اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

كيف نفهم علاقة أردوغان بإسرائيل – وكيف نصفها؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

كيف نفهم علاقة أردوغان بإسرائيل – وكيف نصفها؟

صائب خليل

21 تموز 2016

 

أردت الكتابة عن "الانقلاب" المزعوم في تركيا، ونتائجه، لكني وجدت أني انطلق من منطلقات قد لا يتفق معي عليها غالبية قرائي، وانه يجب ان ننتهي من هذه المسألة أولا، قبل أي تحليل.

 

صعد أردوغان إلى قيادة تركيا يحمل علم شخصية "إنسانية"، بل شديدة الغلو في انسانيتها إلى درجة أنه بدا وكأنه بسببها، لا يراعي مصالح بلاده وعلاقاتها. فنراه يهاجم بشدة الرئيس الإسرائيلي السابق بيريز في قمة دافوس بسبب العدوان على غزة (1)

وأطلقت تركيا اسطول الحرية إلى غزة. وحين هاجمته إسرائيل وقتلت اتراكا على سفنه، وصف أردوغان العمل، في خطاب طويل وعاطفي، بأنه الهجوم الذي أوقع في "ضمير الإنسانية واحدا من أشد الجروح على مر العصور."! (2)

وحين اغتالت إسرائيل أحمد ياسين، قال أردوغان: "إن لم أقل هذا أولاً أستحي من إنسانيتي ثانياً أستحي من ديني لأن أحمد ياسين كان إنساناً مشلولاً - صمت العالم آلمني كثيراً إزاء كل هذه الأحداث لا تتوقعوا مني أن أصفق لإسرائيل"(3)

وفي كلمة له امام الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكد ان اسرائيل مصدر كل ما يعانيه الشرق الاوسط من مشاكل(4)

 

من كل هذه المواقف المبدئية والإنسانية، لا يملك المرء إلا ان يستنتج أن أردوغان، ليس سياسياً معتاداً. فهو أما 1- إنساني مغرق في انسانيته إلى درجة ان لا يراعي فيها مصالح بلاده ولا مصالحه الشخصية، أو 2- محتال يخفي اجندة أخرى، لجهة أخرى.

 

تمر السنوات وتأتي احداث سوريا، فنرى هذا "الإنسان المفرط في انسانيته، يقف مع "المعارضة" السورية بنفس قوة وقفته مع غزة، وأكثر. وحتى هذه المرحلة، من الممكن ان يعتبر الذين استبشروا به خيراً، هذا الموقف مفهوماً، رغم علامات الاستفهام. الرجل بدا "مجنونا" بالديمقراطية للسوريين، مثلما كان "مجنونا" بـ "الحرية" لغزة، ومن اجلهما فهو قد يضحي ببعض علاقات بلاده الدولية المهمة، وكانت علاقات تركيا بإسرائيل وسوريا مهمتين على السواء.

 

وتمر الشهور والسنين، ويتضح حتى للأبله، ان "المعارضة السورية" الديمقراطية، ليست من يقود الأحداث، وان هناك فصائل همجية ابعد ما تكون عن الديمقراطية تسعى إلى السيطرة على سوريا. وبدلا من ان يلقي هذا "الإنساني المتطرف" بثقله لإنقاذ الشعب السوري من هؤلاء، نجده يلقي بكل ثقله وثقل بلاده مع الإرهاب ومع الوحشية! ولو فرضنا انه لم يفهم الأمر في البداية او كانت لديه آمال ما، لكن مع مرور الوقت، لا يمكن لأي إنسان بدرجة من الوعي والاتصالات، إلا ان يرى أن الامر مختلف تماما عن ذلك، وإن "الديمقراطيين" الذين ايدهم أردوغان، هم الأبعد عن اية ديمقراطية، وأنهم الأقرب إلى إسرائيل التي استنكر هو سياستها.

 

وهنا يجب نتذكر أن أردوغان هو الوحيد غير اليهودي الذي حصل على "وسام الشجاعة" في المؤتمر اليهودي الأمريكية 2004، تقديرا لجهوده في دعم إسرائيل، ليعود ويوقع معها بعد "مسرحية" اسطول الحرية، اتفاقات عسكرية تربط تركيا وبشكل خاص الجيش التركي، بإسرائيل ومنظومة أسلحتها بشكل كبير، ووضع أجهزة انذار مبكرة إسرائيلية في قاعدة ملاطيا، ترتبط بالقبة الحديدية الإسرائيلية التي تستهدف صواريخ المقاومة الفلسطينية(5)

وهي اتفاقيات أثارت شكوكاً برلمانية وشعبية في طبيعة العلاقة الإسرائيلية التركية التي أدارها أردوغان(6) ولا يجد أردوغان تبريراً لتغيير موقفه سوى ان "تركيا في حاجة إلى إسرائيل"!(7) دون ان يشرح كيف ان بلاده بحاجة إلى البلد الذي كان قد وصفه بأنه سبب جميع المشاكل في الشرق الأوسط!

 

وهكذا يسقط احتمال "الإنساني المتطرف في انسانيته" من شخصية أردوغان. وهنا لا يبقى لدينا سوى احتمال واحد: أنه شخص محتال وأن مرحلة "الإنسانية" كانت مشهداً مسرحياً! ونلاحظ ان سياسة أردوغان لا تخدم بلاده التي كانت على علاقة وثيقة جداً مع سوريا، ولا تخدم مصالحه الشخصية المباشرة، التي كان يستطيع خدمتها بشكل أفضل بكثير بسياسة سلمية تركز على التطوير الاقتصادي مع دول الجوار، وربما باحترام العلاقة مع إسرائيل بحجة انها كانت موجودة قبله ولا يستطيع إزالتها، ولم يكن مطالبا بذلك بقوة. كذلك فأن هذه السياسة الأخيرة هي ما يمكن ان يخدم الطموحات القومية التركية، وتحويل تركيا إلى البلد القيادي في المنطقة، خاصة وأن إيران تعاني من الحصار ومن الإعلام الطائفي الشرس في المنطقة التي تعج بعملاء اميركا وإسرائيل. باختصار لم يكن هناك ما يدعوا تركيا لاتخاذ مواقف خطرة، وكان بإمكانها تحقيق الكثير جداً بسياسة سلمية وبراغماتية (أنانية)، خاصة وأن أردوغان في البداية كان قد نشط في تطبيع العلاقات مع الدول المجاورة لتركيا وإطفاء التوترات معها.

 

عندما يصل الأمر أن يتم تدمير المدن السورية تماما، وتسليمها إلى جهات يمكن ان تهدد تركيا ذاتها، وبسيناريو يهيئ ظرفاً يمكن ان يهدد وحدة الأراضي التركية ذاتها، ويبقى قائد البلاد مصرا على سياسته حتى النهاية، لا يبقى هناك شك بأن الرجل موجه من قبل مصالح خارجية. وحينما يستمر في تلك السياسة، حتى بعد تهديدها لمصالحه الشخصية ايضاً، فأننا نفهم انه غير قادر حتى على الدفاع عن مصالحه الشخصية بوجه الإرادة التي توجهه. أي أن الرجل، بالعربي الفصيح: "عميل" لإسرائيل (أو أميركا)!

 

 للقراء "الأنيقين" الذين تصيبهم عبارة "العميل" بصدمة مزعجة، خاصة عندما يتعلق الأمر بسياسي معروف، أقدم اعتذارا عن الإزعاج، لكن "الإزعاج" لا يتنافى مع الحقيقة دائما. أحيانا الحقيقة بشعة وبسيطة، ولا تحتاج إلى لف ودوران حول الكلمة التي تصفها بشكل دقيق. فالعملاء "موجودون"، هذه حقيقة لا يشك فيها أحد. فهذا هو بالضبط عمل المخابرات التي تكلف دولها مئات الملايين، بل المليارات من الدولارات كل عام، ومن السذاجة البالغة تصور انها تصرف بدون تحقيق شيء، لمجرد أن الكلمة ليست حلوة على أذننا.

 

ومن السذاجة الأكبر أن نفترض انهم لا يمكن ان يصلوا إلى قيادات أحزاب ودول كبيرة. فهي ظاهرة لا تقتصر على الدول الصغيرة المتخلفة، بل كثر ما نشاهدها في أوروبا وغيرها. فكثر ما نستبشر بحصول يسار على السلطة في بلد، لنكتشف انه أكثر إذعانا لأميركا من اليمين الذي كان يحكم! وعندي ان عمالة توني بلير وهولاند لأميركا واضحة كالشمس، وأكثر منهما وضوحا بلا شك، عمالة أردوغان بإسرائيل، وتسخيرها إياه باعتباره الهراوة الأكبر لتحطيم المنطقة لصالحها، وقد ابتدأ بأكثر الدول صموداً بوجه التطبيع الإسرائيلي، أي سوريا، وحول عدة مدن منها إلى رماد.

 

حسناً، لنتفق أن العملاء موجودون، وأن اختراق قيادات الأحزاب وزرع العملاء فيها ممكن تماماً، وهو موجود بالضرورة، لكن كيف نعرف العميل من غيره؟

تصرفات العميل تدل عليه بعد فترة وجيزة. فحين لا نجد أي تفسير لتصرفات السياسي او القائد، لا لصالح بلده ولا لصالحه الشخصي، فلا بد انه يتصرف لصالح جهة اخرى. ولأن تلك الحقيقة أمر مخجل وخطير، يتم إخفاء الدوافع بأخرى مشرفة. لكن هذا ليس ممكن دائماً، وسرعان ما يقع العميل في تناقض بين ادعاءاته "الوطنية" وتصرفاته التي تخدم غير ذلك. فماهي الأدلة على ان أردوغان مثلا، عميل، وليس رئيس يعمل بأجندة شخصية أو وطنية قومية او دينية؟ أين التناقض الذي يثير الشكوك، بين شخصيته المعلنة وتصرفاته، أو بين مصالح بلاده وقراراته؟

 

وإذا نظرنا إلى شدة التبعية التي يمارسها أردوغان لمصالح إسرائيل، وغض النظر عن مصالح بلاده تماما، وحتى مصالحه الشخصية، نتوصل إلى أن الرجل هو من النوع من العملاء الذين يتم زرعهم في حزبهم ورفعهم إلى القيادة العليا باستخدام ما توفر لإسرائيل من علاقات وقدرات تجسسية تتيح لها ولعملائها ان يجدوا طريقهم إلى الأعلى وان يبتزوا من يقف في وجههم.

 

ماذا عن الغضب؟ ماذا عن الصراخ؟ إنها ضمن سيناريو المسرحية، يترك له المخرج فيها بعض المساحة للصراخ والتظاهر بأن لديه شخصية وأن لديه إرادة ما، ومشاعر إنسانية وقومية ووطنية ودينية. 

 

لكن الحقيقة تتضح بشكل فضائحي عندما يتعاون أردوغان مع داعش لنهب النفط السوري والعراقي والقيام بتصديره من خلال موانئ تركيا او شراءه منها بسعر زهيد، فلا يعود هناك اية فرصة لشخص "أخلاقي" أو "إنساني متطرف".. فلا يوجد إنسان اخلاقي بالحد الأدنى من الأخلاق يقبل بذلك. كما ان وضوح زهد أردوغان بمصالح بلاده، دع عنك طموحاتها القومية، حين أسقط الطائرة الروسية المقاتلة! فتلك "الحادثة" مخاطرة بحرب نووية مع دولة قادرة أن تزيل دولته من الوجود بفترة قصيرة جداً.

 

حجة الانتهاك للمجال الجوي لبضعة ثوان، وان أردوغان "جن جنون كرامته" بسببها، هي قصة أطفال سخيفة. فالاختراق يحدث في كل الدول، إن كان قد حدث بالفعل، ولا أحد يسقط طائرات الآخر لمثل هذه الأسباب، دع عنك طائرات دولة نووية رهيبة. صحيح أن تركيا في حلف الناتو، وأن على روسيا ان تنتبه لذلك، لكن هذا لا يكفي، فحتى اميركا وروسيا نفسيهما لا يخاطران بمثل هذا. أما الدول الصغيرة فعليها ان تفكر ألف مرة. وما الذي يمكن ان يرجوه القائد ليعرض بلاده إلى هذا الخطر؟ لا شيء أبداً! لم يكن هناك أي مصلحة يمكن تخيلها لتركيا من هذه الحركة.

 

ما الذي يدفع بأميركا أو إسرائيل لدفع عميل لها لمثل هذا العمل؟ هناك العديد من الفوائد الممكنة لأميركا، منها اختبار رد الفعل الروسي، وهو امر اساسي بين دولتين يعيشان توترا مستمراً. كذلك ربما أملت اميركا ان تتسبب المشكلة بعداء طويل الأمد بين الدولتين والشعبين. وهذا يسهل لها حربها على روسيا، كما يسهل لها قيادة تركيا، الآن وفي المستقبل، فكل صراع بين دولتين يعتبر افضلية لأميركا ويعطيها ورقة ضغط على كليهما. ويجب ان نتذكر ان إسرائيل (أو أميركا) دفعت جورجيا قبل سنوات إلى التحرش بروسيا، والتي ردت بشدة، مما أفقد جورجيا مقاطعتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ودون ان يهب الغرب او الناتو لنجدتها. ويذكر ان وزير دفاعها كان في ذلك الوقت يحمل الجنسية الإسرائيلية.

 

إذن هناك دوافع مفهومة لأميركا وإسرائيل وسوابق مشابهة، لكن ليس هناك اية فوائد لمثل هذا التحرش لتركيا نفسها من هذا العدوان الخطر والمكلف. وحتى لو افترضنا انه كان على علم بأن روسيا ستكتفي بالرد الاقتصادي، فأن قرار اسقاط الطائرة هو ضرب من "الجنون" لا يفسره المنطق.

لكن من يكتب في السياسة، سوف يشعر بحساسية شديدة لاستعمال كلمة "جنون" أكثر من حساسية القراء "المتأنقين" تجاه كلمة "عميل". فالكاتب الحقيقي، يعلم ان لا وجود للجنون في السياسة إلا بنسبة يمكن إهمالها تماما. فإن كان هناك حدث في السياسة فله "سبب"، وليس عن "صدفة" أو "جنون". لذلك، فالكاتب المجرب، يشعر بأن هناك خلل أو خطر في تحليله، عندما يضطر لاستعمال "الجنون" لتفسير شيء ما.

فإن استبعدنا الجنون كتفسير، لا يبقى لدينا سوى أن أردوغان لا بد ان يكون ينفذ اجندة خارجية. وهو لا يتحرك تحت "الضغط" كما الشاه او المالكي، بل يتصرف كعميل مباشر، يسلم مشاريع جاهزة، مثل العبادي، وبشكل ليس له اية قدرة على رفض تنفيذ أي أمر فيها، مهما كانت تلك التعليمات خطرة على شخصه، وعلى بلاده ذاتها.

 

نعم هي كلمة بشعة مقززة، لا تصلح للمقالات الأنيقة ولا تسر القارئ. لقد اقترح عليّ بعض الأصدقاء، تجنب استعمال تلك الكلمة، والاستعاضة عنها بما يرمز لها، مثل "صديق" أو "مشبوه" أو حتى "وكيل"، لكني، حين أنظر إلى ما يفعله العبادي أو أردوغان بنا من بشاعة، أجد أنه لا توجد كلمة تعبر عن تلك المهنة الحقيرة، التي ينبطح صاحبها لسيده وينفذ الأوامر التي تدمر بلده، بل وحتى حين تدمر شخصه، أفضل من هذه الكلمة الحقيرة.

إنني أرى ان استبدال تلك الكلمة بأخرى أخف منها، هرب من الاشمئزاز السليم الذي يجب ان يرافق من تطلق عليه لكي نبصقه بعيداً، مثلما نفعل حين يكتشف لساننا ان الطعام فاسد من طعمه المر القبيح.  وتطبيع لتلك المهنة في اذهاننا، كما تسمى العاهرات في بعض البلدان، فتيات "الجيشا" او "العلاقات العامة" (علما ان الدعارة اقل قذارة بما لا يقاس من العمالة). 

 

ما الذي يجب ان نفعله مستقبلا؟ هل نكتب "صديق أمريكا" أم "عميل أمريكي"؟ هذا يعتمد على ما نريد، وعلى خياراتنا. إن كنا نريد ان نتناول الطعام الفاسد، فمن الأفضل إتلاف حاسة الذوق والشم فينا، وإن كنا نريد تطبيع "الأنانية" و"قصر النظر"، فلنسمها "براغماتية"، وإن أردنا ان "نطبع" الدعارة، فمن الأفضل ان نصف من يقوم بها بـ "فتاة علاقات عامة"، أما إن كنا نريد الوقوف ضدها، فأن كلمة "عاهرة"، رغم خدشها للحياء، هي التي تخدم غرضنا بشكل أفضل. والأمر نفسه في السياسة!

 

 (1) أردوغان يفحم الإسرائيلي بيريز في قمة دافوس بسبب العدوان السابق على غزة

 https://www.youtube.com/watch?v=fHt7qPMLnnE

(2) خطاب أردوغان حول الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية

 http://ar.shafaqna.com/AR/0303744

https://www.youtube.com/watch?v=40BqxNQIPk8

(3) أردوغان: لا تتوقعوا مني أن أصفق لإسرائيل - YouTube

 https://www.youtube.com/watch?v=s2pSgLS_myY

(4) أردوغان: إسرائيل سبب كل ما يعانيه الشرق الأوسط من مشاكل

 http://www.alarab.com/Article/399047

(5) إسرائيل تعجز عن مساعدة أردوغان

 http://arabic.sputniknews.com/analysis/20160413/1018326325.html

(6) تطبيع العلاقات بين تركيا و«إسرائيل» ونواب أتراك يعتبرونه استهدافاً لسورية – الــوطــن

http://alwatan.sy/archives/59981

(7) الحياة - أردوغان: تركيا في حاجة إلى اسرائيل

 

 http://www.alhayat.com/Articles/13182400/

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.