اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

الطواف بين ابن البيطار وبيكاسو// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الطواف بين ابن البيطار وبيكاسو

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

«لا غالب إلاّ الله»، هذه العبارة المنقوشة على جدران مساجد وقصور وقلاع الأندلس، كلمة السر لإحدى أعظم الحضارات التي أقامها العرب خلال نحو 500 عام، كل يوم منها كأنه اليوم الأخير. هنا على شواطئ البحر المتوسط، قضّيت الأسبوعين الماضيين أطوف بين اثنين من أعظم الأندلسيين في التاريخ، عالم الصيدلة أبو محمد ابن البيطار، والفنان بابلو بيكاسو. المسافة بينهما نحو نصف ساعة بالسيارة من مدينة «بنالمدينة» حيث ولد ابن البيطار عام 1197، و«مالقا» حيث ولد بيكاسو عام 1881. وغادر كلاهما في عمر العشرين الأندلس دون عودة، ولم تغادرهما الأندلس، التي أقامت لابن البيطار تمثالاً في متنزه يحمل اسمه، مساحته 200 ألف متر مربع، وكلفته 6 ملايين يورو، و«متحف بيكاسو» في «مالقا»، الذي يضم 233 من أعماله في الرسم والنحت والخزف.

و«ابن البيطار بلغ الذروة في علم العقاقير الأندلسي»، يقولُ «خوان فيرني» الأستاذ في «جامعة برشلونة»، والذي يعتبر كتاب ابن البيطار «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية» «المؤلَّف الأكمل في علم النبات التطبيقي في شبه الجزيرة الإيبيرية في القرون الوسطى». ويذكر «فيرني» في «موسوعة تاريخ العلوم العربية»، الصادرة بالفرنسية والإنجليزية والعربية، أن الكتاب يصف 3 آلاف صنف من الأعشاب الطبية، نحو 300 منها اكتشفها ابن البيطار بنفسه خلال جولاته العلمية في الأندلس، والعالم العربي من المغرب حتى العراق، ومن عمله في مصر «رئيس العشابين في سائر الديار المصرية» في بلاط «الملك الكامل»، وابنه «نجم الدين» ملك سوريا، حيث أقام ابن البيطار حتى وفاته المفاجئة في عز نشاطه العلمي في عمر الخمسين، ويرجح باحثون أنه توفي «بسبب تسرب السم إليه أثناء اختباره لنبتة حاول صنع دواء منها».

و«تَرْكُ التَّكرار حسب الإمكان، إلا فيما تمسُّ الحاجة إليه لزيادة معنى وتبيان»، أسلوب ابن البيطار في كُتبه التي ترجمت إلى الفرنسية والألمانية، واستُخدمت دليل عمل للأطباء، بينها «المُغني في الأدوية المفردة»، و«ميزان الطب»، و«الإبانة في الإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام».

وإذا كان هدف علوم الطب والصيدلة أن تعالج أبداننا، «فهدف الفن أن يغسل عن أرواحنا غبار الحياة اليومية»، كما قالَ بيكاسو. ولم تغادرني «مغسلة الروح» هذه منذ أهداني في عام 1960 الفنان العراقي مظفر العابد، زميلي في «جامعة وارسو» ببولندا، كتاب «بيكاسو»، وفيه سيرته وأعماله، بينها المعروضة بمتحفه في «مالقا»، لوحة «الأم والطفل» الضخمة كتمثال، و«تكوين» وهي من أعماله التكعيبية، و«المرأة المستغيثة» التي استبقت لوحة «غورنيكا» الملحمية المعروضة في الأمم المتحدة، ولوحات بعض نسائه، من أولهن راقصة الباليه الروسية «أولغا كوخلوفا» حتى آخرهن «جاكلين» التي انتحرت حزناً لوفاته بطلقة بندقية.

وخلال سبعة قرون ما بين مولد ابن البيطار وبيكاسو تغيّرت مواقع جميع بلدان أوروبا، ولم يتغير موقع الأندلس على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ولا تغيّر فخر الإسبان بالأندلس التي تُشّكلُ 18% من أرض بلادهم، ويشكل سكانها النسبة نفسها تقريباً من سكان إسبانيا البالغ عددهم 46 مليونا. ولم تتغير جرأة الأندلسيات، منذ أرسلت الشاعرة ولاّدة، ابنة الخليفة المستكفي، إلى حبيبها الشاعر ابن زيدون قصاصة ورق كتبت فيها «أنا والله أصلح للمعالي، وأمشي مشيتي وأتيه تيها. أُمكنُ عاشقي من صحن خدي، وأمنحُ قبلتي من يشتهيها». وحلم «المعالي» الذي لم تحققه ولاّدة، حققته «سوزانا دياز»، عضو «حزب العمال الاشتراكي الإسباني»، التي انتُخبت العام الماضي رئيسة إقليم الأندلس ذي الحكم الذاتي، الذي يُعلنُ نشيده الوطني «الراية الخضراء والبيضاء تعود بعد قرون من الحروب لتقول السلام والأمل تحت شمس بلدنا. أيتها الأندلس انهضي، طالبي بالأرض والحرية، ولتصبح الأندلس حرة لإسبانيا وللبشرية».

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.