اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

مناقشات حول قيمة الوطن واشباحه// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

مناقشات حول قيمة الوطن واشباحه

صائب خليل

8 كانون الثاني 2017

 

كتب الأستاذ عامر بدر حسون سلسلة مقالات يسخر فيها من "الوطنية" والوطن"، ووصفها بأنها تعابير "إنشائية بلهاء" و"عنصرية متخلفة"، ووصف "الشعب" بأنه ليس سوى "فرد + فرد +فرد.."، وسخر من الذين "يشتمون اميركا"، فرد الدكتور عدنان عاكف بالنص التالي:

"الى الصديق عامر بدر حسون،

 تجنبت طيلة هذه الفترة الخوض في المواضيع التي اثرتها في المدة الأخيرة المتعلقة بمفهوم الوطنية والموقف من الغزوات الغربية لبلداننا خلال القرون الماضية، ولكن نصك الأخير عن الوطنية، وعلاقة ذلك بالموقف من امريكا، يدفعني للمطالبة باسترجاع المبلغ الباهظ الذي دفعته ثمنا لكتابك الذي يتصدر مكتبتي الفقيرة حاليا. فما الذي يدفعني لشراء كتاب كل حروفه هي عبارة عن صور لمسجد قديم او ناعور فقد 90% من اجزائه، او حمامات تطير فوق أبنية مهترئة من شارع الرشيد سوى حب الوطن."(1)

 

وقد رد عليه عامر بدر حسون (بسخرية لا تخلو من الانزعاج) بأنه مستعد لإعادة ثمن الكتاب، ومدافعا بأن قيمة الكتاب بما فيه وليس بوطنية صاحبه، وملاحظاً بأننا في تلك الحالة سيكون علينا ان نرمي الأدوية لأن من صنعها "غير وطنيين"..

 

ويبدو لي ان السيد عامر لم يفهم مغزى كلمات صديقه القديم. فما الذي قاله عدنان عاكف حقاً في اسطره تلك؟ إنه يقول لصديقه القديم عامر ولنا جميعا.. أن كل هذه الأشياء الجميلة التي نتأملها بحب: الحمامات فوق ابنية شارع الرشيد المهترئة، والمساجد القديمة وبقايا النواعير، وكل ما يثير فينا أي إحساس إنساني وذكرى لحياة عشناها، أو عاشها آخرون من أهلنا أو معارفنا او مواطنينا، وتركوا آثار اصابعهم واقدامهم عليها، سوف تصاب بالشلل الروحي فجأة، وتتحول إلى مجرد ابنية مهترئة وحطام خشبي لا يستحق حتى النظر اليه، بل وحتى الأم ستتحول الى عجوز شمطاء متخلفة... إن اختفى مفهوم "الوطن" من رؤوسنا، وسحب معه كل اشباحه الجميلة!

 

مما أذكره في العراق، أني كنت أحدث يوماً أحد المقاولين الأثرياء عن مدينة “عنه” القديمة وعن طفولتنا فيها وجمال النهر والسباحة إلى الجزر، فإذا به يقاطعني: "عنه الجديدة أفضل بمئة مرة! الآن عندهم بيوت حديثة وشوارع وأرصفة. وماذا كانت القديمة؟ بيوت قديمة متداعية وزقاق ترابي متعرج طويل لا يكفي لمرور سيارة".

 

 

 

صدمني هذا الوصف لحبيبتي، فلم اجب! شعرت ان بيني وبين هذا الرجل هوة لا يمكن ردمها بأي شكل من الأشكال. فكل ما قد أقوله له لن يكون بالنسبة له سوى خيالات وتصورات ألصقها عنوة بأزقة وبيوت متهالكة واشباح تسير بينها.

لكن هل ذاكرتنا إلا تلك الأشباح التي تدور حول الوطن؟ فماذا يبقى من الإنسان إن هو استبعد ذاكرته، من اجل ان يصير "إنساناً حديثاً"؟ من منا مستعد للتضحية بكل منبع الجمال في روحه، من اجل "الحداثة" أو لأية حجة أخرى؟ لنفترض أننا إن تمكنا من ذلك، فسنكون أكثر حداثة وكفاءة في حياتنا، فأية حكمة في ان نزيد كفاءة الحياة بخسارتنا لمعناها وأجمل ما فيها والدافع الذي يبقينا متعلقين بها؟ 

 

يكتب رسول حمزتوف في كتابه القريب من القلب "داغستان بلدي": "عندما ادور اليوم بقريتي، فإني أرى فوق كل حجارة، وعند كل منعطف شبح صبي يضحك ويلهو.. هذا الشبح هو أنا!"

لن أستطيع اقناع صديقي المقاول بهذه الأشباح التي رآها حمزتوف، وأراها أنا معه، لأني رأيت اشباحي مثله، ويراها عدنان الباحث عن "رؤية اللامرئي"، في صور "كتاب العراق". لكن هذا "اللامرئي" يقع خارج الطيف البصري لصنف "المقاولين"، ومن هنا يأتي عجزي.

 

لا اعرف السيد عامر بدر حسون بما يكفي للحكم عليه، لكن سلسلة مقالاته الأخيرة التي تتمحور حول الهجوم على “الوطن” و “الوطنية” منافية للمنطق ولا يصعب على سيف العقل تحطيمها بضربتين باسلتين، إلا أنها قبل ذلك تهاجم القلب، وتلك خطيئتها الكبرى! هي حرب إبادة جماعية على أشباحنا المتجولة في أزقة ذاكرتنا، على صوت النهر يتكسر على "السِكر" (بكسر السين والكاف) وأنين "الناعور" ورائحة الشبوي في ليالي بغداد، ولذة "كوية" شمس الظهر وأنت تتلمس مقود السيارة بحذر.

 

فما الذي يبقى في ذاكرتنا إن قتلت فيها الاشباح، وأي الأشباح سيبقى إن قتل "الوطن"؟ ما ستكون "عنه" القديمة إلا "بيوتاً قديمةً وزقاقاً ترابياً لا يكفي لمرور سيارة"؟ كيف سنتناول دواءاً يخبرنا الطبيب الذي وصفه لنا بأنه دواء "متخلف وعنصري"، كما وصف عامر "الوطن"؟ وما الذي سيدعونا لتأمل صور كتاب يصرّ مؤلفه أن ما نراه ليس سوى نقط من الحبر ..."نقطة + نقطة + نقطة"؟ أليس عدنان محقاً إذن بمطالبته باستعادة ثمن كتابه؟

 

(1) منشور د. عدنان عاكف رداً على مقالات عامر بدر حسون

 https://www.facebook.com/adnan.akif.503/posts/1406468726053644

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.