اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

كنت شيوعياً!// احمد عبد الحسين

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كنت شيوعياً!

احمد عبد الحسين

 

لا تصدقوا العنوان فأنا لم أكنْ يوماً ما شيوعياً. (يمكنكم اعتباره كذبة نيسان أو نكاية بالسياب!)

 

الحقيقة اني كنت في طفولتي أهابهم وأود لو أكون مثلهم،... كانوا حولي، أصدقاء أخي الأكبر، في مدينة الثورة، مهذبين، مثقفين، متسامحين، شغوفين بالحياة ومرهفي العاطفة (رهافة العاطفة سألحظها عند كل شيوعيّ العراق الذين التقيتهم في سنوات المهجر، ربما الأمر محض مصادفة لكني لم ألتق شيوعياً إلا وكان دامع العينين).

ذهبت، انا الطفل المبهور بهم وبكتبهم، معهم في سفرات أيام الربيع، في سفرة لصدور ديالى (هل كان عمري 7 سنوات؟) أسمعني كريم عناد قصيدة عن حزبه أتمنى أن لا أذكرها الآن وأن لا أسمعها مرة أخرى فقد نسيتها واريد أن أظل ناسياً إياها، لأني أدرك اني اذا استعدتها تعود مجرد كلمات، بينما هي الآن ـ بفضل ذاكرة الطفل الذي كنته ـ قوس قزح.

كرماء الأخلاق، سمحون، أذكر نقاشات كريم ذياب مع حيدر الياسري (الأخير من حزب الدعوة واستشهد في سجون صدام لاحقاً)، لن يقيّض لي فيما بعدُ أن ارى نقاشاً أهدأ ولا أرقى من ذلك.

لم أكن شيوعياً، لكني كنت أرى محنتهم، أرى بكاءهم خفية واختفاءهم واحداً إثر آخر، كنت معهم وهم يحرقون على السطح كتبهم الحمراء، معهم وهم يدفنون أكوام كتب أخرى في الحُفر، معهم وأنا أرى آثار التعذيب على أيديهم. لكني لم أكن شيوعياً.

الأحزاب التي كانت متاحة في طفولتي ثلاثة: البعث والدعوة والشيوعي.

لم أكن متحمساً للأحزاب الإسلامية (رغم اني مررت لاحقاً بفترة دينية عميقة) لأني رأيت انها تضع ستاراً بيني والحياة التي أردت أن أعيشها حين أكبر، ومنعني من دخول حزب السلطة احتقاري للغطرسة التي كان عليها البعثيون، وهل البعث إلا كرش وشوارب وبدلة سفاري؟، لكن ما منعني من أن أكون شيوعياً هو المهابة، تلك الصورة التي خلقها خيالي الطفل عن الشيوعي بسبب أولئك الذين رأيتهم من الشيوعيين، صورة رجل ناكر لذاته، محبّ، وقته وجهده ليسا من أملاكه، ويظل حتى وهو في قمة الفقر والبؤس يأبه لأمر الناس.

لم أصدق يوماً أني سأستطيع أن أكون على هذه الصورة، رايت أنها مهمة ملحمية مستحيلة، ولذا لم اكن شيوعياً.

في طفولة كلّ منا أنبياء وملائكة صالحون، هم أولئك الذين مروا علينا ووهبونا مثالاً على ان الإنسان خير كله، واننا يمكن أن نكون مثلهم. بعضكم كان أنبياء طفولته رجالَ دين، أو أبطال روايات. البعض الآخر آباءهم أو أخوتهم الكبار أو أصدقاءهم، آخرون لهم أنبياء من صنع خيالهم، أما أنا فأنبياء وملائكة طفولتي كانوا شيوعيين.

لكني .. لم أكن شيوعياً.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.