقات الاجتماعية، وبنى السلطة، والأنظمة الاقتصادية، والتغيرات الإيكولوجية، والجندر، وهذه مجرد بعض الاهتمامات الحالية للمؤرخين والآثاريين».

وقوة حضارة العراق لا تُقهرُ. فأحدث كتاب عن حضارة العراق «عالَمُ البابليين» الذي حرّرته «غويندولين ليك» يمثل «الانتقام الجميل» من تخريب آثار العراق. ويضم الكتاب الذي يقع في 600 صفحة أبحاث 42 من أبرز الآثاريين المختصين في العراق. و«قلبُ حبيبتي قلبي»، يقول السومريون، وقلوب الآثاريات المساهمات بالكتاب قلوب العراقيين. 14 عالمة من مختلف البلدان، بينهم العراقية الأميركية زينب البحراني، أستاذة تاريخ الفن بجامعة كولومبيا بنيويورك. وتقدم البحوث نظرة موسوعية لحضارة بابل التي استمرت ألفي عام، وابتدعت طرق استخدام الأراضي، والعمران، ومدن الضواحي، والتقنيات الزراعية، ومعالجة المعادن، والفنون التشكيلية، والاقتصاد، والأديان، والتنجيم، والثقافة، والطبخ، وملحمة كلكامش، وعلوم الفلك، والرياضيات، والعلاقات الدولية بمصر، والمشرق، وفارس، وكل ما يقول عنه العراقيون القدماء «أشيائي تُغيّر الأشياء».

 

*مستشارفي العلوم والكنولوجيا

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.