اخر الاخبار:
قصف إسرائيلي على أهداف سورية قرب دمشق - الثلاثاء, 19 آذار/مارس 2024 11:01
السيول تودي بحياة شخصين في دهوك - الثلاثاء, 19 آذار/مارس 2024 10:58
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

فتيات الشتات العربي الفرنسيات// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

فتيات الشتات العربي الفرنسيات

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

في «مترو باريس» صرتُ «مجنون إلسا»، كتاب الشاعر الفرنسي «أراغون». «ألف لام سين ألف، تلك إشارات قلب يرى»، قال ذلك «أراغون»، وأنا قلت «السلام عليكم» لمن صادفتُ من فتيات الشتات العربي في «مترو باريس»، ولولاهن لضعتُ.

«هاجر» المغربية تدرس اللغة الصينية، و«أميرة» الجزائرية تدرس سنة ثانية طب، قضيّتا عشر دقائق معي بحثاً عن الطريق من «المترو» إلى قطار الضواحي. ولولا «ريم» الجزائرية التي أنهت لتوها دراسة الدكتوراه في موضوع «البكتيريا»، ما عرفتُ طريق العودة من قطار الضواحي إلى «المترو». والجزائرية «مليكة»، وقد ترددتُ أن أبادرها بقول «سلام عليكم» لأنها بدت كفرنسية، لولاها ما قفزتُ دون تذكرة بين محطتي «القطار» و«المترو».

كانت آلات التذاكر عاطلة عن العمل، فضمّتني «مليكه» ووضعت تذكرتها في «شق» بوابة الدخول، وقفزت بي، وهي تقول بالإنجليزية ضاحكة: «مرحباً بك في باريس»!

«لماذا نبدع لأنفسنا بلاداً خرافية ما دامت تغدو منفى قلوبنا؟»، يسأل «أراغون»، ويجيب: «كل ما أسكرني في ماضيّ، كل الذي أدرت له رأسي، أكان موسيقى أم رسماً أم بطولة أم شعراً، يبدو لي إذا التفت إلى وراء وكأنه يجري إليّ من كل ناحية». كذلك تجري إليّ زارعات القنابل الجزائريات الجميلات الثلاث «بوباشا»، و«بوحيرد» و«بوعزه»، ورفيقاتهن «زهرة ظريف» و«حسيبه بن بوعلي»، و«مليكه قايد».

وها أنا العراقي الضائع في «مترو باريس» رفيقي «أراغون» وكلماته خريطتي. «أنا قادم من نسيان بعيد. أنا قادم على طرف مأساتي. ضعي قلبك على الأرض واثني ركبتك فوق روحي المسكينة».

«دور نساء العرب الفرنسيات في إعادة بناء فرنسا ما بعد الكولونيالية» عنوان بحث الأكاديمية البريطانية «نينا ساذرلاند» فاجأني. لم يخطر ببالي أن تكون «فتيات فرنسا من أصل عربي في طليعة حركة مراجعة الماضي الكولونيالي لفرنسا». «طرحة الرأس» التي أثيرت حولها ضجة رسمية وعامة كانت بالأحرى «طرحة» تركة الماضي الكولونيالي الفرنسي الثقيل والمعقد، في الجزائر خصوصاً، والتي كانت تعتبر على الصعيد الرسمي والشعبي جزءاً من فرنسا. والآن هاجر الجزء إلى الكل. عدد الفرنسيين من أصل عربي يبلغ ستة ملايين، أي نحو 10% من سكان البلد، وبينهم «الحركيون» وهم الجزائريون الموالون لفرنسا. ومعظم فتيات الشتات العربي من الجيل الثاني والثالث ولدن في فرنسا، ودرسن في مدارسها. «فاطمة بسناشي لانكو»، و«ليلى صبار»، و«داليلا كرشوشه» و«يامينا بنغوغي»، و«فاضله عماره»، كاتبات وروائيات أبدعن روايات، وأفلاماً سينمائية، وبرامج تلفزيونية، وحركات سياسية واجتماعية، شعارهن «نتكلم حتى لا نموت».

وفي الساعة الأخيرة من سفرتي كنت أنتظر قلقاً في محطة «باريس لندن» عودة حفيدتي «نوارة» من مدينة «والت ديزني» التي أضحت من أشهر معالم باريس السياحية. كانت قد ذهبت بمعية «سارة»، طالبة الماجستير في «السوربون» وابنة «الأمير الأحمر»، وهو لقب كان يطلقه اليسار الطلابي في الستينيات على والدها الراحل «حيدر الحسني الجزائري»، حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، القائد التاريخي للثورة الجزائرية.

وعندما انقطع اتصال الموبايل بيننا، ويئست من وصولهما قبل قيام القطار، فوجئتُ بالأميرة «سارة» تحمل «نوارة» على ظهرها راكضة في محطة قطار «باريس لندن». وهكذا دَخَلَت حفيدتي، وعمرها تسع سنوات، تاريخ «فتيات الشتات العربي الفرنسيات» المليء بالعجائب؛ بريطانية من أصل عراقي يمني حملتها على ظهرها «سارة» حفيدة الأمير عبد القادر الجزائري من ناحية أبيها، ومن ناحية أمها حفيدة العقيد «وصفي طاهر» أحد قادة ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق.

قال «أراغون»: «مستقبل الرجل المرأة، إنها لون روحه. هي همهمته وضجيجه، دونها لا يغدو سوى شتيمة، بذرة بلا ثمرة. فمه ينفخ في الريح المتوحشة، حياته ملك للخسران. يده نفسها تحطمه».

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.