اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

عودة الغرام بالعراق القديم// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد عارف

 

عرض صفحة الكاتب

عودة الغرام بالعراق القديم

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

أعلن رئيس الحكومة: «بعد عامين لن يبقى فقير في البلد». صرخ الناس غير مصدقين: «معقوله! يقتلون كل الفقراء؟». هذه نكتة عراقية تشبه قصة فكاهية عنوانها «رجل نيبور الفقير»، تدور أحداثها قبل ثلاثة آلاف عام جنوب العراق في «نيبور»، ويسميها العراقيون «نفر»، قرب مدينة «عفك» في محافظة القادسية. وبطل القصة رجل معدم اسمه «جميل نينترا» باع رداءه الوحيد، واشترى عنزة قدّمها لمحافظ مدينة «نيبور» أملاً في أن ينال حظوته بالمقابل، وأخذ المحافظ العنزة، وطلب من حارس قصره أن يرميه خارجاً. وأنذر «جميل» الحارس بأنه سينتقم من سيده، ليس مرة واحدة بل ثلاث مرات.

 

وقصد «جميل» ملك «نيبور» الرحيم مستعطفاً أن يعيره قميصاً وعربة، ووعد بأن يعيدها أضعافاً. واستجاب له الملك، فارتدى «جميل» القميص، وركب العربة إلى سوق المدينة، حيث اشترى طيرين، وصندوقاً فاخراً وضعهما فيه، وذهب إلى قصر المحافظ الذي صدّق كلامه أنه يحمل في الصندوق الفاخر ذهباً نذره الملك لإله «نيبور»، وتعّهد له بالحفاظ على الذهب، وأولمه عشاءً فاخراً، وأحاديث طليّة غفا على إثرها المحافظ، فأطلق «جميل» الطيرين يزعقان، وينقران المحافظ، الذي استيقظ مذعوراً. وفتح «جميل» الصندوق الفارغ، وأخذ يولول لاختفاء ذهب الملك، ويضرب المحافظ، الذي سارع لتعويضه بذهب كثير، خشية غضب الملك. وحمل «جميل» جزءاً من الذهب إلى الملك يعادل أضعاف ما استعاره، وتنكّرَ برداء طبيب جوّال، وذهب إلى المحافظ المستميت بمن يشفيه من آلام الضرب. واشترط «جميل» الاختلاء به لعلاجه. وعندما خلا المكان انهال «جميل» على المحافظ بضرب أشد، وأعلن للحارس وهو يغادر القصر هذا الانتقام الثاني، واستأجر فتى هتف أمام بوابة القصر أنه صاحب العنزة، وطارده حراس وخدم المحافظ، الذي تربص به «جميل» وانهال عليه بأشد الضرب، وهو الانتقام الثالث.

 

هذه أول قصة سياسية ساخرة في التاريخ، حسب الباحثة البريطانية «فران هيزلتن» التي عرضتها في أمسية حكواتية استجاب لها جمهور لندن بضحك كثير، وستقدمها في «المتحف البريطاني» الشهر المقبل. وأصبحت القصة موضوع أول فلم ناطق باللغة الأكدية. أنتج الفلم «مارتن وورثنغتون»، أستاذ حضارة العراق القديم في جامعة «كامبريدج» وقام طلابه بتمثيل الفلم، الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة. والفلم حصيلة عقدين من البحث في طريقة النطق بالأكدية، وتمثيل القصة أفضل طريقة لتعلمها خلال سبعة شهور. والأكدية، مثل العربية والعبرية، لغة ساميّة لا تتغير كثيراً كاللغات الهندوأوروبية.

 

والاهتمام العالمي بحضارة العراق القديم شهد ذروته قبل قرنين، عندما كانت البعثات الآثارية الغربية تستولي على كنوز العراق القديم المعروضة حالياً في أمهات المتاحف العالمية. واليوم نشاهد عودة الغرام بالعراق القديم، الذي «كان قد تضاءل كثيراً حتى في الأوساط الأكاديمية المختصة»، حسب الباحثة البريطانية «غندولين ليك»، مؤلفة أجمل الكتب عن حضارات العراق القديم. وتنتصب حالياً في «ميدان الطرف الأغر» نسخة ملونة من تمثال «الثور المجنح»، صنعها الفنان الأميركي العراقي «مايكل راكوفيتش» من عُلب عسل التمر، الذي يسميه العراقيون «دبس».

 

وأبدعت فضائية «بي بي سي» العربية بتغطيتها لأحداث عودة الغرام بالعراق القديم، وأجمل ما فيها استضافة أكاديميين عراقيين، «نينب لوماسو» في كامبريدج، و«جنيد حميد» في بغداد، والباحث «إيلي ملكي» في لندن.. والذين برهنوا على أن العراقيين ما يزالون، رغم كل ما جرى لبلدهم، أفضل من يُعرّف بحضاراته العالمية التي تعاقبت عبر الألفيات. وما نفع تعلم لغات حضارات العراق القديم؟ سؤال لم توفق «بي بي سي» في تقديم جواب شافٍ عنه. فتعليم البريطانيين ما هو العراق، الذي شارك حكامهم عبر قرنين في تدميره، مسألة فلسفية. و«الفلسفة عصفور بنفسجي في شجرة أرجوانية». قال ذلك الشاعر «إليوت».

 

6   ديسمبر 2018

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.