اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

إسقاط نظام إيران– حلم الأحمق كابوسه!// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

إسقاط نظام إيران– حلم الأحمق كابوسه!

صائب خليل

9 ك2 2018

 

أرسل لي أحد اصدقائي فيديو لتظاهرات إيرانية، وكتب لي: اسمعهم جيدا.. انهم يهتفون: "لا تأخذوا اموالنا لتدمروا العراق بها".. (يعني المتظاهرون يدافعون عنا ضد التدمير الذي تقوم به حكومتهم للعراق). وبعد ان شاهدت الفيديو كتبت له: "لا يا صاحبي.. انت تسمع ما تحب ان تسمع.. انهم يقولون "لا تأخذوا اموالنا وتعطوها للعراق".. إنهم ضدنا!

 

لم أرد أن اكتب عن التظاهرات الإيرانية في بدايتها ولا عندما كانت في اوجها، لأني أدركت أن لا نفع من الكتابة عنها، وإن تلك الكتابة لن تثير اية أفكار أو تصحح اية تصورات ولن تكون إلا وسيلة لكيل الاتهامات. أما اليوم وقد هدأت التظاهرات منذ أيام وربما تكون قد انتهت تماما، فلم يعد لأية مقالة أو أي شيء تأثير عليها، ولعل الاعصاب قد هدأت بما يسمح لهمسة عقل ان تسمع، على الأقل لمن بقي له عقل. وصاحبي هذا له عقل بالتأكيد. 

فصاحبي ليس رجلا بسيطا. إنه مهندس ومتابع جيد للسياسة وله خبرة كبيرة في الحياة، وفوق ذلك فهو رجل امين إلى حد اللعنة، ينتمي الى جيل منقرض، ورغم ذلك ينقلب الهتاف في رأسه إلى العكس، فما هو السر في ذلك؟ الطائفية؟ ابداً.. هذا الرجل ابعد شخص عن مثل هذا. يحب اميركا؟ إن كان لإنسان الحق في ان يحقد على اميركا اشد الحقد، فهو هذا الرجل، ولأسباب شخصية غير اعتيادية.. ما السر في هذا التصرف الغريب الذي يجعله يبدو وكأنه متناغم مع الموقف الأمريكي من إيران حتى أنه يسمع هتافا ضد العراق، فيفسره أنه لصالحه؟

 

هذا السؤال اعادني الى لحظة مطوية ومنسية في السياسة العراقية، ربما لعدم أهميتها، لكنها بقيت في ذاكرتي. عندما سقط الاتحاد السوفيتي عام 1990، جمع صدام سفراء العراق في الدول الاشتراكية التي كانت تنهار الواحدة تلو الأخرى، وعقد لهم ندوة تلفزيونية وبدأ كل منهم يزايد في سخريته من الأنظمة الشيوعية التي سقطت ويعدد مساوئها (عدا أحد السفراء تكلم كشخص يحترم نفسه ومهنته، لم اعد اذكر من هو). بشكل عام كان الجميع تقريبا "يحتفل" بهذا السقوط للعدو القديم "الشيوعية"، وكأنه انتصار للعراق أو انتصار شخصي له!

 

وبعد بضعة أشهر فقط، تجرع صدام وسفراؤه السم الذي احتفلوا به، حين تبين لهم ان أميركا انفردت بهم (وبأمثالهم) في عالم احادي القطب شديد الشراسة بشكل لم يعرفوه من قبل. عالم لم يبق فيه من ذلك العملاق السوفيتي إلا روسيا يلتسين التافهة المتملقة للعملاق الأمريكي كأية دولة اخرى! عالم تستطيع فيه اميركا ان تهاجم وتقصف ولا تخش أي رد فعل من أي طرف.

ربما كان لصدام سبب وجيه ليحتفل بتحقيق امنيته بسقوط الشيوعية، باعتباره بعثيا حارب الشيوعية عقودا طويلة. لكن كان عليه ان يفكر أيضا بتداعيات تحقق امنيته تلك.  كان أكثر بساطة وسذاجة من أن يدرك الدور السوفيتي في بقاء أنظمة الدول الصغرى ومنها دولته، بمحاسنها ومساوئها، على قيد الحياة، وكذلك على وجود الأمم المتحدة والقانون الدولي، فدفع ثمن سذاجته تلك ثمنا كبيرا. ولو أنه لم يكن كذلك لبكى رعبا يوم سقط الاتحاد السوفيتي! لكنه كان يحلم بسقوط الشيوعية، ولم يدر انها ستكون كابوسه!

 

لنعد أكثر الى الوراء.. إلى شباط 1963 حينما شارك الكرد في اسقاط عبد الكريم قاسم، ففتحوا على أنفسهم أبواب جهنم البعثية. كان لهم أسباب معقولة أيضا ليفرحوا بسقوط، بل ليعملوا على اسقاط الرجل، فقد كان يبدو "عدواً" لهم يرابط جيشه على حدود محافظاتهم، فتخيلوا ان سقوطه سيزيح ذلك الجيش وينعمون بجنة كردستان دون ان يزعجهم أحد. لكنهم كانوا أكثر سذاجة من ان يفهموا تداعيات ذلك عليهم وعلى قضيتهم. فقد كان عبد الكريم يلعب توازنا هاما لبقائهم. كان البرزاني مثل صدام، يحلم بـ "كابوسه".

 

صديقي هذا، ونسبة مخيفة من العراقيين والعرب، يحتفلون اليوم بمشاكل إيران وكانوا ينتظرون بفارغ صبر يوم سقوط نظامها. إنهم يهتفون مع الهاتفين بإسقاط "ولاية الفقيه" وبحماس وكأنهم أولياء للشعب الإيراني، وأن مهمتهم في الحياة زيادة الديمقراطية في إيران! واللطيف في الأمر ان هذا ما يهتف به في الإمارات وحتى السعودية حيث ينسى الشعب ديمقراطيته ويناضل من اجل زيادة ديمقراطية الإيرانيين التي يعرفها هو أفضل منهم! أما في العراق فينسى الشعب انه يخضع لاحتلال مباشر من قبل قاعدة أمريكية هائلة في وسط عاصمته تسمى "سفارة"، قامت حتى اليوم بتعيين كل رؤساء حكوماته بلا استثناء، عدا واحد قامت باستبداله خلال أسابيع!

 

نعم، ان حكومة روحاني حكومة لصوص بازار وسياسات ليبرالية وخصخصة، وهي مشبوهة العلاقات مع اميركا بالنسبة لي. ونعم ان الخامنئي ارتكب في رأيي خطأً كبيراً، بل جريمة بحق الشعب الإيراني، حين استبعد ترشيح احمدي نجاد، الابن البار الذي يريده الشعب ويخشاه البازار. الخامنئي مهد بقراره الظالم الطريق للبازار ليحكم إيران، وهاهو يدفع ثمن ذلك من اتهام نظامه باللصوصية. كل هذا يجعلني في اتفاق مع من يعترض على نظام إيران وولاية الفقيه، لكن هؤلاء لا يعرفون حتى لماذا هذا النظام سيء ولا ما هو الفرق بين روحاني ونجاد! وهم أيضا لا يعرفون حقا الفرق بين ولاية الفقيه ونظام الشاه، لأنهم لو عرفوا لخجلوا من أنفسهم مرتين:

 

المرة الأولى لأنهم يتصورون أن نظام الشاه أكثر ديمقراطية من ولاية الفقيه، ببساطة لأن الشاه لا يمنع النساء من كشف شعرها! والحقيقة من يراقب تظاهرات الانتخابات لروحاني يكتشف فوراً أنه لم يفز إلا لأن الناس فهمت انه سيسمح بكشف الشعر سنتمترات إضافية، وليس لتحقيق نهضة اقتصادية للشعب. فالبازار مكان اللصوص كما يعرف الإيرانيون جميعا، وهذه الحكومة جاءت بدعم البازار وضغط الامريكان، المتمثل بالتهديدات بالحرب.

نعم أنا ضد اجبار المرأة على لبس ربطة الشعر، واعتبر حريتها في هذا مسألة شخصية لا يجوز الاعتداء عليها، لكنها ليست نهاية العالم، وليست رمز الديمقراطية الوحيد بالنسبة لي. إن نظام الشاه كان من أبشع الأنظمة الدكتاتورية في العالم! والسافاك مؤسسة دموية يعرفها الإيرانيون جيدا. حدثتني سيدة إيرانية كبيرة من اشد الكارهين لنظام "الملالي" كما تسميهم، قالت: رغم ذلك، حكم الشاه كان سيئا! واتخذ وجهها شكلا جديا جدا كمن يتذكر احداثا مؤلمة. أكملت: "كنا إن خرجت الفتاة لا ندري إن كانت ستعود ام سيأخذها السافاك! الآن كل شيء أمان.. لا أحد يخشى شيئا حتى لو تأخرت الفتاة الى وقت متأخر من الليل".

 

المرة الثانية التي سيخجل الهاتفون بإسقاط النظام الإيراني من أنفسهم فيها هي لأنهم يتصورون ان النظام البديل الذي هتف له المتظاهرون سيكون أفضل بالنسبة لهم، تماما مثلما تصور صاحبي! إنهم لا يختلفون عن سفراء صدام في احتفاله بسقوط السوفييت أو البرزاني بمشاركته اسقاط عبد الكريم قاسم إلا قليلا. وهذا القليل ليس في صالحهم أيضا. فصدام وجماعته من المتخلفين لم يكونوا يدركون ما ينتظرهم، خاصة وأن اميركا كانت تملأ الدنيا بالحديث عن الديمقراطية وتثير الناس ضد الشيوعيين بقصص خرافية كثيرة. ولم يكن الكرد بالتعلم الذي يتيح لهم ان يعرفوا ما يخبئه أصدقاء اميركا الذين سيحكمون البلد بدلا من قاسم، وكيف سيتعاملون معهم. أما جماعتنا فهم يسمعون بأذانهم خطابات الكراهية للعرب من المتظاهرين، والتي لا تنبئ إلا بأن البديل سيكون نظام شاه ذيلي لإسرائيل بأكثر ما كان الشاه السابق مئة مرة!

أنظروا الى هذا الشاه البهلوان رضا بهلوي وهو يؤكد على هتافات المتظاهرين المعادية للعرب: "لا غزة ولا لبنان.. روحي فدا إيران". لاحظوا من يريد ان يطمئن وعلى من يعتمد، وما هي علاقاته التي ينسق معها. وانظروا اليه كيف يصبح وجهه حين قال ان الإيرانيين يشتاقون العودة لبلدهم فقالت لهم محدثته "والفلسطينيين أيضا"! فتهرب من الملاحظة بشكل يفضح مع من يرتبط هذا الرجل وما هو المسموح له بقوله وما يجب ان يتجنبه!(1)

حكومة أخرى "تقدمية"؟ كيف ستنتصر هذه التقدمية بدون دعم اميركا واسرائيل؟ على اية حال المتظاهرين كانوا يهتفون بشعارات مضادة للعرب، والبقية معروفة.

 

نعم ليست حكومة إيران اليوم بالضبط كما نتمنى، ولا اظنها خير ما يمكن للشعب الإيراني ان يختار ولا نظام ولاية الفقيه أكثر الأنظمة ديمقراطية في العالم، ولكن.... هي أفضل ألف ألف مرة من كل الحكومات التي “يأمل” بها العراقيون الكارهين لإيران او الخائفين منها، سنة وشيعة، ومساوئها اهون ألف ألف مرة من حكومة ذيلية لإسرائيل وما ينتظر منها، بل وكانت مفيدة للعراق في لحظات تاريخية حاسمة بالنسبة لمصيره! أما ما "يحلم" به هؤلاء، فهو الكارثة بعينها، وهو الضربة القاصمة التي ستحسم هذا الصراع بالقضاء علينا تماما! 

 

لقد حشر عداء إيران بديلا للعداء لإسرائيل بإنجاز إعلامي خارق يثير الدهشة، بين السنة وخاصة في داخل الخليج، وصار اسقاطها حلم هؤلاء بدلا من اسقاط إسرائيل. لكن الإعجاز الحقيقي هو جعل نسبة محسوسة من الفلسطينيين ايضاً تتبنى "الحلم" الأحمق ذاته، وأن الاختراق لم يقتصر على السنة، بل شمل نسبة من الشيعة أيضاً!

 

إن كان الشاه سابقاً "شرطي الخليج" فإنه سيكون في هذه الظروف "جلاد الخليج" الذي تؤدى له الجزية وفروض الطاعة ليؤديها لسيده الجديد "إسرائيل".. وبدلا من موازنة داعش بالحشد، فسيأتي لنا "سليماني" من نوع آخر ليقود داعش إلى بغداد! وبدلا من إيران محاصرة تتوسل بنا لتطوير العلاقات وتبيع لنا الغاز بأقل من سعره، ستقوم إيران الجديدة المدللة من الغرب وفي غابة لا قانون فيها، بالمطالبة بحصتها من نهب العراق مما تتفضل به عليها إسرائيل. ربما تحتل آبار نفط وتطالب بتعويضات حرب لا أول لها ولا آخر، يكون العراق مدينا لها حتى آخر قطرة من نفطه. وربما طالبت بأراض ستدعي ملكيتها قبل الإسلام مثلا.. من يدري؟ العالم ضائع وكل شيء ممكن، شرط موافقة إسرائيل!

مستحيل؟ .. من سيردهم؟ الجامعة العبرية؟ أم المؤتمر الإسلامي بقيادة أيفانكا؟ أم الجيش المخترق الذي سلم قادته المدن والسلاح بلا قتال، وما زال اكثرهم يتربع على مناصبهم ولم يعاقب فرد واحد منهم بل تم ترفيع البعض منهم؟ أم تضعون أملكم في الأمم المتحدة التي لم ترسل حتى اليوم رئيسا لبعثتها في العراق لم يكن مزيناً بنيشان "صديق إسرائيل"؟ أم ان اعتمادكم على "صداقة" اميركا التي وعدتكم بالانتصار على داعش بعد 30 عاما؟

أو ربما تضعون آمالكم على اختيار أميركا من وراء الكواليس: دامبي ذو اليد الحديدية؟

 

أصحوا أيها الأصدقاء.. واحمدوا الله أنه لم يكن سوى كابوس تنكر بشكل حلم أحمق... لم يتحقق، واحرصوا إن استطعتم، ألا يتحقق!

.

 

(1) الأمير رضا بهلوي، نجل شاه إيران محمد بهلوي

https://www.youtube.com/watch?v=7cj5_1B-Nj8

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.