اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

دارون وأمانة البحث العلمي إلى حد الدهشة// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

دارون وأمانة البحث العلمي إلى حد الدهشة

صائب خليل

12 شباط 2020

 

كان أكثر ما أدهشني في دارون، الأمانة المدهشة في البحث العلمي عن الحقيقة، وهو ما نستطيع ان نتعلم منه الكثير. فلقد كان السؤال إن كانت الكائنات الحية قد نبعت من أصل واحد، سؤالا كبيراً ويفترض افتراضات عليه ان يتحمل وزرها. وقد وضع دارون على نظريته شروطا قاسية يكفي انتفاء أي منها لتعتبر نظريته في التطور غير صحيحة.

فنظرية التطور تقول بان الاحياء تكونت في منطقة واحدة او مناطق قليلة ثم انتشرت وتنوعت مع الزمن. واحد الشروط الصعبة التي يجب على النظرية ان تمر باختبارها، هو أن تتمكن من تفسير وجود حيوانات ونباتات على جزر منعزلة تبعد عن أقرب مكان لتواجد أنواع قريبة منها، مسافة يصعب قطعها في البحر.

في اغلب الحالات لم يكن إيجاد التفسير لوصول النباتات والحيوانات صعباً (كأن تلتصق بعض البذور في أرجل الطيور وغيرها)، لكن حالات أخرى أجبرت دارون على دراسة الجيولوجيا بعمق للبحث عن تفسير للانتقال. ففي بعض الحالات لم يتم إيجاد تفسير مقنع الا بعد اكتشاف ان البحر بين بعض الجزر البعيدة عن اليابسة، كان ضحلا، وهو ما يعطي احتمالا جيدا انه كان هناك اتصال باليابسة سهل انتقال اجداد تلك الحيوانات إلى الجزر. ولم يجد دارون جزراً بعيدة في بحر عميق وفيها حيوانات يصعب انتقالها اليها.

أما بالنسبة للنباتات التي لا يمكن تفسير انتقالها بالطيور، فقد درس دارون التيارات البحرية وحسب كم يوم تحتاج البذور الى الوصول الى تلك الجزيرة من أقرب مكان على اليابسة. ثم صنع احواضا وملأها بمياه البحر، ووضع الحبوب فيها لعدد مساو من الأيام. فإن غرقت الحبوب اعتبر التفسير فاشلا، وان بقيت طافية، اخذ تلك الحبوب وزرعها ليكتشف ان كانت قد احتفظت بقدرتها على النمو بعد تلك الفترة في ماء البحر.

 

وحسب نظرية التطور فان الكائنات الحية المنقرضة تواجدت في فترات تاريخية محددة، لا قبلها ولا بعدها. ومن ناحية أخرى فأن الطبقات الرسوبية تكونت في فترات زمنية متتابعة ايضاً. فالطبقات الأعلى هي الطبقات الأحدث. لذلك نجد كل طبقة تحتوي على متحجرات الحيوانات والنباتات التي عاشت في تلك الفترة التي سبقت طمر تلك الطبقة. فإن وجدنا بقايا متحجرات لحيوانات أو نباتات في طبقات متباعدة، تعود بعضها لفترات بعيدة عن الفترة التي عاشت فيها تلك الحيوانات، كان ذلك دليلا على فشل النظرية. إلا أن مثل ذلك الاكتشاف لم يتم ابداً، عدا في الحالات التي يمكن بوضوح اثبات ان الطبقات قد انقلبت بفعل هزة أرضية او بركان او ما شابه.

 

ووفق نظرية التطور فأن أعضاء الحيوانات وأجزاء النباتات قد "تطورت" بشكل "تدريجي" وان هذا التطور حتى في مراحله المتوسطة، كان مفيدا للكائن الحي في صراعه من اجل البقاء، وإلا لما وصل العضو الى المرحلة المفيدة اصلاً. العين مثلا، كانت تعتبر من أصعب الأعضاء تفسيراً في تطورها. فيجب على نظرية التطور لا ان تكتفي بإثبات إمكانية تطورها تدريجيا (أي لا تحتاج الى قفزة تترتب فيها الخلايا بشكل معين وتكسب فجأة خواصاً معينة)، وإنما أيضا ان تكون مفيدة حتى قبل ان تكتمل. فلو كان العضو غير مفيداً في مراحل تطوره الأولى، لما بقي الحيوان الذي ظهر عنده، على قيد الحياة في تلك المراحل.

لكن أصل العين، وهي عبارة عن أجزاء الجلد التي تحسست للضوء، كانت مفيدة للحيوان، وازدادت فائدتها تدريجيا مع زيادة حساسيتها واعطت في كل مراحلها فائدة لذلك الحيوان تزيد من فرصته في البقاء والتكاثر.

 

مشكلة أخرى على النظرية ان تحلها هي: هل ان عدد السنوات التي وجدت فيها الحياة كافية لمثل هذا التطور؟ في البداية كانت هناك مشكلة تصور ان الأرض خلقت قبل 6000 عام حسب الكتاب المقدس، ولم تكن هذه الفترة تكفي لتطور معظم الأعضاء. لكن النظرية استبدلت بنظرية ان الكون موجود منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد، وبالتالي زالت تلك المشكلة.

ثم تبين للعلم ان الأرض قد تكونت قبل حوالي 4,5 مليار سنة، وان الحياة بدأت بحدود 3,5 مليار سنة قبل الآن، فهل تكفي هذه الفترة؟ .لقد حسب بالفعل عدد الأجيال اللازم لتطور العين مثلاً، ووجد ان الفترة كانت أكثر من كافية. ولم يتم اكتشاف أي عضو لا يمكن تفسير وجوده بالتطور التدريجي والمفيد في جميع المراحل. وهكذا افلتت النظرية من كل الصعوبات التي وضعت امامها وكان انتفاء شرط واحد كاف لهدمها من أساسها.

 

كان دارون هو من يبحث في تفنيد نظريته أكثر مما فعل منافسوه، وبشكل مدهش الأمانة، حتى يشعر المرء أنه كان يبدو أكثر حماساً لتفنيد نظريته مما كان لإثباتها، وتلك صفات العالم الأمين، فتحية له في عيد ميلاده الـ 111 الذي يصادف اليوم، 12 شباط.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.