اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

الجمال في الفن وانطباعات القراءة// آسيا حبيب ال ربيعة

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

آسيا حبيب ال ربيعة

 الجمال في الفن وانطباعات القراءة

الأستاذة آسيا حبيب ال ربيعة

 

   الجمال صورة تداعب الروح والوجدان بامتياز، وكلٌّ منَّا يسعى إلى تحقيق غايته في استمالة السعادة لنفسه؛ كي يعيش سعيداً، ولايخفى أنَّ السعادة تتأتى من الطريف وغير المألوف الذي يكسب النفس الإنسانية دهشتها الإيجابية بوصف الدهشة تتأتى من طرق متعددة منها صورة الجميل أو صورة القبيح أو العجيب أو السحري أو الغرائبي، وما يستميل دهشتنا نحو الجمال كل ما يحقق المتعة داخل نفوسنا ، نعدُّه جميلاً.

 

      ويبدو أنَّ ما يحقق هذه المتعة الجمالية هو الفن بجميع تشكلاته سواء أكان الرسم أو النحت أو الموسيقى أوالرقص أو الغناء أو الأدب بما أطلق عليها الفنون الجميلة.

 

   والفن يعدُّ من أكثر التعريفات مراوغة وقد عولج دائماً "كمفهوم ميتافيزيقي بينما هو ظاهرة عضوية وقابلة للقياس بصفة أساسية، وشأن الفن شأن التنفس من حيث أنَّ له عناصر إيقاعية، وشأنه شأن الكلام من حيث أنَّ له عناصر تعبيرية"(1) ولا تماثل مع الأشياء، كونه إنشاءً إبداعياً، لكن بوصفه ينخرط بعمق العملية الواقعية للإدراك والفكر والعمل الجسمي ، فهو آلية عامة لايمكن الإغضاء عنها إلا على حساب وجودنا . يرى ك . كوفكا في حديثه عن الأشياء الجميلة وجاذبيتها قوله: لنكن على صلة بها بفضل خصائص بنيانها.

 

     ولو تعقبنا طروحات الفلاسفة والمفكرين عن الجمال لوجدناها كما أسلفنا من أنها على أقسام، منها النظرة المثالية التي شاعت لدى أفلاطون وغيره من الفلاسفة إذ يرون أنَّ الجمال في حقيقته يتمثل في الأشياء، فيجعلها جميلة، فالأشياء المحسوسة ليست جميلة بذاتها وإنما صارت جميلة؛ لأنَّ فكرة الجمال قد تجلَّت فيها وهو جمال أزلي ومطلق ، كما أنَّ الجمال الأسمى عند المتصوفة هو الجمال الإلهي المنبثق من الذات الإلهية ، بينما هناك جمال ينطلق من الأفعال بما يطلق عليه الجمال الأخلاقي.

 

    في حين يرى سقراط أنَّ الجمال يتجلى في كل ماهو نافع، وليس الجمال بالأشكال التي تراها الحواس جميلة. بينما يرى الفيلسوف كانط أنَّ الجمال إنما هو ضرب من التسلية والمتعة وسط مشاغل الحياة، فهو يمدنا بلذة خالصة ؛ تتيح لنا الخلاص من متاعب الحياة الجدية.

 

    وثمة آراء أخرى منها أنَّ الجمال يتجلى في الشيء إذا ما توافر بين أجزائه وعناصره تناسق وترابط ووحدة وانسجام، فالجمال لدى أرسطو إنما يتحقق في النظام والحجم (2) .

 

    أما الجمال في كتابات الأدباء الرمزيين والرومانسيين ويتمثل في الربط بين الجمال والغموض أي أنَّ الجمال في الشيء أو الكائن الذي يلفه الغموض بدلاً من الوضوح ولاسيما في الكتابات الأدبية في الحداثة وما بعدها فما رآه غاستون باشلار وهو يقرأ لقصيدة لوتريامون التي وصفها من أنها عقدة الحياة الحيوانية وطاقة العدوان التي ترسمها صوره الحالمة غير المبنية على أسس المنطق العلمي لانزياحها بمجازات غير مألوفة عن مألوفيته وسكونيته الراسخة وانفتاحاتها على الاحتمالات والممكنات غير المعلنة التي تنتظر تضاعف الوعي الذاتي للقارئ للخروج بمثل هذه الاحتمالات الثمينة التي تندمج فيها الذاتية بالموضوعية، ويتماهى في حدودها المنطق والوجدانية مع مقترحات الصورة الفنية ومتعتها (3) .

 

    والفن هو حصيلة عملية إبداعية لاعملية مطابقة أو محاكاة للواقع، إذ إنَّ محتوى الانفعال العاطفي لأية تجربة جمالية لابد أن يعايش فيها الفنان الأثر الفني؛ لأنَّ ثمة إدراك جمالي يستوعبه بكل ملامحه ثم يحلله من واقعه المرئي بوصفه تجربة حسية يرتقي فيها فعل الوعي والخيال إلى وجود فكري يشخصه بما يوافق تطلعاته وغاياته وأهدافه التي تضاف إلى وسائل التعبير بوصفها تأثيراً منعكساً يوائم ويخاطب في جزء منها تجربة المتلقي (4) .

 

     ولما كان الفنان ينافح للتعبير عن مشاعره أكثر من مجرد تسجيل ملاحظاته، بل أنه يجسد تشكيلات لإحساساته الجسيمة، أما المتلقي فهو قارئ آخر لكن للنصوص الفنية التي عليه قراءتها قراءة تتكافأ مع قراءة الفنان للواقع كما تشير نظريات جماليات التلقي في صنع الجمال لذاته وللآخرين عن طريق قراءة تتسم بإحداث الدهشة التي تبعث على المتعة لدى ذلك المتلقي.

 

    فالفن يصاغ أصلاً للفت المتلقي؛ كي يعيش في أجوائه فيتحسسه من أجل أن يرقى بذوقه وثقافته ليصل إلى كمال إنسانيته التي يسعى الفنانون لبث الجمال في نفوس البرايا، ليعشوا هانئين بجمال الطبيعة ولذائذ الروح التي لايمكن إلا أن تتحقق داخل منظومة الحياة الكونية بعدما يحقق التلقي هدف رسالة الفنان في دواخله.

 

    فالفن إذاً ربيب الجمال كونهما مبضعاً يسبر قلوب المتلقين ويشغفها بطراوة السعادة والودق الشفيق الذي يحدث الفتنةً في الفكر والمخيلة.

   

الهوامش :

(1)   تربية الذوق الفني ، هربرت ريد :29

(2)   ينظر : في النقد الأدبي الحديث ، منطلقات وتطبيقات ، د. فائق مصطفى : 21-22 .

(3)   ينظر :دوائر نقدية وجمالية ، د. عقيل مهدي : 98 .

(4)   ينظر الوعي الجمالي ، د. هيلا شهيد :  277  .  

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.