اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (332)- أَصالة القبانجي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

يوميات حسين الاعظمي (332)

 

أَصالة القبانجي

        لقد كان القبانجي بأُسلوبه الجديد المعاصر وعقله النيـِّر قويَّ المواجهة مع سابقيه ومعاصريه من القدماء بعد أن أدركَ نهايات مسيرتهم الفنية. إن القبانجي لم يحذف شيء من المقام العراقي ليستبدله بشيء آخر، أي أنه لم يغيِّر شيئاً..! ولكنه طوَّر وأضاف وعمَّق الاساليب الادائية من حيث انها مسارات لحنية عريقة حافظ عليها شأنه في ذلك شأن أسلافه، وزاد على ذلك حين إستحدث مقامات عراقية جديدة من سلالم موسيقية لم تكن تؤدى كمقامات عراقية من حيث الشكل، بل كانت تؤدى من خلال بعض الاغاني التراثية فجعل منها مقامات عراقية لها شكل مقامي يندرج في صلب التعبير الادائي للمقامات العراقية ولكن بروح ادائية معاصرة وهو الأهم في كل هذا الابداع. ومن هذه المقامات العراقية المبتكرة مقام الكرد ومقام القطر ومقام الحجاز كار ومقام الهمايون ومقام الحويزاوي ومقام النهاوند ومقام اللامي وغيرها. واليك عزيزي القارئ الكريم القصائد والزهيريات التي كان القبانجي قد غناها في هذه المقامات، وهذا مقام الكرد في هذا الزهيري لمحمد الحلي المعروف بإبن الخلفة بهذا المطلع.

(جربتهم  ما وفوا  بالغانمـات إمعــاي / وإمعاي خانوا على عهد التخبرة إمعـاي)

وفي مقام – الحجاز كار – المُغنّى بهذا الزهيريومطلعه.

(أدفن  غرامي  بلب  إحشاشـــتي  وادم / وابجي دمه والدموع إدمـــوع  بالوادم)

ومقام القطر – بزهيري لجَواد كاظم السباك بهذا المطلع.

(نار الغضا لوعت مني الضمــــير إبجاي / والغير منهم شرب كاس الــــوداد إبجاي)

ومقام النهاوند بهذا الزهيري نظم الحاج زاير الدويج وهذا مطلعه.

(من يوم فركاك جسمي من صــدودك عود / هيهات بعدك يسليني نديـــــم اوعود)

مقام الهمايون المُغنّى بهذه القصيدة للشاعر عبد الغفار الأَخرس وهذا مطلعها.

(طهـِّرْ فؤادكَ بالرَّاحات تطهيـــرا / ودُمْ على نهبــك اللذات مسرورا)

 

      مقام الحويزاوي المُغنّى بهذه القصيدة للشاعر عبد الغفار الاخرس وهذا مطلعها.

(أدار الكأس مترعة شرابا / وأهداها لنا ذهباً مذابا)

 

       وقد غنى القبانجي مقام الحويزاوي مرَّة اخرى، في ستوديو جميل بشير عام 1956 ولكنه حصل على شهرة كبيرة عندما غناه في حفلة مؤتمر الموسيقى العربية الثاني الذي عقد في بغداد عام 1964 التي تم تصويرها في التلفزيون. بقصيدة من كتـــاب ألف ليلة وليلة ولكنها منسوبة الى العباس المبرد، وكذلك منسوبة الى مجنون ليلى وهذا مطلعها.

(لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم / فحملوها وسارت بالهوى الإِبلُ)

 

        وبالرغم من أَنَّ القبانجي سبق أَن غنى مقام اللامي على شكل أُبوذية ضمن تسجيلاته بألمانيا في عشرينات القرن العشرين بهذه الأُبوذية ومطلعها.

(علامه الدهر شتتــــــــنا وطرنا)

      ولكنه في ستوديو جميل بشير ايضا عام 1956 غنى هذا المقام مكمِّلاً مقومات شكله كمقام بالقصيدة أَدناه.ثم أعاد غناءَه في مؤتمر الموسيقى العربية الثاني ببغداد عام 1964 بهذا المطلع من القصيدة.

(متى يشتفي منك الفؤاد المعذَّبُ / وسهم المنايا من وصالك أقربُ)

 

         كرَّس القبانجي كل جهوده على توضيح الجمل الادائية في غناء المقام العراقي ونظمها بصورة تدل على ذوق رفيع، وكذلك عمل على توضيح الكلمة المغناة التي كان يسودها الادغام والغموض في لفظها، وأعطى قيمة كبيرة لعنصري الفن والجمال في ادائه، واهتم كثيراً بتفاعل المؤدي والسامع  والعلاقة الضــــمنية الصريحة بينهما..!

        لقد ربط محمد القبانجي الاداء المقامي بالحياة، وبذلك كشف لنا عن اصالته. لقد كان يسعى الى الاصالة فعلاً، لأنه وعى ذاته من حيث موقفه من الحاضر وربطه بالماضي، ورغم كل هذه الابداعات القبانجية التي ظهرت في النصف الاول من القرن العشرين، لابد لنا أن نتجاوزها ونعي حاضرنا الذي يتيح لنا فرصاً أوسع للابداع من الزمن الذي ظهر فيه القبانجي، خاصة ونحن ودعنا السنوات الأخيرة من القرن العشرين واستقبلنا القرن الحادي والعشرون، وطبيعي أن وسائلنا الآن المتوفرة في عصرنا الراهن في الدراسة والتعليم واسعة جداً أكثر من أي وقت مضى وهي بازدياد مضطرد، فلا سبيل للِّحاق بركب الحضارة والتقدم، ولا سبيل الى الابداع الحقيقي في هذه الحقبة بغير الدراسة والمعرفة والاطلاع وترسيخ المباديء الابداعية العقلية. لأن المعرفة غير التقليد وغير المحاكاة الجامدة، إننا حين نفهم ماضينا جيداً نستطيع أن نكون على إستعداد لفهم المستقبل في الحقبة الزمنية التي نعيشها.

 

         عندما نتجاوز أصالتنا فلا بد أن نؤسِّس أصالة جديدة نابعة من أصالتنا القديمة أو أصالتنا الحقيقية..!!إن الوعي بالاصالة(هامش1)الذي تمتع به محمد القبانجي يظهر غايته ويكشف إدراكه للمشكلة التي يواجهها في عمله الفني، وهذا الوعي هو الذي كان السبب في مواجهة القبانجي الفاعلة للجيل السابق له، إن بعضاً من أبناء جيله الذين سيطرت عليهم الافكار التقليدية سيطرة كبيرة، غلب عليهم التقليد والنقل العفوي. إن جانباً كبيراً من مفهوم القبانجي للاداء المقامي، مفهوماً تعبيرياً تطريبيّاً جمالياً. لأن ما نلاحظه عند سماعنا لمقاماته العراقية التي أدّاها، إنه يهتم بهذا الجانب كثيراً، وقد قيل عنه انه قال يوماً(ان القضية قضية تطريب) (هامش2)وهو بذلك قد بلور هذا المفهوم بانجازاته التي تفوَّق بها على جميع أقرانه. تفوَّق لأنه كان يدرك بالفطرة ان الجمال ليس آلياً أو أُسلوب تلقائي للانفعالات..! بل انه أدرك الطبيعة الحقيقية للتعبير عن هذه الجماليات، وبذلك إستطاع أن يعيَ ميـِّزات الافعال الجمالية وان يعيَ ذاتَه في ادائه لموضوعها. فضلاً عن إدراكه العميق بالعلاقة بين المبدع والحياة، والذات والموضوع. لذا فإنه بهذا الادراك قد تميـَّز عن كل أقرانه المؤدين من السابقين أو اللاحقين، وكان لابد لهذا الادراك ولهذه العلاقات من أن يعيد التوازن المفقود بين الذات والموضوع، ويكشف بالتالي عن الصلة الحميمية بين التجربة الادائية وصياغتها وكذلك يوازن بين الانفعال والفكر.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

محمد القبانجي مقام الحويزاوي

https://www.youtube.com/watch?v=HzmYaZHAzUQ

 

هوامش

1-   هامش1: الاصالة.Originality -القدرة على الابداع والابتكار في انتاج ادوات او مخترعات او اعمال فنية او ادبية، وبعبارة اخرى هي امتياز الشيء او الشخص على غيره بصفات جديدة صادرة عنه. (الاعظمي، حسين اسماعيل، المقام العراقي الى اين ؟، ط اولى، بيروت، 2001، ص 99.)

هامش2:القضية قضية تطريب- قيلت عن القبانجي من قبل اصدقائه، انظر كتابي الاول  / المقام العراقي الى اين.؟ / موضوع عن القبانجي في ص143 الى ص 148 ولاحظ ص145.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.