اخر الاخبار:
واشنطن تعلن قتل قيادات حوثية كبيرة - الأحد, 23 آذار/مارس 2025 18:45
غبطة البطريرك ساكو يجتمع بكهنة بغداد - الأحد, 23 آذار/مارس 2025 18:30
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ماذا بعد؟ سؤال مشروع في رواية الأديب المصري عادل جابر عرفة "ماذا بعد؟"// هناء عبيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

هناء عبيد

 

عرض صفحة الكاتبة 

ماذا بعد؟ سؤال مشروع في رواية الأديب المصري عادل جابر عرفة

"ماذا بعد؟"

هناء عبيد

 

صدرت رواية "ماذا بعد؟" للأديب المصري عادل جابر عرفة عن دار سطوع لخدمات النشر، وجاءت في ١٥١ صفحة من الحجم المتوسط.

 

الغلاف عبارة عن صورة لجدار أو حائط غرفة مدهون باللون الأبيض ينتصفه شرخٌ طوليّ، قد يدل على البيت الدافئ الّذي يستند على جدار، لكن شرخًا ما أصابه وبدد الأمان الّذي كان يتمتع به أهل الدار.

على الجانب الأيسر توجد علامة استفهام كبيرة الحجم بلون أزرق، تعقب سؤال جوهري هو عنوان الرواية" ماذا بعد"؟ وهو تساؤل مشروع يتبادر إلى أذهاننا كلما شعرنا بجمود في الأحداث أو تعرضنا إلى كوارث متعاقبة تنتظر الحلّ.

 

العنوان

يوحي بتيه وتطلع نحو مستقبل منتظر، أو انتظار نهاية أزمة موجعة. وكأن هناك فترة زمنية وقفت عند عتبة مملة ولم تتقدم بعدها.

 

الإهداء:

جاء إهداء الرواية إلى عائشة ومالك أحفاد الروائي.

إذ يقول:

"أعدتّما إلى قلبي النبض ثانية، وأعدتما إلى روحي الحياة، بعد أن ظننت أن الجميع فارقني مع المشيب"..إلخ

 

ثيمة الرواية:

الرواية تتحدث عن عائلة تعيش بسعادة وحب، فالأب والأم يضربان المثل للعلاقة الطيبة بين الأزواج، وقد أنعم الله عليهما بابنتهما ناهد وأخوها سمير، وهما على خلق طيب ولهما من العلم منزلة طيبة.

 

تتمنى ناهد دومًا أن تحظى بأسرة سعيدة هادئة في المستقبل كعائلتها، وأن تعيش حياتها الطفولية بعلاقة طيبة رومانسية مع من سيكون شريك حياتها، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد كان أبوها بسبب حبه الشديد لها حريصًا عليها لدرجة مبالغ بها، واعتقد أنه يمكن أن يضمن لها مستقبلًا طيبًا بزواجها، لهذا قام باختيار زوج لا تعرفه ولا تربطه بها أي علاقة طيبة؛ متناسيًا أنه تزوج في الجامعة وربطته علاقة حب مع زوجته "أم ناهد".

 

ناهد شابة خجولة وطفولية، لم توافق في نفسها على هذا الأسلوب في التعارف، وكانت تخشى هذا اللقاء، أرادت أن تتزوج كما فعل أبوها وأمها، وأن تعيش حياة رومانسية، وتتعرف على الشخص وتلتقيه دون أن يخطط لها أهلها ذلك. فهي لا تريد زواجًا تقليديا.

 

يخطط أبوها للقاء بينها وبين شاب يدعى محمود، فتضطر للموافقة حرصًا على مشاعر أبيها. بعد خطبة قصيرة تزوجت لتجد أن أحلامها قد ماتت قبل الأوان؛، فارق السن بينها وبين محمود لم يكن مناسبًا، وقاره الزائد بسبب فارق العمر كان عقبة في تحقيقها للطفولة والمرح والرومانسية الّتي كانت تحلم بهم.

 

عانت في البداية من أهله فقد عاشت بينهم وكانت أخته غير المتزوجة تصبّ جام غضبها عليها.

 

لم تتوقف العواقب على ذلك فحسب، بل إن أحلام محمود زوجها جعلته يفكر بالسفر من أجل مستقبل أفضل له ولأسرته كما كان يزعم، فهو يرى أن الحالة المادية ليست مناسبة لهما.

 

بعد سفرهما إلى الخليج، شعرت ناهد بالغربة وتمنت لو أنها ظلت بقرب أمها، ومع تعاقب الأيام اكتشفت بأن محمود نهم جدًا للمال، وكل همه ينصب على شراء الأراضي، فلم تتمتع بعيشها كما أرادت ولم تستطع شراء ما كانت تتمناه، ثمّ بدأت قسوة الزوج بالظهور تدريجيًّا، حيث توقف عن العمل، وأمر زوجته بأن تعمل مدرّسة بعد أن أنجبت ابنتهما الأولى دعاء.

 

استولى محمود على أموال زوجته بحجة استثمارها، وكان قاسيًا معها. تتوالى الأحداث فيما بعد ليطرح السؤال الجوهري نفسه، ماذا بعد؟

 

تتعرض الرواية إلى العديد من القضايا الاجتماعية وخاصة تلك الّتي تتعلّق بالمرأة؛ منها مثلًا وصمة العار الّتي تلحق بها إذا داهمتها مفاجآت القدر، كأن تصبح أرملة أو مطلقة، وما تتعرض له من مشاكل وصعاب وخوف صديقاتها منها على أزواجهن، وتداعيات ذلك على مستقبل بناتها حين يصبحن في سن الزواج، فهناك من يخشى الارتباط بهن، أيضًا المسؤولية الّتي تلقى على عاتقها ماديًّا وأسريًّا، فهي الّتي تقوم برعاية أبنائها وهي المكلّفة بتدبير معيشتهم وتدريسهم وإلحاقهم بالجامعات.

 

أشارت الرواية إلى سلبيات تدخل الأهل وخوفهم الزائد على بناتهم الّذي قد يؤدي أحيانًا إلى نتائج عكسية، فتدخل أسرة ناهد في اختيار زوجًا لها أدى إلى تدمير حياتها الأسرية وتحطيم أحلامها وآمالها.

 

أيضا تسلط الضوء على تفضيل المجتمع للأولاد على البنات، وقد رأينا ذلك بوضوح من خلال معاملة محمود القاسية الظالمة لزوجته حينما وضعت بنتين، وتغيّر معاملته لها  للأفضل حينما كذبت عليه وأخبرته بأنها ستنجب ولدًا؛ فقد صار يزورها في المستشفى ويهتم بها.

 

 سلطت الرواية الضوء على مشاكل الميراث بين الأقارب والأهل وجشع بعضهم وطمعه في الاستيلاء على حقوق غيره ؛خاصة إن كان الوريث لم يرزق بالذكور. ألقت الرواية الضوء على وجع الغربة، وألم البعد عن الأهل وبعض المشاكل الّتي يتعرض لها المغترب.

تحدثت أيضًا عن سلبيات الزوجة العاملة وتأثير ذلك على أسرتها وزوجها.

 

من الامور المهمة الّتي تناولتها الرواية؛ أثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأسرة الّتي قد تؤدي إلى خلق فجوة وصنع جفاء بين أفرادها. تعرضت الرواية إلى قضية الزواج الثاني، ونظرة المجتمع له، فمثلًا الزوجة الثانية تتقبله بينما الأولى تمانعه، وقد تبين لنا من خلال السرد أيضًا مدى التناقض الّذي يعيشه المجتمع. فالحب قد يكون حياة للبعض ولكنه خيانة من منظور آخر،؛ هكذا هي الحياة، لكل طرف وجهة نظره الّتي تتماشى مع مصالحه.

 

ركزت الرواية على أهمية الحب الّذي لا يعترف بالعمر أو الظروف القاهرة، فجميعنا يظل يبحث عنه لما له من سحر على النفس فهو  وحده القادر على أن يحييها بعد مماتها. فرأينا كيف أن الخذلان الّذي تعرضت له ناهد ومنعها من اختيار زوج عن حب بإرادتها؛ جعلها تصر على استمرار الحب بين ابنتها وابراهيم بعيدًا عن العادات والتقاليد الّتي كثيرًا ما خنقت المشاعر والأحاسيس.

 

نتعرف من خلال السّرد على العادات والتقاليد المتبعة في مصر بشأن المهر. في الصفحة ٦٨ يقول الرواي: "الأثاث مناصفة وأدوات المطبخ والمفروشات على العروس، والأجهزة على العريس.. إلخ"

 تطلعنا الرواية على العادات والتقاليد المحافظة للأسرة المصرية فالخطيبة مثلًا لا بد أن يرافقها أحد أفراد أسرتها عند الخروج مع خطيبها.

 

كان للأمل موقعه في الأحداث رغم كل الأحزان، فهناك اليوم المر وهناك اليوم الحلو كما نقول في لهجتنا المحلية. فقد عشنا مع أحلام كل أسرة، تلك الأحلام الّتي نتشارك بها أينما كنا،  كتعليم الأبناء وزواجهم.

 

زخرت الرواية بمواقف تظهر جمال المشاعر الإنسانية، رأينا أصدقاء ابراهيم الّذين بذلوا مجهودًا كبيرًا في مساعدته لإتمام مراسيم زواجه ليثبتوا أن "الدنيا لسّه بخير"، وكم كان لأثر رسالة ابراهيم لوالده وقعها على النفس؛ تلك الرسالة الّتي تحمل كل معاني الشهامة والمروءة والأخلاق الطيبة، فابراهيم لن تكتمل فرحته بزواجه إلا برضا والديه عنه، رسالة حملت بين طيّاتها كل المشاعر الإنسانية النبيلة والمعاني الطيّبة،

 

أيضًا تحدثت الرواية عن قضية زواج كبار السن، كالجدة مثلا حين تتزوج من رجل متزوج ونظرة المجتمع لها.

 

شخصيات الرواية:

تعددت الشخصيات في الرواية وقد تعرفنا على بعض صفاتها ضمن السرد، لم تكن هناك شخصيات مقحمة.

 

أهمها :

ناهد: الشخصية المحورية في الرواية والّتي تظهر طيبتها وطفولتها وعدم حبها للمشاكل فقد كانت تهرب إلى عالم الطفولة، وتحاول أن تخفي معاملة زوجها لها حرصًا على أهلها، انقسمت شخصيتها إلى ثلاث شخصيات كما قالت: إحداها خارج البيت، والثانية بين بناتها، والثالثة مع نفسها، وهي جميلة المظهر كما ورد في الرواية.

 

أم ناهد: سيدة على خلق، طيبة، تحب الاعتماد على نفسها لدرجة أنها تدفع ثمن أي شيء يقدمه لها أولادها وتفضل العيش دومًا في بيتها وترفض الذهاب إلى بيت ابنها سمير أو ابنتها ناهد. وقد تزوجت أبا ناهد بعد قصة حب في الجامعة.

 

أبو ناهد: رجل طيب وسند كبير لابنته.

 

محمود: زوج ناهد الّذي تبدو عليه أعراض الشخصية النرجسية المضطربة، فهو أناني منعدم المشاعر، يعامل زوجته بقسوة

 

عزمي: الكاتب الّذي تعرفت عليه ناهد عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ويمتاز لون وجهه بسمار النيل.

 

دعاء: ابنة ناهد الكبرى؛ إنسانة طيبة،مسالمة، رقيقة، وديعة.

 

نور: ابنة ناهد الّتي تتسم بالمشاغبة وتخلق دومًا أجواء من المرح، كما أنها تجادل كثيرًا وتفعل ما تقتنع به.

 

شهد: ابنة ناهد الّتي تتسم بالواقعية ولا تظهر عواطفها بسرعة.

 

مدحت: خطيب دعاء، وسيم مبتسم.

 

 ابراهيم: شاب خلوق يعمل مهندسًا في الشركة الّتي تعمل فيها دعاء ونور.

 

  يوسف: الحفيد الّذي له دوره في بث السعادة، ولعل هذا يبين سبب اهداء الروائي عادل عرفة الرواية لأحفاده.

 

المكان والزمان

أخذت أحداث الرواية مكانها بين القاهرة والصعيد وأحد بلدان الخليج العربي الّتي سافرت إليها ناهد مع زوجها محمود، ولم يكن للمكان أهميته الكبرى في أحداث الرواية.

أما زمن الرواية فلم نتعرف على فترته بالتحديد؛ لكنه بلا شك كان بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي.

 

تقنية السرد

لغة الرواية سهلة سلسة تدخل ضمن السهل الممتنع، يغلب على بعض العبارات الشاعرية، عنصر التشويق كان متواجدًا، فالسرد يجذب القارئ إلى آخر حرف في الرواية.

 

تم السرد في الجزء الأكبر من الرواية بلسان المتكلم "ضمير الأنا"، والجزء الآخر بلسان السارد العليم، لاحظنا ذلك عندما كانت ناهد تتحدث عن عزمي وما حدث له بعد معرفة زوجته عن ارتباطه بناهد، كذلك استلمت ناهد زمام السرد العليم للتحدث عن ابراهيم خطيب ابنتها.

 

ظهرت بعض الحوارات الخارجية المحدودة الّتي أتاحت الفرصة للشخوص بالتحدث عن أنفسهم،

 

تم السرد بأسلوب كلاسيكيّ تصاعديّ خطيّ، حيث البداية فالعقدة ثم النهاية.

 

وقد تحدث الروائي بلسان الأنثى، فهل نجح في سبر أغوار نفس المرأة وإدراك مشاعرها وأحاسيسها بعمق؟ أظنه فعل.

 

الرواية واقعية اجتماعية تحمل الكثير من المثل والقيم العليا، وقد جاءت بلغة سلسة ملتزمة، وتعتبر إضافة نوعية إلى رفوف المكتبات العربية.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.