اخر الاخبار:
صحيفة إسرائيلية: تل أبيب تخطط شيئا للعراق - السبت, 05 تشرين1/أكتوير 2024 19:06
مقتل جندي لبناني وإصابة آخر بقصف إسرائيلي - الخميس, 03 تشرين1/أكتوير 2024 21:13
استئناف حركة الطيران في مطار أربيل الدولي - الخميس, 03 تشرين1/أكتوير 2024 19:29
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

رواية (كوك الله المنتشر من الجنوب الى الشمال)- الفصل الأول// سميرة الوردي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سميرة الوردي

 

عرض صفحة الكاتبة 

رواية (كوك الله المنتشر من الجنوب الى الشمال)- الفصل الأول

سميرة الوردي

 

ورد في الأخبار أن زلزالا سيضربُ إيران...

وحروبا ستطحن العراق!

 

الاهداء

في داخل كل انسان قضية...

بوستر كبير، رُسِمَتْ فيه حمامةٌ، كتب تحتها بخط واضح وجميل:

Peace

يمت الى زمن الطفولة!

 

المقدمة...

ليس من المروءة أن نتغافل عن حرب هزت إنسانيتنا ودمرتها.

رغبة الدمار تقاطعها وتنتصر عليها رغبة الحياة...

الحربُ قبحٌ وعارٌ والسلام جمال وشرف!

قيل في السياسة" السياسة كجبل الجليد سبعة أجزاء منها مغمور في الوهم" وجزء واحد يتخبط بين الحق والباطل، وبالرغم من هذا "الوهم" تبقى الحقيقة مرآة ناصعة لا يلوثها زيف السياسة، أو سفسطة منافق، وكل واعٍ يتحمل مسؤوليته، أما المجانين الطغاة فلا بد من شعب يحاسبهم!

 

كوك الله الممتد من الجنوب الى الشمال

الفصل الأول

..........

لملمت (لمى) كتبها ، ألقت نظرة حالمة على مدرج الكلية ، زميلاتها وقفن عليه، يلتقطن بعض الصور التذكارية وينتظرنها، ابتسمت لهن ونغمات لحن يرافقها منذ ليلة أمس، يأبى الرحيل ،كلما رأته قادماً ينساب اللحن حزينا يتردد صداه في خافقها هل ما تشعر به حباً أم محض وهمٍ وخيال ،أم رغبة في استيعاب للحياة في زمن مبكر، تمازحن وقد يصل المزاح بينهن الى حد السخرية ، لكل واحدة منهن قصتها التي تكمل بها انوثتها، بينها  وبين صويحباتها مواضيع شتى منها ما يتعلق بالدراسة ومنها ما يمس شغاف القلب وهمومه، لم يعد ما تعلموه مجرد مصطلحات وكتب وآراء مقروءة ومسموعة بل حياة معاشه، أمنيتها أن تواصل دراستها العليا ، وهماً ما سعت اليه لكنه الوهم الجميل، الذي ظل رغبة مبتورة حتى بعد رحيل الشباب.

 

المتسابقون لنيل الماجستير ومن ثم الدكتوراه كثيرون وأغلبهم من الذكور ومؤهلون بالوساطات من جهات عليا، ومنهم من احتال بطرق قانونية أذ سجلوا بجامعات في دول أُخرى ثم نقلوا سجلاتهم الى الوطن، إضافة الى قلة المقاعد المخصصة للدراسات العليا، وتفضيل الذكور على الإناث.

 

سارت بخطى مثقلة، ذكرى المتقدمين تلاحقها يتساءلون عن مواضيع في اختصاصهم وتجيبهم عليها عندما تجمعوا أمام باب لجنة الاختبار، ثلاثة أيام متتالية ولم يصلها الاختبار لاكتفاء اللجنة من العدد المطلوب للمتقدمين، كررت المحاولة دورتين أُخريين وفشلتْ لنفس الأسباب ودَعَتْ أمنيتها وبقي السؤال

هل الإنسان ابن ظروفه أم له قدرة على الاختيار؟!

 

لم تبحث عن فرصة تغير بها رتابة حياتها، بل جاءتها مصادفة عندما حضرت في اليوم الأخير لبروفات أحدى المسرحيات، طُلب منها المشاركة بدور بسيط، عالم جديد لم يكن ضمن مشاريعها، للمسرح مكانة اجتماعية وتأثير وتأثر في حياة الناس والفنان، وفتنة يشعر بها من يعمل فيه، تغيرت رتابة حياتها أصبح المسرح والبحث عن مصادر تطور بها موهبتها شغلها الشاغل، الا أن الأمور لم تستقم طويلا ً، إذ حشر الفن في أتون السياسة حشرا مباشراً، ووِضَعتْ له قيود فكرية، وبدأتْ السلطة تتعقب كل من لا ينتمي للحزب الحاكم، ففقد الفن حريته وبهاءه، انسحبت منه بهدوء وهي في أوج عطائها.

 

 سنواتٍ مرت مسرعة ما كان أملا جميلاً أضحى أياماً متشابهة، بات المسرح جزءاً مخبوءً، مختفياً في أعماق الذاكرة، لم يعد له وجود الا في أحلامها.

 

استغربتْ من تجمع نسوة الحي أمام أحد البيوت المجاورة لمنطقة وقوف الحافلات التي وقفتْ فيها ، كان هناك لغط بينهن:

دخلوها صباحاً... هناك حدثٌ؟!

 

رغبتْ في الاستفسار منهن، لكنها خافت أن يفسر فضولها على غير حقيقته... أجبرتْها الظروف السياسية الخانقة الابتعاد عن الآخرين وتجنب مشاكلهم ... عادتْ الى الدار وفتحتْ المذياع ليس هناك ما يشير الى حدوث شيء، البرامج كما هي ليس فيها جديد ... خرجتْ ثانية للتسوق.

 

ازداد الهمس بين المتسوقين وشمل الرجال، مما يشير الى قيام حرب جديدة أو ما يشبهها ... وصلتْ الى السوق المركزي الذي يبعد كثيراً عن دارها... حاجتها الى حصتها الشهرية من المواد الغذائية الأساسية والتي تشمل نصف كيلو شاي وخمسة كيلووات سكر ومثلها رز وقنينة زيت وقد تزاد، أو تقل في الأغلب، تجبرها على الذهاب.

 

السوق جزء من مجموعة الأسواق التي شُيدتْ قبل الحرب الأولى للبلاد (حرب البوابة الشرقية) من أنشط الأسواق، وأثراها بالمواد من كل الأصناف، أما بعد الحرب لم يُبَعْ فيها سوى الضروريات المذكورة وببطاقة خاصة للموظفين ولا يستطيعون الحصول على المواد الا بشق الأنفس، وقد يرجع الموظف بخفي حنين لنفاذها، وفي أغلب الأحيان تذهب للمهيمنين على السوق الخارجية.

 

حرب دامتْ ثماني سنوات أحرقتْ الشباب، دمرتْ العائلات، خلفتْ مآسي لا تحصى... لن يدرك شرورها وعمق مآسيها الاَ من عاشها... سنوات ثلاث على انتهائها وإذا بطبولها تُقرعُ من جديد.

 

في طريق عودتها عرجتْ على سوق محلتها الذي ضم بائعي السكراب وقارئات الكف والبخت ويضم كراج السيارات التي توصلها لدارها، مرتْ بطريقها بإحدى قارئات البخت، افترشت الأرض بقطعة قماش زاهية مذهبة، رَصَفَتْ فوقها حصى ملونه وفنجاناً مملوءاً بالقهوة، تحلقن حولها النسوة ينتظرن دورهن، فكرت أن تنظم اليهن، سعر معاينة البخت ربع دينار، سخرت من نفسها، وخزة لوم وندم على ما دار في نفسها، انسحبتْ من المكان... عالمٌ مجنون أُلغي فيه العقل لتسكنه الخرافات.

 

في مقهى قريب تعالى صوت المذياع تُعزف أناشيد الحرب، يُعلن عن قرب بث بيان هام، انقبضَ قلبها... حثت الخُطا للوصول الى دارها... ففي الحرب السابقة فقدت الكثير من أقاربها وأعز الناس لها أخاها، لم تتحمل أمها الصدمة فلحقته، وما حدث لها حدث لأغلب الناس.

 

خوف هستيري أصاب الناس بين مصدقٍ ومكذب لا يرغب بمعرفة ما يدور... أتعبتهم الحرب الأولى مع ايران... حرب لا غالب ولا مغلوب... وانما دمارٌ وخسائرٌ للبلدين ... ما زالت الأمهات الباقيات على قيد الحياة يرتدين الثياب السود على شهدائهن ... غمامة سوداء من لابسات العباءة تسد الطرقات الى المدافن في الأعياد تحول دون الوصول الى قبور أولادهن... مما دفع الموسرين من الناس الى بناء غرف للقبور، ليتسنى للأمهات البقاء مدة أطول حول الضريح، دون أن تصيبهن اشعة الشمس...  بعض القبور ضمت أكثر من أخ وأب، أحد القبور ضم خمسة أخوة وأباهم الذي مات كمداً، مازالت تتذكر (سيد جبر) كان فراشا في الدائرة التي تعمل بها والذي قتل ابنه البكر في أول الحرب ولهول مصابه ترك الدائرة بعد أن سلمته الحكومة مكافئة الشهيد وهي سيارة وعشرة ألاف دينار عراقي الذي كان يعادل الثلاث دولارات وسبع سنتات... وعندما استشهد ابنه الثاني زارهم بعد سنوات وقد استعاد صحته وتزوج امرأة أخرى!

 

تزايد اللغط عن الحرب فهذه الحرب تختلف عن الأولى إنها احتلال لدولة جارة، كانت فيما مضى جزءا من أرض الرافدين واليوم هي إمارة مستقلة عن العراق...زادت المخاوف لتوقع الناس إنها ستكون حرباً نووية إنذارٌ للبلاد، حُدِدَ يوم لبدء القتال إذا لم تستجب الحكومة للضغوط الدولية، وتسحب قواتها من الكويت.

 

ما إن اقترب اليوم الموعود للهجوم حتى أخلى الناس بيوتهم وذهبوا الى أماكن اعتقدوها آمنة، لأن مصافي النفط في نفس المنطقة وكذلك محطة الكهرباء وقد استهدفتا في الحرب الأولى وبشكل مكثف، أما هي فليس لديها مكان آمن خارج العاصمة لأن أهلها في نفس العاصمة، ولا رغبة لديها للرحيل.

 

  ليس في وسائل الإعلام أو في الصحافة أي جديد... منذ أن حل المساء والمدينة تغفو بهدوء مريب... هذه الليلة الأخيرة من الإنذار... ليس هناك ما يدل على حدوث قتال، جفا النوم عينيها تجاذبت وزوجها أحاديث كثيرة ... استغرق الأطفال في نوم عميق... بعد يومين سيحل موعد امتحانات نصف السنة... وهم بالرغم من الجو المتأزم يستعدون لها ... شعور يداهمها بين الحين والحين بأن الليلة لا تشبه مثيلاتها.

 

أجفلها صوت قصف هز الأرض من تحتهم وأشعل السماء بآلاف الصواريخ... نهض الأولاد مذعورين التصقوا بها... صرخت الابنة ذات التسعة أعوام، منذ الحرب الأولى والكوابيس تلاحقها في نومها، ويتعالى صراخها ... السماء المنارة بالدمار زادتها رعباً، بعد أقل من ثلث ساعة غرقت المدينة في ظلام حالك، لا يضيئها سوى وميض المتفجرات، فتحت النوافذ وباب البيت، محاولة منها لرفع معنوياتهم وبث الشجاعة في نفوسهم، المحاولة ذهبت أدراج الرياح، الخوف عم الجميع، أغلقتْ النوافذ والباب، عادتْ مسرعة اليهم، الخوف أقوى من الجميع، اختبأوا في فسحة داخلية صغيرة تقع تحت الدرج بين الحمام والمطبخ، المكان الوحيد الذي يُشعرهم باطمئنان وهمي، البيت بناؤه بسيط، هزت أركانه الحرب السابقة، أحدثت شروخا فيه أضعفت مقاومته...  ما أن تترك الأولاد لتنجز لهم عملا يتصاعد خوفهم وصراخهم مطالبيها بعدم تركهم... جلبت لهم فرشاً وطعاماً، أبوا أن يتناولوا شيئاً منه، تقرفصوا واضعين رؤوسهم في حضنها، الرعب سيد الموقف، أكبرهم في الحادية عشرة سنة وبعده الابنة ذات التسعة أعوام والابن الثالث في الخامسة من عمره أما الصغرى لم تكمل عامها الثاني.

 

الفجر يلقي ظلاله ببطء، هدأ القصف لحظات ثم تواصل ثانيةً، تقبلت فكرة الرحيل بعد فوات الأوان.

 

في الشارع سكينة يتخللها مواء قطط مرعوبة ونباح كلاب مذعورة، بالرغم من حملات الإبادة التي تشن عليهم بين فترة وأخرى، بقي منهم شاهد على قيام الحربين.

 

نزلت خيوط الشمس على سطوح المنازل طرقات لحوحة على الباب، من يأتي في مثل هذا الوقت المبكر والحرج!!!

يتبع

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.