اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

من الطبيعة تعلمتُ مبادئ لسعادة أكبر// المطران د. يوسف توما

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

المطران د. يوسف توما

 

من الطبيعة تعلمتُ مبادئ لسعادة أكبر

المطران د. يوسف توما

 

1 – علمتني أن أبحث عن قيمتي في المكان الذي أشغله ...

لجميع الحيوانات والنباتات غرض في الوجود، إضافة إلى مكان خاص تقيم فيه. وسرعان ما يتشكل بينها كلها نظام بيئي متوازن (ecosystem) صار ينكشف للباحثين، كل الأحياء تعمل معا بوئام وانسجام. لكن عندما يفقد التوازن ينهار النظام كله. وعندما تصاب السلسلة الغذائية بالضرر تنقرض الأحياء وتتدهور الأراضي بشكل متسارع فتحلّ الصحراء. فالنظام البيئي للنبات والحيوان يكشف وجود هدف لكل منها هنا في المكان. وجودها ضروري يشبه بعض المهن في المجتمع، إذا فقدت ستفقد البقية توازنها. اليوم فهمَت الدول ذلك، وفي وسائل الإعلام نرى ما يحدث عندما يعلن معلمو المدارس أو سائقو الحافلات أو القطارات الإضراب، ماذا يحدث؟ تسود الفوضى!

 

قبل سنوات كنت في إحدى البلاد الاسكندنافية والتقيت بشخص يتدرّب ليصبح مندوبَ مبيعات في نادٍ للياقة البدنيّة. ذكر حديثه مع مدرّبه عن شخص أنه "مجرد كنّاس في الشارع". فردّ المدرب وقال: لا تقل "كنّاس" وإنما "عامل نظافة". شارحًا له أن التنظيف مهم، وليس مجرّد إبعاد القمامة، فمعرفة النظافة يمنع الأطفال من التعرّض لأي سوء، أو الموت من الأمراض بسبب تراكم القمامة، لذا يقع على ذلك العامل مسؤولية لا تقل عن أي مهنة أخرى. فلا ينبغي لأحد أن يقلل من أهمية أي وظيفة، جميعها جدير بالاهتمام والتدريب والثقافة، إذن ذلك الإنسان "ليس مجرّد كنّاس..."، فلا تضع نفسك أعلى ولا تعطِ أهمية لوظيفة ما بالمقارنة السخيفة!". للأسف في المجتمع المتأخر، كثيرا ما يقدَر المرء تبعا لأمور ثانوية تتعلق بولادته في هذه الطبقة او تلك أو ثروته، وهكذا يسود التعالي بين الناس ولا يتمّ التركيز على الكفاءة أو اللطف أو الرحمة أو السخاء وغيرها من الصفات الإيجابية. في حين علينا أن نفتخر بالمواهب والمهارات التي نتقنها وننمّيها، إلى جانب أهمية التواضع والامتنان نحو الآخرين، فلولاهم لما كنتُ ما أنا عليه. حاجتنا إلى بعضنا هي مثل التي بين النباتات والحيوانات في الغابة.

 

2 – علمتني الطبيعة أن أتبع النور

جميع النباتات تتبع النور. فهي لا تنمو إلا في نور الشمس. ومن دون النور تموت. هكذا الأمر في الحياة الروحية، يمكن أن نعتبر بأن "النور" هو الحب والوئام والسلام وعناصر إيجابية أخرى من دونها لا معنى للحياة. وهي تساعد وترفع القابليات والقدرات الحقيقية، وتعطي خصوصا معنى للحياة وسعادة إضافية. أما الحقد والضغينة والغيرة والمشاعر السلبية كالمرارة، فهي بمثابة النفايات والتلوّث الذي يدمّر كل إبداع ويعيق الصحة والنجاح، لذا علينا أن نبحث أكثر عن مصادر "النور" في حياتنا. "وأفضل علاج للذين يخافون، أو الوحيدين والتعساء هو الخروج خارج حياتهم، والجلوس في مكان هادئ، والتأمل بالسماء، بالطبيعة وبالله" (آن فرانك Frank 1929 – 1945 صبيّة قتلت في معتقلات الألمان، كتبت مذكرات ألهمت الملايين).

 

3 – علمتني الطبيعة قابليّة التكيّف

تتغير الطبيعة باستمرار، بالفصول والمناخ. ونحن أيضا نتغير وننتقل بين الطفولة والبلوغ والشيخوخة. مع ذلك، لدى بعض الناس اعتقاد أنهم لا يتغيّرون ولا يحتاجون إلى التكيّف مع المحيط وما لا مفر منه في الحياة. فترى هذا (أو تلك) يلوم أقاربه أو طفولته عن تعاسة أو صحة أو فشل، ويستخدم حججًا كي لا يتغيّر. فتقول فلانة: "أنا حزينة لأن والدتي كانت حزينة دائما! إنها وراثة عندنا، المسؤولية لا تقع عليّ"! لكن، عندما نقبل بالتغيير كأمر لا مفرّ منه، ولا فائدة من مقاومته. بل ذلك تضييع للوقت وإهدار للطاقة وتعاسة. وبدل التفكير في مساوئ التغيير، لننظر إلى فائدته، فقد يكون وسيلة لتوسيع حياتنا ونموّها. السؤال إذن: ماذا نعمل لاكتساب قابلية التكيّف؟ نحتاج إلى تدريب والتغلب على عادات مدمّرة واستبدالها بأخرى مفيدة؛ كدخول دورات متخصّصة. ومهما كانت المتغيرات، المهم أن التكيّف لها أمر حيويّ للنجاح وللصحة الجيّدة ولاكتساب شعور بالسعادة المتجدّدة.

 

4 – الطبيعة علّمتني الصبر

عندما نزرع البذور يستغرق نموّها وقتا، وهي تمرّ عبر مراحل عدّة، وقبل أن تبدأ الأوراق بالظهور لا يبدو شيئا ما يحدث لبعض الوقت، لكن الأمور تسير على ما يرام تحت سطح التربة. كن أنت أيضا كالبذور، عندما "تزرع" الأفكار فيك وتهدف إلى أن تكون أكثر سعادة، قد يستغرق ذلك وقتا طويلا قبل رؤية النتائج. فعلا هنا الصبر مفتاح رائع!

 

5 – علمتني الطبيعة أن الهدف هو تحقيق التوازن في حياتي

تزدهر الطبيعة عندما يكون هنالك توازن. النباتات والحيوانات تحتاج إلى الماء والغذاء وأشعة الشمس. لكن "الزائد أخو الناقص"، كلاهما ينتج المرض والموت. الشيء نفسه يصح في أجسادنا، الافراط كالنقص، والسعادة ليست بإضافة أشياء، وإنما بالتوازن بين ما نأكل ووزن أجسامنا ومستوى التوتر... وهلم جرا. ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول والدهون في الدم مؤشرات جدّية بأن أجسادنا غير متوازنة. وعدم التوازن يدخلنا في الفوضى. فيما يأتي بعض النصائح للمساعدة على التوازن:

 

- تعلم من الناجح، وهو سعيد ويتمتع بالصحة. إطرح عليه أسئلة. إقرأ سير حياة الناجحين. فلسفتهم بالحياة؟ ما هي آليات تكيّفهم؟ كيف يفكرون ويعملون ويعتقدون وماذا يجعلهم سعداء؟

 

- ابحث عن مساحة في حياتك ترغب بالحصول فيها عن مزيد من التوازن. حدّد طريقة أو طرقا لتوازن أكبر. إختَر طريقة واحدة على الأقل، وضعها موضع التنفيذ. ولاحقا قم بتقييم مدى نجاحك. إذا لزم الأمر، قم بذلك مع الأفكار الأكثر خصوصية لديك.

 

6 – علمتني الطبيعة أن آكُل ما يتلاءم مع صحتي 

كنت أستمع إلى الأخبار على الراديو ذكر طبيب بيطري أن المزيد من الكلاب الأليفة أصبحت سمينة لأن أصحابها تطعمها وجبات سريعة، وهذه غير مناسبة لا للكلاب فقط بل حتى لأصحابها، وصاروا يسمّون تلك الوجبات junk food. نوع التغذية مهم، وأعجبني رأي ذلك الطبيب البيطري، وتمنيت أن يسمع كل الأهل ذلك ممن يسيئون تغذية أطفالهم، إنها مأساة، فإن كانت وجبات الأكل السريع غير مناسبة للكلاب، كيف يطعمها الأهل لأطفالهم!". إن الجسم مخلوق لأكل الفواكه والخضروات خصوصا والأطعمة الطبيعية. لكن ساد تناول الأطعمة غير الصحيّة والاصطناعية. وقد ناقش عالم التغذية البريطاني باتريك هولفورد Holford العلاقة بين الطعام والمزاج في كتابه "التغذية المثلى للعقل" Optimum Nutrition for the Mind. شرح فيه أن عادات الأكل الصحيّة يمكن أن تزيد معدّل الذكاء، وتعزّز السعادة، وتحدّ من العدوانية، وتساعد في علاج ومنع مشاكل الصحة العقلية. المقالات كثيرة عن العلاقة بين السعادة والتغذية.

 

 7 – علمتني الطبيعة أن استمرّ في النمو

اوفر ما في الحياة هو النموّ. النباتات والحيوانات تنمو وتتكاثر. نحن ننمو ونتكاثر جسديًا وعقليًا وروحيا... من أجل البقاء. ليس إذن للركود مجال. لذا أستمرّ على التعلم والاستزادة وتحسين ما أعمل. ينبغي أن نسعى للحفاظ على النموّ بغض النظر عن عمرنا. على مقاعد الجامعة في فرنسا كانت عجوز قد تجاوزت السبعين تجلس بقربي، توفيَت بعد تخرجها بقليل، بحيث لم يكن لديها الوقت لاستخدام ما تعلمت، لكن المهم أنها فعلت ما أرادت قبل وفاتها، لذا كانت أكثر سعادة بسبب ذلك!

 

8 – علمتني الطبيعة أن آخذ متسعا من الراحة

أعرف أناسًا مشغولين دائمًا، نادرا ما يأخذوا مهلة للاسترخاء. يقولون إن حياتهم مرهقة! يعملون ساعات طويلة. أنا قلق عليهم من الاستمرار على هذا الإيقاع. جميعنا بحاجة إلى راحة، إلى تأمل، إلى أحلام اليقظة لأنها أمورٌ حيوية لاستعادة الطاقة. إضافة إلى ضرورة إيقاف منبه الساعة بنحو منتظم. جميع حيوانات البرية ترتاح، إنها لا تعمل بالكامل، بل تتوقف وتبقى مستيقظة. لنتعلم منها. يقول الحكيم الصيني لاو تسو: "لقد لاحظت أن الطبيعة ليست قط على عجل، مع ذلك يمكنها أن تنجز كل شيء"!

 

9 – علمتني الطبيعة أن أخصّص وقتا للاستمتاع

هل انتبهنا كم تحب الحيوانات اللعب والمرح؟ إنها تضيف السعادة إلى حياتها. لنتذكر أهمية أن نضع جانبا: "يجب، وعليّ، ولازم..." لكي نستمتع بالرياضة والترفيه والضحك وأوقات للمرح مع الأهل والأصدقاء، فهذه تضيف سنوات إلى حياتنا وتضيف حياة إلى سنوات عمرنا!

 

10 – علمتني الطبيعة قبول الخسارة كجزء من الحياة

الخسارة جزء طبيعيّ من الحياة. وبعد الخسارة، المهم التطلع إلى المستقبل. وفي الوقت المناسب نتقدم، في هذه الخطوة، فائدة قصوى لحياتنا. فعندما نفقد شيئا ما يمكن أن يفتح ذلك بابًا أمام فرص جديدة. لننظر إلى الفرص بدل التركيز على ما فقدنا. قال آن مورو ليندبيرغ: "يحتاج المرء إلى أمان كي يكون سعيدا، لكن الفرح قد يتكاثر كالزهور حتى على منحدرات اليأس!" (كاتب أمريكي ورائد طيران).

 

ألم يكن المسيح قد سبق وحذّرنا عندما قال: "لا تهتموا، لا تقلقوا، أنظروا زنابق الحقل وطيور السماء"؟ (لوقا 12: 26 - 28).

 

السليمانية 31 كانون الثاني 2021

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.