اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كابوس- قصة قصيرة// د. ميسون حنا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ميسون حنا

 

عرض صفحة الكاتبة 

كابوس- قصة قصيرة

د. ميسون حنا

 

اشعر بكآبة وملل، وتيمنا بقول شاعرنا العظيم أبو العتاهية:

كذا قضى الله فكيف أصنع  والصمت إن ضاق الكلام أوسع

قلت هو ذا ، فالصمت يناديني ، ولجت حجرته على قمة جبل، الهدوء يخيم على المكان، حيث لا تُسمع دبيب نملة مما أربكني الوضع، ومن حيث لا أدري شعرت بغمة تطبق على صدري ، بل إن كآبتي تضاعفت. قلت في نفسي: لا بد من الكلام، فلوح الصمت بيده أمامي متوعدا لو نطقت، أصابني الهلع، وأبديت رغبتي في الانعتاق، دفعني بلطف خارج حدوده محتفظا بصمته الرهيب، تنفست الصعداء وحاولت أن أعبر عن فرحي، وأشكر الله على الفرج، إلا أن الكلمات أعلنت عجزها عن الانفلات من عقلة لساني الذي أخرج همهمات وحشرجات ممجوجة، أطلقت العنان لطاقتي محاولة الصراخ ، فخرج مني زفير متقطع، أدركت أن الصمت سلبني القدرة على الكلام، قلت في نفسي: أيكون حبي للصمت أحيانا فخا يجعلني أقع ضحيته ولا أستطيع الفكاك؟ صعدت إليه في مقره لأبدي رأيي وأطلب الخلاص، لكنه رفضني ولم يتح لي المثول أمامه، كتبت له رغبتي في أن يستعيد هبته التي أكرمني بها وأفقدني النطق، وتوسلت إليه أن يفعل هذا بلا توان. ضحك مني شامتا، ونظر إلي مليا وكأنه يقول: اخترتني لتخزني أوجاعك في حضني، وتدفنيها في صمتي، وأشار إشارات يستهزيء بنا نحن البشر، وكان يعبر بإيماءاته أننا ثرثارون ولا نقدّر طاقته، ولا نستطيع التعبير بأدواته اللا محدودة وأهمها النظرات التي هي خير وسيلة للتعبير، فلكل نظرة لغتها ومعانيها التي تتشكل حسب ما تقتضي الظروف، أشار إلي أن أخرج، وأبدى رغبته ألا يراني مرة أخرى، ونظر إلي نظرات تطمئنني أنه سحب هبته عني لأني ببساطة لست أهلا لها، وما أن وصلتني إيماءاته ونظراته وتعابيره وترجمتها حتى أشرقت أساريري، وأطلقت ساقي للريح مبتعدة عن وكره المهيب، وحمدت الله على نعمة الكلام، وصرخت لأتأكد من خلاصي، فهرعت إلي شقيقتي وأنا أصرخ في فراشي، وقالت: إسم الله عليك، ما بك؟ فتحت عيني ونظرت حولي إذ بي أتململ في فراشي رفعت يدي إلى الله أشكره على أن ما كان ليس إلا أضغاث أحلام، ولكني مع ذلك أدركت أن للصمت بلاغة لا يتقنها فن الكلام مهما تألق وسما وحلق، ومهما اكتست عباراته بحسن البيان وبليغ الكلم، يبقى عاجزا، فهناك أحاسيس لا نجد كلمات تعطيها حقها وتفرزها بنزاهة الصمت، فالصمت ملكة تجعله سيدا جبارا، قديرا، عظيما. كانت نظراتي ساهمة بينما أفكاري تتسلسل في ذهني تباعا، قالت شقيقتي: ما بك؟ قلت: يبقى للصمت مكانته الفريدة، ونهضت من فراشي وبدأت يومي كالمعتاد.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.