اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

المشروعية الأخلاقية لاضراب الأساتذة والمعلمين// أ. د. محمد الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

أ. د. محمد الربيعي

عرض صفحة الكاتب

المشروعية الأخلاقية لاضراب الأساتذة والمعلمين

أ. د. محمد الربيعي

 

اثار أحد الأساتذة في معرض تعليقه على البيان الموجه للتدريسيين والطلبة في الجامعات العراقية والذي أصدره مجموعة من الأكاديميين العراقيين خارج الوطن موضوع أخلاقية الاضراب والتظاهر طالبا توضيح الموضوع. ولذلك احتراما للأستاذ ولرأيه أجد من الضروري القاء بعض الضوء على شرعية الإضرابات والدور المؤثر لها خصوصا في ظل حكم غير عادل وبيئة تنعدم فيها الخدمات وتندر فرص العمل وينتشر الفساد، فهل يمكن التشكيك في أخلاقيات الاضراب والتظاهر؟

 

من الطبيعي ان يختلف البعض على الطبيعة الأخلاقية لكل اضراب حتى ولو كان في شركة انتاج بضائع، لكن وجود الاضراب ذاته يعطي صوتًا لمن يتم تجاهل حقوقه ويوفر نقطة انطلاق للمساواة وتحقيق العدالة.

لكنه يجدر وضع أي ملاحظات حول أخلاقيات الإضراب في السياق القانوني. الإضراب ليس عصيانًا مدنيًا، إنه قانوني، ومسموح به في إطار الدستور. لقد تحقق هذا الوضع في العالم الديمقراطي تاريخيا بشق الأنفس. الإضراب يوفر ضمانة ضد الاستغلال، وحماية للعاملين (سواء كانوا طلاب او عمال او أطباء او معلمين) في حالة حصول خلل في السلطة. من الواضح، هناك العديد من الشروط المسبقة التي يجب توفرها ليصبح الإضراب مبررًا أخلاقيًا. في حالة الاضراب ضد الحكومة في العراق تطرح تساؤلات: هل الحكومة عادلة ومنصفة ام فاسدة وتمثل مجموعة من السراق؟ هل الحكومة تبني البلد وتطور اقتصاده ام اهملت البلد والمجتمع والاقتصاد؟ هل الحكومة توفر الرفاهية والتقدم ام تساهم في نشر الجهل والتخلف؟

 

شيء طبيعي ان يهدف الإضراب الى الإضرار بمصالح الحكومة او القوى السياسية والقوى المنتفعة الحالية. الحكومة ستّدعي ان العمل (وهنا تعني به التدريس) الذي نقوم به هو مصلحة عامة، وإذا انسحبنا من عملنا، فإننا نؤذي الشعب. يعتمد مقدار الضرر الذي يقع على أي مجال ونوع من المنافع العامة - كالضرر المحتمل من الأطباء المضربين يكون أكبر من الضرر المحتمل الذي يحدثه الأساتذة المضربين. الأضرار التي نلحقها بطلابنا في الإضراب قد تكون كبيرة (إذا ما افترضنا ان الطلاب يتعلمون حقا في جامعاتنا) ولكن أعتقد أن الضرر هنا له ما يبرره، وسأحاول الدفاع عن ذلك ادناه، ولكن حتى لو كنت لا تتفق معي حول هذه القضية، فإنني أهدف إلى توفير طريقة للتفكير بوضوح حول ما قد يبرر هذا النوع من الضرر. 

 

أولاً، يجدر التفكير أبعد قليلاً من طبيعة الضرر، وما هو الدور الذي يلعبه. الطلاب ليس متفرجين أبرياء في كل هذا، انهم المضربين ونحن المشاركين وليس العكس. الطلاب هم من يقود الاضراب، وهم من يقررون استمرار الاضراب او العودة الى مقاعد الدراسة. ومع ذلك، الأذى الذي يلحق بالطلاب يعد جزءًا أساسيًا من الإضراب، ويجب أن نواجه هذا الأمر لان ما يفترض ان يحققه الاضراب هو المكافأة والمنفعة والفائدة التي تفوق الأذى.

 

هنا هو السبب. يحدث الإضراب عندما لا ينجح أي اجراء اخر. وهذا ببساطة ما يحدث حاليا، فما الذي يجب علينا فعله؟ هل يجب علينا ببساطة قبول الظلم؟ إن التاريخ الحديث يرينا كيف ان منع الاضراب في عهد نظام صدام حسين قد أضعف قدرة الشعب العراقي على احداث التغيير. وهذا ما حرمنا من قوة العمل الجماعي. بيت القصيد من الوحدة هو أننا أقوى معا. يجب العمل بشكل جماعي، وبالتالي لا يمكن للحكومة أن تحّرض بعضنا على بعض كأفراد. علاوة على ذلك، نحن بالأضراب قد نظّر بمصالح الاخرين فهنا يمكن ان نظّر بمصالح أصحاب المطاعم في الجامعات على سبيل المثال، وقد يؤثر على الطلاب الا إذا كانوا هم من يمارسون الاضراب لتحقيق قضية وطنية عليا يعتبرونها اهم من وجودهم في الصفوف الدراسية. في هذه الحالة – هذا أمر لا مفر منه.

 

بعبارة أخرى، الاضراب هو شكل من أشكال الإكراه. نريد أن نجعل من المستحيل أن تقول الحكومة او الوزارة "لا" لنا. إن الشروط المسبقة للإضراب المبَرر هي أن الطلاب والتدريسيين عرضوا الأسباب المتعلقة بتحقيق العدالة والقضاء على الفساد وجملة من المطالب التي تتعلق بالمهنة، ولكنهم فشلوا في تحقيقها. كما قلت، فإن الحق في الإضراب هو حماية ضد الاستغلال. لدينا الحق في اجراء ممارسات قانونية قد تؤثر على مصالح الغير عند تجاهل طلباتنا المعقولة. قارن ذلك مع هذا الموقف: تخيل أن يغش طالب في الامتحان. لدينا نظام قائم على الأسباب لمنع الغش (نوضح أنه من الخطأ وغير العدل ان تغش) ولدينا سبب عملي كاحتياطي (إذا غشيت، فسنتخذ بحقك إجراءات عقابية). الإجراء العقابي كترسيب الطالب طبيعيا سيكون ضار بشكل أساسي له وأيضا للجامعة، ولكن هذا هو السبب في أنه اجراء فعال، ولهذا هو اجراء مبَرر عندما فقط يفشل كل اجراء اخر.  الخلاصة انه بأضرابنا كأساتذة قد نفرض أضرارًا على هذا الجيل من الطلاب، لكننا نأمل أن تتمكن الأجيال القادمة من الطلاب من الاستفادة من نظام جامعي حر ومستقل وتزدهر فيه الحريات الاكاديمية ويتم فيه احترام الأستاذ.

 

 

على نطاق أوسع، فإن الإضراب عادة ما هو أكثر من مجرد كونه يدور حول القضية المطروحة. الإضراب لديه رسالة معبرة. معظم الأساتذة المؤيدين للأضراب او المشاركين في التظاهرات هنا يطالبون بأكثر من مجرد حقوقهم المهنية او المعاشات التقاعدية الخاصة بهم: انهم يرسلون رسالة معبرة إلى الحكومة والوزارة. بالنسبة للكثيرين منهم، تتمثل الرسالة في أنهم يريدون وطنا لا مكان فيه للفاسدين وجامعة تمثل مصالحهم ومصالح الطلبة ومكانًا للتعلم والتدريس وليست ملكا لحزب او قوة سياسية. طلابنا ليسوا مستهلكين، وطريقة القسر الفوقي ليست أفضل طريقة لإدارة الجامعات. الاضراب احيانا يظهر أننا على استعداد للقتال والتضحية من أجل المبادئ السامية التي نقدرها ونقدسها. برأي أن الحق القانوني في الإضراب هو حق فعال، إنه يحميننا كأساتذة وطلبة، ويمكن استخدامه، وأتمنى ان يتم استخدامه بطريقة حكيمة.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.