اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

في المرأة وفلسفة القهوة (النص الأول)// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

 

في المرأة وفلسفة القهوة (النص الأول)

د. سمير محمد ايوب

الاردن –العقبه

 

مذاهِبُ الساحِرَةِ ، وفِقْهُها ....

غروب ذات يوم، كنت وصديق عمر، آت من سحماتا في جليل فلسطين المحتلة، نحتضن قهوتنا بين راحتينا، نتسكع خارج النص واطره، على الشاطئ الأقصى لثغر الأردن في اقصى الجنوب، مدينة العقبة، حين بين الجد والهزل، باغتني صديقي بسؤال خارج السياق: منذ عرفتك، وأنا الحظ بيسر، مدى تذوقك لقهوتك. تُحْسَدُ على ما تبادلك من متعة، تتوزع اشاراتها بَيِّنَة الملامح على الكثير من تضاريسك. قل لي بربك، لِمَ تُحِبُّ القهوة لهذه الدرجة من العشق؟!

مقهقها بوجع مهموم، توقفت في مواجهته. متعمدا أن يكون وجهي مطلا على سهوب الماء، الممتد بين العقبة في الأردن، الى توأمها أم الرشراش قبالتها، في فلسطين المحتلة. ثم قلت بشئ من الجدية: في قهوتي يا إبن الجليل، الكثير من مذاهب المرأة، وفقه كل النساء.

سأل وبراءة مفتعلة في عينية: كيف؟

قلت وانا لا أقلُّ عنه تخابثا: ما عليك، تعال نستعرض الأمر واحدة تِلوَ، وشفّة تلو شفّه.

قال مبتسما، وكَفَّهُ تُربتُ على كتفي الأيمن: كلي آذانا صاغية. هات ما عندك من شطحات، يا فيلسوف القهوة.

قلت: المرأة والقهوة صنوان رفيقان، أذواق ومذاقات، مِلَلٌ ونِحَلٌ. بعضنا يا صديقي، بحبها حلوة. أليس كذلك؟ أكملت دون أن أتحرى لسؤالي جوابا منه. تركته فاغرا شيئا من فِيهِ وشيئا منه مزموما، وقلت: ولكن بعضنا يحبها مُرّةً. بعضنا يحبها خفيفة. وبعضنا يحبها ثقيلة. بعضنا يحبها وسط. وبعضنا يحبها عالريحه. أليس كذلك؟!

 

خِلْتُ أن عينيه تتوسلان، لإقتطاع هنيهة يلتقط خلالها انفاسه. أهملتُ ما ظننت. وأكملتُ مُعاتبا مستهجنا: ألا تطيق صبراً! تمهل أيها العجول. فأنا لم أكمل بعد إجابتي على ما سألت.

 

عميقا تنهد، ونفخت شفتاه، تأفُّفَ المستسلمين المغلوبين على أمرهم، فخلته يقول : تفضل أكمل شطحاتك، وأمري لله  وحده.

 

أكملت مزهوا، بسيل من الأسئلة التقريرية المتلاحقة، لأرهق سمعه وعقله وقلبه: ألا ترى يا صديقي العجول، ان البعض منا يحب قهوته مغلية، وأُخرٌون يحبونها ساخنة، ولا بأس إن كانت فاترة أحيانا؟!

 

تنفس العربي ابن الجليل الصعداء. فعاجلته مرة أخرى، طالبا منه، التمهل لأكمل ما بدأت عن الساحرة. فقلت أتمنى ان تتذكر، أن بعضنا يحب قهوته مزبوطة. وآخر يحبها رائقة، وآخر يحبها وعلى وجهها رغوة.

 

هنا، رأيت غيوما محتبسة في عينيه. تنذر بشئ من الرعد. فسارعت مكملا حديثي. وكأنني لم ألحظ ما بان فيهما من تململ، قلت دون ان انظر إليه: أثق أنك تعلم الكثير عن مقاربات، كل منا لقهوته. أنا مثلا، احتسيها بتمهل، شفّة تلو شفّة. وغيري يشربها شَفطاً. وتسمع صوت غير غيري وهو يتذوقها، وهناك من يلتهمها على الساكت.

 

ضحك صاحبي وقال: ضقت بك ذرعا. ولكن، صحيح والله ما تقول. أكمل وأمري لله. جعلتني اعشق كل تلاوين القهوة.

 

قبل ان اواصل، ونحن في محاذاة أول ماء الشط، إرتطم بنا الكثير من رذاذ، قطيع من الموج المشاغب المنصت لحوارنا. على ما يبدو، أبت هي الأخرى، إلا ان تشاركنا على طريقتها المائية، شطحات القهوة. فابتعدنا هاربين كطفلين، من كثافة الرذاذ. تعثرنا بكرسيين على الشاطئ، تماما قبالة شئٍ من فلسطين. جلسنا متجاورين عليها. يشوبنا الكثير من البلل، ويملؤنا الكثير من اللهاث.

 

الاردن –العقبه - 23/2/2010

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.