اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

تأثير كورونا على تدهور أسعار النفط والديون الخارجية والداخلية للعراق// د. سناء عبد القادر مصطفى

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سناء عبد القادر مصطفى

 تأثير جائحة كورونا على تدهور أسعار النفط العالمية

والديون الخارجية والداخلية للعراق

د. سناء عبد القادر مصطفى

 

لقد جاءت جائحة كورونا بالإضافة الى تدهور أسعار النفط  لتكمل الأزمة  الاقتصادية التي تلم بالعراق منذ أكثر من سنة ونيف. فبعد الهبوط الكبير في أسعار النفوط الأمريكية الى ما تحت الصفر بحدود - 7.3 دولار أمريكي.  ويعني السعر السالب استعداد الجهة البائعة بأن تسلم كمية النفط المشتراة الى الجهة المشترية مع مبلغ من المال لضمان التخلص من كميات النفط المنتجة بسبب عدم توفر صهاريج لخزن النفط المستخرج التي تكون كلفتها عالية وكذلك كلفة اعادة ضخ النفط العالية في حالة ارتفاع الأسعار في المستقبل.

وقد رجح وزير النفط العراقي السابق والخبير النفطي، عصام الجلبي، خسارة العراق لعشرات المليارات من الدولارات بسبب انخفاض أسعار البترول على وقع الخلاف الروسي السعودي وعدم اتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وروسيا على خفض الإنتاج.

 

وقال الجلبي لـ"الحرة" إن العراق كان قد حدد سعر برميل النفط بـ 56 دولارا للبرميل الواحد للعام الحالي 2020، لكن "النفط العراقي سوف يكون ضمن معدلات هذه الأيام بحدود لا تتجاوز 25 دولارا للبرميل الواحد"، ما يعني "أننا أمام انخفاض كبير للإيرادات النفطية قد يبلغ عشرات المليارات".

وفي بيان لوزارة النفط العراقية في 1/5/2010 أعلنت فيه ان معدّل سعر بيع النفط لشهر أيار كان  13.8 دولار أمريكي($) للبرميل والإيرادات الفعلية كانت 1.423 مليار$ على الرغم من ان الصادرات قد حافظت على معدلاتها وبلغت  3.438  مليون برميل/ يوم ، عدا نفط اقليم كردستان.

 

وبما ان قرار الأوبك + قد أصبح نافذ المفعول إعتبارا من اليوم الأول لشهر أيار الجاري، فان الصادرات ستهبط لحوالي 2.5 مليون ب/ي (عدا اقليم كردستان والاستهلاك الداخلي)، ولو إفترضنا نفس معدل أسعار نيسان فان الإيرادات لشهر أيار ستكون بحدود مليار دولار فقط بالمقارنة مع التخمينات السابقة 1.125  مليار دولار$ كما أكد ذلك المستشار النفطي عصام الجلبي.

 

ومما يثير الألم والإستغراب هو عدم قيام السلطات العراقية بأية اجراءات تقشفية أو تنظيمية مع استمرار البذخ والتهور في دفع رواتب عالية لغير مستحقيها واستلام كبار المسؤولين مبالغ ومخصصات عالية واستلام أخرين لأكثر من راتب مع شيوع الوظائف الفضائية ووظائف الدمج التي ابتلى بها الشعب العراقي وغياب الصندوق السيادي للأجيال الذي يشكل عاملا مهما في درء الأزمات الاقتصادية كما هو الحال في الدول الاسكندنافية وروسيا ودول الخليج العربي مثل الكويت والامارات العربية المتحدة والمملكة العربيةالسعودية.

 

كما لم تســتفيد مراكز القرار المسـؤولة في الحكومة العراقية عن السياسات الاقتصادية في العراق من التجارب السابقة لصدمات انخفاض أسعار النفط ، مما أدى الى اسـتمرار حالة الحرج والحيرة تجاه دفع الرواتب عند كل صدمة جديدة من صدمات انخفاض أسعار النفط، لأن الجهاز الحكومي الذي شهد توسعا كبيرا في أعداد الموظفين والمستخدمين بعد 2003. ، قد أسهم بشكل كبير في تضخيم النفقات التشغيلية لإعالة ملايين من أفراد المجتمع الذين لم يجدوا فرصا للعمل خارج نطاق القطاع الحكومي ، ومن ثم فقد أصبحنا بعد كل صدمة لأسعار النفط نفكر بالدرجة الأولى كيف سندفع رواتب موظفي الدولة وتأثير ذلك على  الموازنة العامة للدولة.

 

  وتواجه موازنة 2020 مثل هذا الواقع الذي يتطلب البحث عن حلول لتأمين دفع الرواتب بعد أن انخفضت أسعار النفط الى مستويات متدنية لم يسبق لها مثيل منذ أكثر من 20 سنة . ويبدو انّ تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط بسبب  جائحة كورونا  وعدم وجود الصناديق السيادية  للمستقبل، قد دفع باتجاه اعادة النظر في الأرقام التقديرية الافتراضية المتعلقة بالايرادات والنفقات العامة في موازنة 2020 ، فحجم النفقات العامة الذي كان مقدرا يصل الى 139 مليار دولار$ ، والايرادات العامة الي خمنت بحدود 95 مليار دولار$ ، وبعجز مخطط بحدود 44 مليار دولار$ . الاّ انّ هذه التقديرات أصبحت بعيدة عن الواقع ، ومن ثم فقد أصبح من الضروري تغيير أرقام الموازنة وفقا للمعطيات الجديدة . واذا ما حاولنا تخفيض النفقات العامة الى حدود 80 مليار دولار$ والتي منها 59 مليار دولار$ نفقات تشغيلية ، فسوف يكون مثل هذا المبلغ كافيا لسد حاجة دفع الرواتب ، الاّ انه يتطلب اجراءات لضغط وترشيد عناصر النفقات التشغيلية الأخرى ، كتأجيل دفع خدمات الديون وضغط وترشيد نفقات المنافع الاجتماعية وغيرها من عناصر النفقات التشغيلية الأخرى (انظر: عدنان حسـين الخياط، تأثير انخفاض أسعار النفط على الرواتب في موازنة العراق 2020، نيسان 2020).     

وعلى صعيد النفقات الاستثمارية التي هي بحدود 30% من اجمالي النفقات العامة ، فانّ هذه النفقات يمكن اعادة هيكلتها في ضوء واقع الطاقة الاستيعابية لأجهزة التنفيذ الحكومية وحالات التلكؤ والفشل التي صاحبت تنفيذ المشاريع المختلفة في المراحل السابقة ، أملا باصلاح قدرات التنفيذ للمشاريع الاستثمارية وفقا للمعايير الاقتصادية وتجريدها من ممارسات الفساد .

    

أما فيما يتعلق بجانب الايرادات، فانها تمثل أساس المشكلة، سواء ما يتعلق بالايرادات النفطية أو غير النفطية، اذ انّ أثر الأزمة سيكون كبيرا على موازنة العراق 2020  اذا لم يحصل تقدم باتجاه ايجاد حلول لمسـألتين أساسيتين، هما أزمة جائحة كورونا والركود الاقتصادي العالمي، وكذلك أزمة فائض انتاج النفط في الأسواق العالمية . فبحسب تصور متشائم لسعر برميل النفط في حدود 28 دولار$ كمتوسـط لسنة 2020 ، فانّ هذا السعر سيجلب للموازنة ايرادات نفطية تقدر بحوالي 40 مليار دولار$ ، وهذا المبلغ يمثل نصف النفقات العامة المقدرة ، كما انه أقل من قيمة الرواتب الواجب دفعها ، مما يضع الموازنة أمام خيارات صعبة في اطار الحلول المحلية .

 

انّ الصدمة التي حصلت في أسعار النفط نتيجة جائحة كورونا، لم تكن ناجمة فقط عن الركود الذي انتاب الاقتصاد العالمي، وانما يرز الى السطح الى جانب ذلك عامل الخلاف بين منتجي النفط في العالم من دول الأوبك والدول الأخرى خارج أوبك، ونتحدث هنا عن صراع فرض الارادات بين السعودية وروسـيا، باعتبارهما أكبر منتجي ومصدري النفط، والفشل الذي أصاب المفاوضات بينهما بعد ظهور بوادر الأزمة مباشرة، من أجل تخفيض الانتاج والحد من فائض العرض النفطي في الأسواق العالمية . فلم تفلح السعودية في اقناع روسـيا في بداية الأمر، من أجل المساهمة في تخفيض الانتاج، مما دفع السعودية الى التمسـك بالكميات التي تنتجها وتصدرها وزيادة الكميات من معروضها النفطي الى ما يقارب 12 مليون برميل يوميا، فضلا عن دعوة دول الأوبك الأخرى الى التمسك بحصصها الانتاجية، مما شـكّل عاملا مؤثرا لحرب الأسعار بين الدول المنتجة، استفادت منها الدول الصناعية الكبيرة المستوردة للنفط في زيادة مخزونها من النفط الرخيص الذي انخفض سعره الى ما دون 20 دولار$ للبرميل قبل أن يعود لتحقيق مكاسـب من الارتفاع في ظل ظهور بوادر جديدة للتوصل الى اتفاق بين منتجي النفط بوسـاطة الولايات المتحدة التي دعت السعودية وروسـيا الى الحفاظ على توازن الأسعار في أسواق النفط العالمية، بعد أن شعرت الولايات المتحدة بأنّ انخفاض سعر برميل النفط الى ما دون 20 دولار$ قد ألحق أضرارا بالصناعة النفطية والاستثمارات في حقول النفط الصخري ذات التكلفة العالية في الولايات المتحدة على وجه الخصوص والدول الصناعية الكبرى. ويأمل منتجو النفط من هذه المحاولة من المفاوضات تجاوز حالة الخلاف والتوصل الى اتفاق لتخفيض الانتاج في هذه المرحلة من شأنه أن يعيد لأسواق النفط العالمية التوازن، وجعل سعر برميل النفط بمستوى يساعد في الحفاظ على مصالح المنتجين داخل أوبك وخارجها، فضلا عن مصالح المستثمرين والمنتجين في الآبار النفطية في الولايات المتحدة والدول الصناعية الأخرى، ولاسيما حقول النفط الصخري ذات التكلفة الأعلى مقارنة بآبار النفط في الشرق الأوسـط. وقد بررت الآمال بتتويج اتفاق بين روسيا الاتحادية والمملكة العربية السعودية التزامهما بتنفيذ "الاتفاق التاريخي"، الذي بموجبه سيتم خفض إنتاج النفط المتفق عليها خلال العامين المقبلين، وسوف تستمران في مراقبة أوضاع السوق البترولية عن كثب".  وأعرب البلدين عن استعدادهما "لاتخاذ أي إجراءات إضافية بالمشاركة مع الدول الأعضاء في اتفاق أوبك+ والمنتجين الآخرين، إذا ما بدت ضرورة لذلك". إضافة إلى ثقتهما في أن "شركاءنا في اتفاق أوبك+ والمنتجين الآخرين سوف يحافظون على التزاماتهم". وفي الأحد الموافق 12/4/2020 ، توصلت مجموعة "أوبك +"، لاتفاق يقضي بخفض إنتاج النفط بمقدار 9.7 مليون برميل يوميًا ابتداء من مطلع شهر أيار الجاري.  ويهدف قرار "أوبك +" لدعم أسعار النفط بعد الخلاف الذي نشب بين السعودية وروسيا، إلى جانب تراجع الطلب على النفط في ظل جائحة كورونا.

 

ومن أجل توضيح الصورة بشكل أفضل من الضروري بمكان القاء الضوء على واقع ديون العراق الخارجية والداخلية.

ديون العراق الخارجية والداخلية

كشف رئيس المجموعة المستقلة للابحاث والمنسق العام لمنظمة Gallup في شمال أفريقيا والشرق الأوسط دكتور منقذ داغر، في يوم الحادي عشر من شهر كانون الثاني المنصرم في موقع بغداد بوست، عن حجم الديون الخارجية والداخلية على ذمة العراق، مشيرا إلى أن اجمالي الدين العراقي يصل إلى 63 مليار دولار ويشكل حوالي 28% من الناتج المحلي الاجمالي.

وقال داغر في تدوينة له، إنه “يتم تداول ارقام مختلفة في الاعلام وبين المختصين حول ديون العراق الفعلية، وللوقوف على الحقيقة فقد استعانت المجموعة المستقلة بمصادر رسمية عراقية للتعرف على هذه الديون موزعة كالآتي:

– 38 مليار دولار $ دين داخلي.

– 25 مليار دولار$ دين خارجي وبضمنه:

– 10 مليار دولار $ لدائني نادي باريس.

– 6.4 مليار دولار $ مناصفة بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

– 3.1 مليار دولار $  تعويضات الكويت.

– 2.7 مليار دولار $ لامريكا.

واضاف ان “هناك 41 مليار دولار $ من أيام النظام السابق وهي قروض (سياسية) منحت للنظام السابق من دول مختلفة واهمها الدول الخليجية. وقد توقف العراق عن سدادها لأنها منحت خارج قرارات مجلس الأمن، ومن يريد من الدائنين المطالبة بها فعليه التوجه لنادي باريس. وهذه في معظمها يمكن اطفائها سياسياً” . وبذلك يكون مجموع الديون المترتبة بذمة العراق بحدود 104 مليار دولار$ .

أما تقديرات أحمد معن الطبقجلي فهي كما وردت في بحثه الموسوم: ديون العراق... نظرة عامة حول وضع الديون ونشأتها ومستقبلها، ص6. مركز البيان للدراسات والتخطيط 2018.

 

جدول رقم 1 يبين الناتج المحلي الاجمالي والديون للأعوام 2014، 2017، 2022.

السنوات

2014

2017

2022 (تقدير)

الناتج المحلي الاجمالي- مليار دولار

234.7

192.7

256.2

أسعار النفط العراقي – دولار $ لكل برميل

96.5

45.3

47.1

صادرات النفطٍ (مليون ب/ي)

2.6

3.8

4.1

نسبة الديون الكلية من الناتج المحلي الاجمالي

32.0%

63.8%

52.1%ٍ

الديون الكلية –مليار دولار$

75.2

122.9

133.1

نسبة الديون الخارجية من الناتج المحلي الاجمالي

24.8%

38.3%

27.9%

الديون الخارجية-مليار دولار$

58.1

73.7

71.4

نسبة الديون الداخلية من الناتج المحلي الاجمالي

7.2%

25.5%

24.2%

الديون الداخلية-مليار دولار

17.1

49.2

62.0

 

ومن القاء نظرة تحليلية على بيانات جدول رقم 1 الوارد أعلاه يمكن القول أن مستقبل العراق لا يبشر بخير بسبب حجم الديون المترتبة بذمة العراق وعدم وجود صندوق سيادي للأجيال مع ضعف تطور القطاعين الصناعي والزراعي وزيادة الاستيراد من الخارج ودمار البنى التحتية. 

 

ومن جهة أخرى فقد كشف محافظ البنك المركزي علي العلاق، يوم السبت الموافق 14/3/2020، أن ديون العراق الخارجية تبلغ نحو 23 مليار دولار، في حين تبلغ الديون الداخلية نحو 40 ترليون دينار عراقي.قال العلاق في دراسة له حول "تخفيض سعر صرف الدينار العراقي المحددات والبدائل"، ونشرها الموقع الرسمي للبنك المركزي، إن "الديون الخارجية للعراق تبلغ نحو 23 مليار دولار عدا الديون المعلقة لما قبل 2003 البالغة 40.9 مليار دولار"، مبيناً أن "الديون الداخلية تبلغ نحو 40 ترليون دينار تمثل حوالات خزينة وسندات مخصومة لدى المصارف الحكومية والبنك المركزي العراقي".

وأضاف العلاق، أن "البلد عندما يكون مديناً ويدفع ديونه والفوائد عليها بعملة البلد الدائن فان عبء الديون المترتبة عليه في هذه الحالة تزداد في الموازنة العامة للدولة حيث يتم تخصيص كمية أكبر من عملته الوطنية سداداً لدينه بالعملة الأجنبية"، متابعاً: "أما إذا كان البلد المدين يدفع بعملته الوطنية فانه يدفع نفس المقدار من الديون والفوائد".

يذكر أن العراق قام خلال عام 2014 بالاقتراض بعد انخفاض أسعار النفط من مؤسسات ومنظمات مالية، بالإضافة إلى الاقتراض من الداخل عبر بيع سندات خزينة.

 

    وكان العراق يتطلع الى نتائج اجتماع منتجي النفط في يوم الخميس الموافق التاسع من نيسان من العام الجاري والذي خصص للاتفاق على تخفيض الانتاج واعادة التوازن الى أسعار النفط في ضوء معطيات الواقع الحالي ، باعتباره يمثل مخرجا لرفع الحرج عن موازنته المالية 2020  التي تعتمد بحدود 92-95% على موارد بيع النفط ، نظرا لما يحيط بالاجراءات المتعلقة بالحلول البديلة من صعوبات لتأمين دفع الرواتب ، سـواء كان بفرض الاسـتقطاعات من بعض الرواتب ، أو اللجوء الى الاقتراض الخارجي والداخلي ، حيث ترفض المؤسسات المالية والنقدية الدولية مثل صندوق النقد الدولي IMF والبنك الدولي WB منح القروض لغرض دفع الرواتب ، ولم يبق أمام الحكومة العراقية سوى اللجوء الى الاقتراض الداخلي وبيع السندات الى الجمهور ، والذي يواجه هو الآخر صعوبات في ظل الوضع المالي الحالي وسياسة التقشف وجائحة كورونا.

وهنا أستذكر ما طرحه صديقي الدكتور خليل عبد العزيز في الفيسبوك من تعليق يتمحور ويركز على : 

 

مستقبل مظلم يواجه العراق ؟

ايرادات العراق المالية لشهر ايار مليار و125 مليون دولار.. الحاجة للرواتب والتقاعد والنفقات العامة لكل شهر حوالي 7 مليار دولار..  وللعلم ليست هناك موازنة مصدقة لهذا العام 2020 ، ولم يتخذ أي اجراء لمواجهة الازمة الخطيرة والتي لم يسبق ان تعرض لها العراق .

من المسؤول عن عدم اتخاذ قرار يمكن ان يعالج الازمة التي سيواجهها العراق؟ وماذا سيكون الوضع في البلاد؟

 

وهنا نشير الى رأي بعض المسئولين في الحكومة العراقية لحل الأزمة المالية والاقتصادية في العراق ألا وهو اللجوء الى الاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المشار اليهما أعلاه. ولذلك قبل الخوض في هذا الموضوع يجب علينا معرفة شروط هاتين المؤسستين الماليتين التي تضعهما أمام الدول التي تريد في الاستدانة منهما. فمن شروط البنك الدولي أن اي اتفاقية توقع تكون “سرّية”وفي هذا الإجتماع يكون المطلب الأول للبنك، هو تخفيض ميزانية الحكومة.

ماذا يعني تخفيض الميزانية؟

يقول “خبراء” البنك الدولي أن دولتك تمر بظروف عسيرة وأن ميزانيتك الحكومية لسنة 2020 مثلا ضخمة جدا . معنى هذا أن قروضنا سوف يبتلعها هذا الإنفاق الحكومي الكبير ولذلك يجب تخفيض الميزانية الحكومية .فماذا يعني تخفيض الميزانية الحكومية؟ 

1 يعني تخفيض الميزانية (وهو جزء مما يسمونه برامج التقشّف austerity programs  :تقليص عدد الموظفين والعمال والبدء بتسريحهم أو منحهم إجازات بدون راتب (هذا يعني البطالة وضعف أداء الدولة وتوقف المعامل وتدمير الصناعات الوطنية(.

2 تقليص رواتب الموظفين وتقليل أجور العمّال

3 إلغاء أو تقليص دعم الدولة للتعليم وفرض رسوم على التعليم في الجامعات والمدارس بصورة تدريجية لامتصاص الصدمة الاجتماعية (هذا يعني عودة الأمّية واتساعها).

4 إلغاء أو تقليص دعم الدولة للصحةّ وفرض رسوم على الصحة والعلاج بخطوات تدريجية هذا يعني عودة ونشر الأمراض وصولا للإبادة البشرية

 5 إلغاء أو تقليص دعم الدولة للمواد الغذائية (إلغاء بطاقة التموين ومن الممكن أن يتم ذلك على مراحل لتجنب ردود الافعال) (هذا يعني سوء التغذية وانتشار الأمراض واتساع الفقر(.

6 رفع أسعار الكهرباء والماء

7 رفع أسعار البنزين والوقود

8 رفع رسوم النقل الحكومي

ماذا يسمّون هذه الإجراءات ؟

يسمّيها خبراء البنك الدولي : برا

مج التعديل أو الإصلاح الهيكلي أو برامج التكيّف الهيكلي structural adjustment programs ..

 

هذه البرامج باسمها الرنّان المضلّل تأتي ضمن سياسة البنك الدولي (ومعه توأمه : صندوق النقد الدولي) وباقي المؤسسات المالية الدولية (مثل البنك الدولي للتجارة والائتمان والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير والآن معها البنوك والمجموعات الخليجية) تأتي ضمن مخطط البنك الهادف إلى تحويل اقتصاد البلاد حسب السياسة النيوليبرالية الجديدة التي بدأ بتطبيقها منذ بداية الثمانينات على 80 دولة وثبت فشلها حيث يتم إفقار الشعوب وتخمة الأقلية الفاسدة المرتبطة بالشركات الغربية ونهب ثروات البلاد وتحويلها إلى البنوك الغربية(انظر : حسين سرمك حسن، انقذوا العراق من مخالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. 15/03/2020)

 

مخطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هذا موضوع ومرسوم بخبث ولكن بصيغة “علمية” من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية لإعادة الاستعمار القديم بصيغة اقتصادية حيث يتم تكبيل الدولة المستهدفة بالديون (السيادية خصوصاً التي يكون دفعها عند العجز مصادرة الثروات الوطنية) التي تستمر بدفع فوائدها مدى الحياة ولا تنتهي القروض الأصلية !! ومصادرة ثرواتها الوطنية من النفط والمعادن والمياه والغابات الخ.

 

 وتهدف السياسة النيولبيرالية الجديدة إلى :

1 تصفية وبيع القطاع العام الى الشركات الغربية والخليجية بأبخس الأثمان وبالنتيجة هو ارتفاع البطالة والفقر والجريمة الخ

2 سيطرة القطاع الخاص المرتبط بالشركات الغربية

3 إلغاء قرارات التأميم القديمة التي اتخذتها الحكومات الوطنية وعودة الشركات الغربية للسيطرة على الثروات الطبيعية

4 اكتفاء الدولة بتصدير سلعة أو سلع محددة كالنفط أو الغاز والمواد الخام الأولية للشركات الصناعية الغربية

5 إلغاء قوانين العمل وتخفيض الأجور لتكون الدولة جاذبة للمستثمرين الغربيين من خلال قلة الأجور ووفرة الأيدي العاملة

6 إلغاء القيود على الاستيراد وإلغاء التعريفات الكمركية وهذا يدمر الصناعة الوطنية التي لا تستطيع منافسة السلع الغربية أو سلع جنوب شرق آسيا

7 إلغاء القيود على حركة رأس المال ونقل الأرباح إلى الخارج (خروج رؤوس الأموال من الدولة وتجفيف مواردها من العملة الصعبة تحت غطاء جذب المستثمرين واطمئنانهم على رؤوس أمواله).

8 إلغاء الضرائب والقيود على حق الشركات في شراء وتملك الأراضي الوطنية وتأجيرها والتي قد يمتد تأجيرها أو منحها “مجاناً” وبلا ضرائب أحياناً لخمسين سنة أو أكثر

9 زيادة صلاحيات الأقاليم ليتم تمرير الصفقات ونهب الثروات ودفع الرشاوى بعيدا عن أنظار الحكومة المركزية ، وتدعيم استقلالية الأطراف لإضعاف سيطرة الدولة المركزية تمهيدا لتفكيك الدولة.

تخفيض العملة الوطنية

متى يوقّت البنك الدولي تدخّله وتقديم عروضه ؟

يوقّت البنك الدولي (وتوأمه: صندوق النقد الدولي ) تدخّله وقت نفاد أموال الدولة المستهدفة وتصاعد الأزمات والاحتجاجات الاجتماعية فيها بسبب الفساد والفقر والبطالة ليأتي بصورة منقذ ، ولهذا يسمّون حزمة الشروط المدمّرة التي يقدّمها باسم مضلل هو : “حزمة الإنقاذ bailout package” .

وحصل هذا التوقيت مع كل دول العالم التي تعامل معها البنك الدولي. حيث يقوم بتأخير الاستجابة لمطالب تلك الدولة أو الإستجابة الجزئية التدريجية (وهذا مخطط نفسي واقتصادي مدروس) لحين نضوج شروط الإفلاس أو الانفجار الاجتماعي حيث تُقسم حزمة الانقاذ إلى “حزم” ثانوية (بالتقسيط الممل الذي يُتعب الحكومة ولا يُتعب خبراء البنك المعتادين على هذه السياسة والمتخصّصين بها).ويفيد توقيت مفاوضات البنك الدولي مع حكومة الدولة المستهدفة وقت الاضطرابات في شيئين :

الأول  هو تمرير الاتفاقيات لأن الناس ستكون مشغولة بمصيبتها الكبرى ولا تلتفت للمصائب المقبلة .وهنا تثور نقطة خطيرة جدا مرتبطة بهذه القضية وهي كما أسلفنا سابقاً بأن اتفاقيات البنك مع أية حكومة كانت هي اتفاقيات سرّية حسب قوانين البنك والصندوق ؟ وشرط البنك على الحكومة هو أن لا تعلنها على الشعب أو الرأي العام ؟. وهل تعلم أن اتفاقيات البنك السرية تكون مع الوزارات أي يمكن لأي وزير فاسد أو محدود الخبرة والذكاء أن يقترض على راحته.

والثاني هو : صبّ البنزين على النار لإشعال المزيد من الاضطرابات الاجتماعية والانتفاضات السياسية.

فبإجراءات التقشّف سوف تتفاقم معاناة الناس الفقراء الذين كاوا يعانون أصلا من البطالة والفقر والمرض والجوع .. وكلّها ستوسّعها وتشجّعها إجراءات الإصلاح الهيكلي للبنك الدولي .. فتزداد الاحتجاجات وتتفكك الدولة .. وتتصاعد الصيحات من أجل الإنقاذ.

وضعْ في ذهنك أن فلسفة البنك والصندوق الجديدة تقوم على إلغاء أي دور للدولة في إدارة الاقتصاد والاكتفاء بحماية الشركات. ولهذا يستثني البنك والصندوق الحكومة من الرقابة على التسليح وتضخّم الجيوش الوطنية وقوات مكافحة الشغب وزيادة رواتبها ، لكي تكون هذه المؤسسات مرفّهة منعزلة عن واقع الشعب المؤلم ومستعدة للانقلاب وتقويض الديمقراطية المزعومة في ذروة الاضطرابات الاجتماعية ، وبالتالي تأتي حكومة “إنقاذ” (مدنية أو عسكرية يضمنها البنك) في صيغة المنقذ لكنها مستعدة لطلب المزيد من القروض لأن إدارة الاقتصاد المتهالك ليست من اختصاصها وسببه الحكومات السابقة.. وكل قرض تأخذه السلطة الجديدة لا تستطيع دفعه طبعا .. فتطلب قروضا جديدة وتضطر للموافقة على المزيد من الشروط وتحصل على المزيد من القروض التي تتراكم فوائدها وتستمر في دفع تلك الفوائد وتتراكم الديون الجديدة على الديون القديمة غير المدفوعة .. وتزداد الاحتجاجات والمعاناة .. وهكذا .. حلقة مفرغة مميتة ورهيبة ، والهدف واحد هو : نقل آخر فلس من تلك الدولة إلى البنوك الغربية والأمريكية والخليجية .. فالبنوك والشركات لا تعطي فلوسها لسواد عيون الشعوب ..

وسوف تواجه هذه الحكومة بعد أن تُغرق البلاد في الديون تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل خطير جدا وسوف تتخلي عن الحكم لجهة “منقذة” جديدة تتمثل في حكومة “تكنوقراط” ديمقراطية تتعهد بإنقاذ البلاد خصوصا وإنّ الدوائر السرّية تجعل الجماهير تطبّل وتلهج باسم التكنوقراط صباح مساء، وحصل هذا الأمر مع عشرات الدول بنفس الصورة  في البرازيل والأرجنتين وأوغندا ومصر وتونس وزامبيا وموزمبيق ورواندا والفلبين (أزمة النمور الآسيوية في العام 1997) وبنغلاديش الخ.

ومن المؤكد أنّ سؤالا مهما سيثور في أذهان القرّاء هو :

إذا كانت مخططات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقروضهما بهذا السوء والتدمير ، فلماذا توافق الحكومات عليها ؟.

 الجواب هو وجود ضائقة مالية واقتصادية خانقة تخنق الحكومة وتدفعها للحصول على القروض بأي سبيل ومن أي جهة على الأقل لتوفير الرواتب للشعب كما يروجون. ويكون تبرير الاقتراض من قبل مجموعة من “الخبراء الاقتصاديين” اللذين يظهرون على شاشات التلفاز ليل نهار لغسل عقول البشر بطروحات البنك والصندوق المزعومة.

أن تصاعد الاحتجاجات والضغوط الاجتماعية تجعل الحكومة تبحث عن القروض من أي مصدر. وهناك عامل مهم وخطير ألا وهو وجود فئات فاسدة تلتهم القروض والبلاد والعباد وتستفيد من إيقاع حكومتها في براثن مخططات البنك كما حصل في كل بلدان العالم الثمانين التي “أصلحها هيكليا” البنك والصندوق الدولي.

وهنا نقترح التالي: فرض ادخار اجباري بحدود 20% على رواتب الموظفين اللذين يستلمون 2-5 ملايين دينار عراقي وعلى أن لايتجاوز أعلى راتب في الدولة العراقية عن خمسة ملايين دينار عراقي مع الغاء جميع الامتيازات والمخصصات المالية العالية لأعضاء مجلس النواب والوزراء ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وأصحاب الدرجات الخاصة مع مكاتب رئاسة الوزراء ومكاتب رئاسة الجمهورية مع استثناء فئات الموظفين الصغار والمعلمين والمدرسين والعاملين في قطاع الرعاية والخدمات الصحية. هذا بالإضافة الى ضبط عمليات الاستيراد من المنافذ الحدودية وتحويل العملة عبر مديرية التحويل الخارجي في المصرف المركزي العراقي وعدم تخفيض الدينار العراقي بتحديد سعر صرف ثابت. مع المعالجة السريعة لاستيراد الغاز والكهرباء من ايران وذلك باستغلال الغاز الطبيعي الذي يخرج من آبار النفط وعدم حرقه في الهواء والذي يؤدي الى تلوث البيئة. مع مراقبة تهريب النفط الايراني الى العراق ومن ثم بيعه الى الخارج لصالح ايران.

وكذلك تأسيس صندوق سيادي للأجيال وارجاع رؤوس الأموال المنهموبة من قبل كبار رجال الدولة العراقية منذ العام 2003 وحتى الوقت الحاضر والتي تقدر بأكثر من 2000 مليار دولار $. ان ارجاع هذه المبالغ سوف يساعد في ايقاف تدهور الاقتصاد الوطني العراقي.

 

مصادر ذات صلة بالموضوع:

1 دكتور عدنان حسين الخياط،  تأثير انخفاض أسعار النفط على الرواتب في موازنة العراق 2020، جامعة كربلاء – مركز الدراسات الاستراتيجية.

2 حسين سرمك حسن، انقذوا العراق من مخالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي 15/03/2020.Share on

3 عصام الجلبي .كيف سيتأثر العراق بحرب النفط الروسية السعودية؟ وزير عراقي سابق يكشف حجم الخسائر. الحرة. 9/3/2020.

4 عصام الجلبي .رؤيتنا في هبوط سعر النفط الأمريكي. الزمان، 4/4/20202.

5 محمود النجار. العراق الخاسر الأكبر في معركة أسعار النفط بين السعودية وروسيا، عربي TRT،10 نيسان 2020.

6 د. منقذ داغر. باحث يكشف عن حجم الديون الخارجية والداخلية على العراق. بغداد بوست، 11/1/2020.

7 دكتور أحمد معن الطبقجلي. ديون العراق –نظرة عامة حول وضع الديون ونشأتها ومستقبله. مركز البيان للدراسات والتخطيط، 2018.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.