اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (334)- في النَّقد المقامي المعاصر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

يوميات حسين الاعظمي (334)

 

في النَّقد المقامي المعاصر

إن أصالة النقد المقامي المعاصر ومضامينه التحليلية للاعمال والنتاجات الادائية المقامية سواء في غناء أو عزف المقامات العراقية، يبدأ من إنجاز المؤدين المقاميين الكبار السابقين الصادقين في تعابيرهم الادائية الذين خلـَّفوا نتاجات غنائية وموسيقية مقامية أثـَّرت بصورة كبيرة في كل الاجيال التي أعقبتهم حتى يوم الناس هذا، سواء عن طريق التدوين التاريخي المكتوب أمثال عبد الرحمن ولي ورحمة الله شلتاغ واحمد الزيدان وخليل رباز وحمد بن جاسم ابو حميد.او عن طريق التسجيلات الصوتية المسموعة امثال تسجيلات رشيد القندرجي وجميل البغدادي وعباس كمبير ويوسف حريش وغيرهم. ومن الاجيال اللاحقة محمد القبانجي ونجم الشيخلي وجميل الاعظمي ويوسف حريش ورشيد الفضلي وسليمة مراد وعبد الهادي البياتي وحسقيل قصاب وحسن خيوكة وسليم شبث وفلفل كرجي ويوسف عمر وناظم الغزالي وغبرهم. أما قبل الحقبة التي سبقت هؤلاء الكبار، فإن الشكل الغناسيقي للمقام العراقي لم يكن قد تبلور بالكامل وبالصورة التي وصلتنا الآن كما يبدو، وبناءاًعلى ذلك لم تكن وجهات النظر النقدية في تلك الحقبة الزمنية السابقة سوى آراء ووجهات نظر تراثية عفوية تبدأ بين الجماهير المستمعة الى المقام العراقي إضافة الى جمهور حفلات المقاهي البغدادية التي كان المقام العراقي يؤدى فيها بصورة واسعة كنافذة ربما كانت الوحيدة ليصل الى أسماع الجماهير، حيث لم يفكر أحد في توثيق وجهات النظر النقدية هذه، وإن وثــِّقتْ فهي قليلة جداً نظراً لتلك الظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والفنية بطبيعة الحال. ويبدو لنا ان الشكل الغناسيقي للمقامات العراقية هذا، قد وصل الى ذروة تبلوره واستقراره في شكله ومضمونه الذي يعرف به حالياً من حيث عناصر تكوينه ومساراته اللحنية التقليدية في الحقبة التي ظهر فيها هؤلاء الكبار من المؤدين والتي تمتد الى أكثر من مئتي سنة سابقة..! ولعل إبتكار جهاز التسجيل الصوتي الذي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر أو أوائل القرن العشرين، قد عمل بصورة حاسمة على تثبيت هذه الأُصول الشكلية لغناء المقام العراقي، وأمست هذه التسجيلات الصوتية في غناء المقامات العراقية بأصوات مغني تلك الحقبة وما بعدها، مرجعاً لكل المغنين الذين عاصروا حقبة ظهور هذا الابتكار الصوتي وكل اللاحقين لهذه الحقبة..! لذا فإننا نادراً  ما نحظى الآن بجهد أو إبداع أصيل للشكل المقامي كأصالة الجهود السابقة لروَّادنا الاوائل الذين أرسوا دعائم هذه التقاليد الادائية في مساراتها اللحنية والقواعد والعناصر التي يتكون منها شكل ومضمون المقام العراقي. وفي هذا الصدد أعتقد أن الحقب التي تلت الحقبة الاولى في التسجيل والتوثيق والارشفة إستمرت تدريجياً بالاضمحلال في الابتكار والابداع  والتأسيس للاشكال المقامية. وكل ما نجد فيها محاكاة اداء تلك المسارات اللحنية المخضرمة..! ولكنها في الوقت نفسه كانت الحقبة الحديثة والمعاصرة من زاوية اخرى، ثورة جديدة في الابداع التعبيري الفني للاداء المقامي، وأعتقد ايضاً أن ردود الفعل المستمرة في التطور المستمر للعلوم التكنولوجية قد عملت على تنمية الشعورالغريزي والعفوي، وحتى الهواجس اللاواعية لدى المواطن للمحافظة على هذه الاسس التقليدية وهذه المسارات اللحنية المتعارف عليها خوفاً من تهجينها من خلال التطورالمخيف للاجهزة الصناعية والتكنولوجية، منذ أن ظهر للوجود جهاز التسجيل الصوتي الذي إمتلك فيه الانسان لاول مرة  ناصية نظام الاعادة والتكرار لهذه التسجيلات وانتشارها، الأمر الذي جعل منها أساساً تقليدياً صارماً ومرجعاً نموذجياً  في بقاء هذه المسارات اللحنية التي نعني بها الشكل المقامي(form) التي أصبحت لا مناص في الاستمرار بتقليدها والاعتماد عليها كموروث لا ينبغي التلاعب به..! وتلك مفارقة لا بد من تأملها..! إذ أن المتوقع من إبتكار جهاز التسجيل الصوتي أن يظهر هذه المكونات التقليدية أو يعمل على تشتيتها أو تهجينها، بيْد أنها على العكس تماماً عملت على تثبيت هذه الاسس التقليدية وجعلها نظاماً وقالباً ثابتاً لا ينبغي تجاوزها..!! ولكن تطورها المضطرد ونحن قد ودَّعنا القرن العشرون، أعاد خشية الناس على موروثاتهم التي قد تدمرها أو تهجنها هذه التطورات التكنولوجية المذهلة المستمرة..!

 

إن نقدنا الحديث والمعاصر لا يمكن له أن يكون أصيلاً إلا بالانتباه الى جهود النقاد الغناسيقيين الاوائل، خاصة في الاداء التراثي الذين كثيراً ما جابهوا تيارات مضادة متنوعة الاتجاهات والجوانب، ونظراً لما نعيشه من ظروف نستطيع من خلالها أن نعبـِّر عن آرائنا النقدية بكل حرية سواء في الفن او الفكر والابداع...الخ  فلا بدَّ أن نتخذ موقفاً يتضمن نفياً للمباديء المتخلفة، وتأييداً وإصراراً للمباديء والمفاهيم المتقدمة او التقدمية، ليتوحد هذا النقد مع حركة الابداع والتطور والابتكار في الفن كموقف موحد..! وبذلك نستطيع أَن نكوِّنَ من هذه النظرة، نظرة جديدة الى الاداء المقامي المعاصر، يكون فيه المقام العراقي أو التراث الغنائي عموما مرتبطا بمبدعيه ومؤديه. وعليه لابُدَّ أَن نحصلَ على أَداء وجداني له خصوصية مُميـَّزة وإمكانية كبيرة في إنجاز ديناميكية أدائية جديدة مستقلة عن الموروث والتحرر من سطوته..!

 

        كان ينبغي على النقد في حقبة روَّادنا النقديين مطلع القرن العشرين ان يخوضَ المعاركَ ويجابه بكل صلابة الاساليب الادائية القديمة التي فرغت من محتواها حقاً..!يلغي مباديء ومفاهيم ويُؤَكِّد أُخرى ويدعمها، رغم أن ذلك كان يحتاج الى جهد ومشقة كبيرين، فقد كان من ناحية اخرى يحتاج الى صمود النقاد والاصرار على مواقفهم، ولكن هذه الجهود النقدية رغم تذبذبها كانت أساساً متيناً للحركة النقدية المعاصرة سواء في فنون الموسيقى والغناء او الفنون عامة، التي أثمرت عن ظهور نقاد جيِّدين في الموسيقى والغناء رفدوا الساحة َالغناسيقية َعلماً وتقويماً على مدى القرن العشرين كجلال الحنفي وعبد الكريم العلاف وعبد الوهاب بلال وعبد الوهاب الشيخلي وهلال عاصم وحمودي الوردي ووحيد الشاهري وسعاد الهرمزي  وعادل الهاشمي وحميد ياسين وحامد العبيدي واسعد محمد علي وسعدي حميد ود.هيثم شعوبي وفائز الحداد وموفق عبد الهادي و د.حسين احمد شريف وفلاح المشعل وسامر المشعل وغيرهم. ويبدو أَنَّنا نستطيع أن نشيرَ الى الناقد عادل الهاشمي أكثر من غيره بانتظامه واستمراره في الكتابة النقدية دون انقــطاعات تذكر منذ خمسينات القرن الماضي حتى وفاته عام 2012.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

عبد الرحمن خضر مقام المكابل

https://www.youtube.com/watch?v=8un8wSgDQkw

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.