اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

المؤرخة "سعاد".. مُعمّره شيوعية// محمد عارف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد عارف

 

عرض صفحة الكاتب 

المؤرخة "سعاد".. مُعمّره شيوعية

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

 

«بين العمارة واستوكهولم رحلة تسعة عقود من الشقاء والأمل، عقدٌ منها خلف قضبان السجن، انتصرت عليه بالغناء الذي ظَل صامداً بين أطلال ذاكرتها المتعبة، سعاد التي لم ترضخ لتهديد ولا لترغيب، محبة للإنسانية، وهي من أصول يهودية، وتذوب عشقاً ووفاءً لذرة تراب من العراق»، هكذا استهل مقدم برنامج «طبعة محدودة» في فضائية «الشرقية» حديثه، الذي أجراه في بيت المؤرخة العراقية الدكتورة سعاد خيري، في استكهولم، استغرق الحديث نحو ساعة تدفقت فيه سعاد خيري بسرد ذكرياتها منذ طفولتها في العمارة ودراستها في كلية الطب ببغداد حيث فصلت، وانتقلت لدراسة الاقتصاد، حيث فصلت أيضاً، ولم يتح لها الحصول على الشهادة الجامعية إلا بعد عشرين عاماً في موسكو، حيث نالت شهادتي البكالوريوس والماجستير في الاقتصاد، ثم الدكتوراه في الفلسفة.

 

والعراق بالنسبة لسعاد خيري كالبسملة، تردده بمناسبة وبدون مناسبة، وكانت قد قرّرت البقاء فيه، رغم الحكم عليها بالسجن عشرين عاماً، قضت منها عشراً، ثم أُطلق سراحها عند قيام ثورة 14 يوليو 1958، آنذاك واصلت السلطات سياسة إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود وترحيلهم إلى إسرائيل، أو اعتناق الدين الإسلامي والبقاء في العراق، وتضحك سعاد خيري هازئةً من السؤال ملوحةً بيدها، ومعلنةً ترحيبها بأي شيء للبقاء في وطنها العراق، وتقاطع المؤرخةُ نفسَها فجأةً بترنيم أغنية محمد عبد الوهاب المشهورة «مسافرٌ زاده الخيال والفن والسحر والجمال»، تنشدها بصوت الشيخوخة المتهدِّج، وتنطق الكلمات كما في اللهجة المصرية، وقد سألها مقدِّم البرنامج أين: تعلمتِ الغناء؟ فقالت: في السجن، حيث كان المذياع يذيع الأغاني، وعندما طلبها في ختام المقابلة أن تغني أغنية كانت تسمعها في مذياع السجن، تساءلت لحظةً: أيْ أغنية؟ ثم انطلقت تغني باللهجة المصرية أغنية «سيرة الحب»، إحدى أشهر أغاني أم كلثوم: «طول عمري أقول، لا أنا قد الشوق وليالي الشوق، ولا قلبي قد عذابه، وقابلتك إنت لقيتك تغير كل حياتي، ما أعرفش ازاي أنا حبيتك، ما أعرفش ازاي يا حبيبي».

 

وهكذ غيّر حياةَ المؤرخة العراقية زوجُها زكي خيري، وهو أحد أبرز مؤسسي «الحزب الشيوعي العراقي» عام 1934، وقد انفرد زكي خيري بين قادة الحزب الشيوعي بروح النكتة الساخرة، وبثقافته الواسعة وإتقانه الإنجليزية، هذه «الامتيازات» سبب مشاكله مع رفاقه منذ تأسيس الحزب، وقد أشار إلى ذلك الدكتور حنا بطاطو، أستاذ التاريخ بالجامعة الأميركية في بيروت في كتابه «الطبقات الاجتماعية القديمة والحركة الثورية في العراق»، ويُعد الكتاب من أهم المراجع الأكاديمية في تاريخ العراق الحديث، وفيه يعرض ملامح رئيسية من سيرة زكي خيري، «القلِق المتمرد» الذي بدأ حياته السياسية وهو في طور المراهقة حين ساهم في أول مظاهرة ضد الصهيونية في بغداد عام 1928. في تلك المظاهرة ذاق خيري لأول مرة طعم السياسة الحاد في العراق حين كُسرت عظام صدره، وفي اعتقاله إثر ذلك الحادث تعرّف خيري على فتيان في عمره المراهق، ساهم معهم بعد سنوات في تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، وأعقبت ذلك 60 عاماً من حياة الاختفاء والنفي والسجن، ساهم خلالها في محاولات هرب مشهورة عبر أنفاق تحت الأرض، وتعرّض لخطر الموت في مذابح السجون السياسية، ونزعت عنه الجنسية العراقية مرتين، في العهدين الملكي والجمهوري، ولا شك أن كل وفاة تعتبر ضربة لزوجة وعائلة الفقيد وأصدقائه، لكن من النادر القول عن شخص توفي وهو في الرابعة والثمانين من العمر، إنه غادر الحياة قبل الأوان، وبعد ربع قرن من رحيله تغنِّي له زوجته: «وقابلتك انت، لقيتك تغير كل حياتي، ما أعرفش ازاي أنا حبيتك، ما أعرفش ازاي يا حبيبي» .

 

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.