مقالات وآراء

بابل.. سينهضُ العراقيون// محمد عارف

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 04 شباط/فبراير 2016 16:36

كتب بواسطة: محمد عارف

الزيارات: 1688

الموقع الفرعي للكاتب

بابل.. سينهضُ العراقيون

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

«حبة القمح الطويلة تُينِعُ، لكن ماذا نفهم منها، وحبة القمح الهزيلة تُينِعُ لكن ماذا نفهم منها؟»، تتساءل الحكمة البابلية! لكن ماذا نفهم من الحظ السعيد للعراقيين الأسبوع الماضي؟ قبل يوم من فوز العراق بالتأهل لمباراة القدم العالمية في «ريودي جانيرو»، أرسل الأكاديمي العراقي مأمون الأوقاتي بريداً إلكترونياً بالإنجليزية، يقول: «سينهض العراقيون عاجلاً أم آجلاً لأنهم يمثلون بلد حضارة لا يمكن لأحد أن يُطفئ نورها التقدمي»، وأرفق بالرسالة تقريراً لمجلة «العلوم» الأميركية، عنوانه «قدماء الفلكيين البابليين اقتفوا كوكب المشتري»

وذكرت مجلة «العلوم»، وهي من أهم المجلات العلمية العالمية، أن البابليين «طوَّروا مفاهيم مهمة عدة، ما تزال تُستخدَمُ حتى اليوم، بما في ذلك تقسيم السماء إلى 360 درجة. والاكتشاف الجديد المدهشُ يغيرُ أفكارنا عن كيفية عمل الفلكيين البابليين وتأثيرهم على العلوم الغربية». وتنتقدُ المجلة «الاعتقاد السابق بأن هذه التقنية اختُرعت بعد ذلك بنحو 1500 عام، أي في القرن الرابع عشر ميلادي في أكسفورد». وتبرهنُ بألواح طينية مكتوبة بالخط المسماري على أن البابليين استخدموا الطرق الهندسية، في رياضيات الفلك، وكان يعتقد أنها تقتصر على المفاهيم الحسابية. و«الشكل المنقوش يمثل الرسم البياني للسرعة مقابل الزمن»، وهذا مفهوم حديث جداً وفق العالم الألماني «ماثيو أوسندريفر» الذي اكتشف الرسم في لوح طيني يبلغ عرضه وطوله بضع بوصات.

وأتقن قدماء العراقيين «حساب مساحة الشكل شبه المعين، وحتى كيف يقسمونه إلى شكلين شبه منحرفين بالمساحة نفسها»، وبذلك حسبوا الوقت الذي استغرقته حركة كوكب «المشتري» خلال 60 يوماً، وهذه تقنية لم تكتشف حتى في عصر الإغريق اللاحق، واستَبَقت حسابات «التفاضل والتكامل» المستخدمة اليوم، واستخدم البابليون مهاراتهم الرياضية للرصد الفلكي، وقراءة البروج للتنبؤ بالأحداث، ومسائل معيشية، كقياس مساحات الأراضي، والتجارة، والصيرفة.

ونكأ الإعلان عن الاكتشاف جروح العراق القديمة والجديدة، فالمعروف أن البابليين سبقوا نظرية «فيثاغورس» بألف عام، حسب مؤرخ الرياضيات «بيتر ردمان» الذي شرح في كتابه «النظرية البابلية»، كيف «رسم البابليون أشكالاً هندسية مستوية وجزّؤوها إلى مربعات، ومثلثات، وزوايا قائمة لاستنباط الجبر الهندسي، وحتى حلّوا مسائل نقوم بها اليوم باستخدام المعادلات التربيعية».

وتُبّين ردود الأفعال على الاكتشاف عمق جروح العراق، ليس فقط في قلوب الوطنيين العراقيين، الذين ناهضوا الغزو، بل في قلوب ملايين الناس الذين تظاهروا ضده، حتى في عواصم الغزو. وبلغت السجالات حدّ اتهام الأوروبيين بسرقة علوم البابليين وإبادة أحفادهم، حسب قراء في «غارديان» البريطانية سخروا من كتاب «العهد القديم» الذي اعتبر «بابل أم الزواني والفواحش في الأرض»!

ومن لا يغضب للعراق الذي سجّل الرقم القياسي التاريخي في إنشاء حضارات عالمية مختلفة اللغات والأديان، و«بابل» بينها بقيت تُدعى «أم الدنيا» نحو ألفي عام، وفيها قامت إحدى عجائب العالم السبع، «الجنائن المعلقة»، ووُضعت أول القوانين، «شريعة حمورابي»، وأنظمة الاقتصاد، والصيرفة، وطرائق الحكم، والعلاقات الدولية، وعلوم الرياضيات والفلك، والآداب، وحتى فنون الطبخ، والرقص، والحب؟

مُحطّمٌ لكن يفيض حياةً في مؤلفات وأعمال فنية أحدثها كتاب «عالَمُ بابل» في 600 صفحة، شارك في تأليفه أبرز مؤرخي العلوم والعمران والفنون، بينهم عالمة الآثار العراقية زينب البحراني، الأستاذة بجامعة «كولومبيا» في نيويورك، ومؤلفة كتاب «نساء بابل»، وأشرفت على تحرير الكتاب المؤرخة البريطانية «غويندولين ليك» مؤلفة أجمل الكتب عن العراق القديم، بينها كتاب «البابليون» الذي يحكي الحياة اليومية للبابليين، وكتاب «الجنس والشهوانية في أدب بلاد ما بين النهرين».

و«حياة يومِ ما قبل أمسِ غادرتنا اليوم» تقول الحكمة البابلية، ونصيحتها الماكرة «كُنْ لطيفاً مع عدوك كفُرن قديم». إنها بابل.. لذلك سينهض العراقيون من جديد.

• < السابق
• التالي >