اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

روسيا الثورة والدولة// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

روسيا الثورة والدولة

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

نصف قرن ما بين روسيا الحالية وروسيا التي درستُ فيها، ونصف قرن ما بين روسيا التي درستُ فيها وروسيا «ثورة أكتوبر»، أي أنني عشت في منتصف أحد أهم القرون في تاريخ روسيا والعالم. ويوم الجمعة الماضي تابعتُ من لندن المؤتمرَ الصحفي السنوي للرئيس «بوتين» الذي استغرق أربع ساعات، وتَدّفَقَ خلالها كجهاز كمبيوتر بأرقام ومعلومات عن قرى وأقاليم ومواطنين، تَحَدَّث مع بعضهم مباشرة في أرجاء روسيا، وهي أكبر بلدان العالم مساحة. و«بوتين» لا يخطب في مؤتمراته الصحفية السنوية، ولا يدلي ببيانات، بل يدردش، حتى في مسائل خطيرة كمشكلة تراجع واشنطن عن الاتفاقية النووية، وفي مشكلة أوكرانيا، يغالب غضبه بعتاب الشقيق المكلوم. وروسيا شقيقة أوكرانيا منذ تأسيس «دولة الروسيا في كييف» عام 862.

 

أُطلق على المؤتمر الصحفي اسم «الخط المباشر» واستغرق الإعداد له 13 يوماً، تتابعت خلالها فورياً رسائل ومكالمات هاتفية تجاوز عددها مليونين، وكثير منها شكاوى محلية، وأغلبها عن تلوث البيئة ونقص السكن، والأخبار الإيجابية كانت عن تحقيق روسيا المرتبة العالمية الأولى في إنتاج الحبوب، وقفزة متوسط عمر الروس إلى 72 عاماً، وصناعة أكبر كاسحة جليد في العالم تليها كاسحات من نمط جديد حجمها ضعفا الحالية، لإعمار القطب الشمالي، مركز المنافسة العالمية الجديدة على ثروات الكرة الأرضية. وَوَعَدَ «بوتين» في أحاديث مباشرة على «الأونلاين» بعض من شكَوا أوضاعه بزيارتهم، وكانت لحظة عاطفية عندما تحدث «بوتين» مع زوج وضعت زوجته للتو مولودها. والمواليد موضوع مهم جداً لروسيا التي تعاني من نقص الولادات. واختُتم المؤتمر باعتراف «بوتين» لأول مرة بأنه أصبح جداً، واعتذر عن عدم ذكر حفيديه بأنه يريد لهما ولابنته أمهما، العيش كمواطنين عاديين بعيداً عن الأضواء.

 

وكنتُ أعتقد أن الديانة الأرثوذوكسية أصبحت عقيدة الدولة الروسية، لكن في رد «بوتين» على السؤال عما إذا كانت ستتم إعادة «كاتدرائية القديس إسحاق» في بطرسبرغ للكنيسة أم ستبقى متحفاً، أكد أنها من «الآثار الإنسانية المسجلة لدى اليونسكو، وروسيا دولة علمانية». ويمكن تلخيص مطامح روسيا، التي تتجنب الاحتفال بمئوية أكبر ثورة في تاريخها، بكلمتي «الأمن» و«الاستقرار». وهذا سبب استخدام «بوتين» والمسؤولين الروس مصطلح شركائنا، حتى في الحديث عن حكومات تناصبهم العداء. وفي زمن الثورات يطلب الناس الاستقرار، ويفوت هذا كل من يُحرِّض على الثورة في روسيا الآن، كما فات من دعا إلى الثورة ضد النظام الشيوعي على امتداد القرن الماضي. وروسيا تعيش حالياً أكبر ثورة في تاريخها، خسرت فيها أجزاء كبيرة من أراضي إمبراطوريتها السوفييتية، والقيصرية، وتَخَلّت عن عقيدتها الشيوعية التي كان يتبعها الملايين. وتاريخ روسيا سلسلة ثورات وثورات مضادة، إحداها أشدّ من الأخرى، لكن انهيار الاتحاد السوفييتي «ظَلمَة ودليلها الله» حسب التعبير العراقي.

 

وإذا اهتدينا بأحد أهم كتب الثورات في تاريخ روسيا والعالم، «الدولة والثورة» الذي نشره «لينين» عام ثورة أكتوبر 1917، سيدهشنا أن لا شيء فيه، لغة أو مضموناً، يتحدث إلينا. فشتائمه للبورجوازية وعملائها من الأحزاب الانتهازية، لا تستثير العواطف اليوم، والفقرة المأثورة الوحيدة التي حفظتها ذاكرتي منذ قرأتها قبل نحو نصف قرن: «نحن لسنا طوباويين. نحن لا نحلم بالاستغناء دفعة واحدة عن كل إدارة، وعن كل خضوع، فهذه الأحلام الفوضوية الناشئة عن عدم فهم مهام ديكتاتورية البروليتاريا غريبة تماماً عن الماركسية، ولا تفعل في الواقع غير تأجيل الثورة الاشتراكية إلى أن يصبح الناس غير ما هم عليه. لا. نحن نريد الثورة الاشتراكية مع الناس على ما هم عليه اليوم، مع هؤلاء الذين لا يستطيعون الاستغناء عن الخضوع، عن المراقبة، عن المراقبين والمحاسبين».

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.