اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

غبار الطباشير// حسين السنيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

غبار الطباشير

حسين السنيد

 

المشهد الاول :

ادخل قدمه الصغيرة في حذاء أبيه الكبيرة, قدم ناعمة بيضاء كالقطن المقطوف حديثا, بأصابع صغيرة واظافر كالمرايا, دخلت في الحذاء السوداء التي خشنت وضاع لونها الاسود. بصعوبة استطاع ان يخطوا الخطوة الاولى.. رفع القدم اليمنى,ثم اليسرى بثقل. كانت تنزل صوت ضربة الحذاء للأرض على اذنه بتغنج.

اطلق ضحكة مجلجلة, سارع الخطوات الصعبة ..تقدم ببطئ اربع او خمس خطوات اخر, توقف لاهثا وكان يرى الخطوات المعدودة التي خطاها مسافة طويلة. احب حذاء ابيه العتيقة, ولمس حرصه يوميا في تنظيفها قبل ان يذهب للمدرسة, بقطعة قماش. فتصبح لامعة وقد استعادت شبابها وبريقها, وحين يرجع الاب كان يراها متربة متعبة. كأنها شاخت وهرمت. وهكذا كان يوميا يراقب شباب الحذاء وشيخوختها دون ان يهمل يوما واحدا.

بدأ يجري الآن .. الخطوة الاولى .. الثانية .. تعثر في الثالثة فوقع . وانزلقت الحذاء .

-    انتهى المشهد.

 

المشهد الثاني :

رجع الاب من المدرسة حاملا تحت ابطه اوراقا امتحانية فاحت منها رائحة شيطنة الطلاب, نزع النظارة ووضعها على الطاولة, خلع السترة السوداء الملطخة بالطباشير الابيض والقاها على الكرسي بجانب الطاولة. بعد ثوان ظهر الطفل يتهادى راكبا حذاء ابيه ,رفع السترة وغاصت يده في الكم, استدار يمينا ويسارا ورمق نفسه بنظرات الاعجاب ممزوجة مع فرح الطفولة, مسح بكفه قبلات الطباشير المنثورة على اطراف الكم و لكنه وجدها اعمق من ان يمحسها بيديه.

وضع نظارة ابيه على انفه فاحتلت نصف وجهه, وجد نفسه كبيرا جدا.. وطويلا والغرفة صغيرة والافق قريب. ركض باتجاه الباب فيما كانت السترة تنسحب على الارض, كلما ركض فرت الباب وابتعدت اكثر. سارع خطاه ومد يده التي رأها ضخمة رجولية ليمسك الباب, فتوارت الباب, والتفت السترة حول قدمه فوقع على الارض وانفلتت النظارة , وطارت كأنها لها اجنحة وحسبها قبلت سقف الغرفة . وقع على الارض و وقعت امامه النظارة, بزجاجتين متفطرتين..

-    انتهى المشهد.

المشهد الثالث :

علق سترة ابيه السوداء الملوثة بالطباشير على بسمار في الجدار. وضع الحذاء القديمة والمتحجرة تماما تحتها على الارض. وضع النظارة بزجاجها المغبر, اعلى السترة , هذا الطفل الذي كبر الان وغزت رأسه كومة جراد السنين وتركته كعصف مأكول, بسرعة.. مثلما كانت تشيخ يوميا حذاء ابيه امام عيونه. تربع على الارض, امام السترة والحذاء كأنه طفل يلاقي هيبة ابيه. سرعان ما ارتفعت اصوات همهمات الطلاب من السترة ورن صوت جرس المدرسة من النظارة وخرجت اقدامه الصغيرة فارة , تتقافز من الحذاء العتيقة.

لبس الحذاء التي اصبحت ضيقة الان, ارتدى السترة. وضع النظارة على انفه. بدت له الحذاء لماعة جديدة وانعكست في عيونه صورة عرس ابيه منها. ومن حيث بقايا غبار الطباشير.

رأى الباب بعيدة والسقف عال والشمس تغمز له .

تجرأ ليخطو الخطوة الاولى, فتساقطت ضحكات الطلاب من اكتاف السترة  وتفجرت من الحذاء سنابل قمح وامدت باعناقها, وراحت الاكمام تجري نهرين دافقين.

نظر للباب النصف مفتوحة والبعيدة .. والى البقعة التي تتسلل اليها خيوط النور .

اسرع الخطوات .. تعثر.

 

-    لم ينتهي المشهد بعد ..

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.