اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

رواية (شروكَية) رسمت يوتوبيا مدينة الفقراء// جمعة عبدالله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

رواية (شروكَية) رسمت  يوتوبيا  مدينة الفقراء

جمعة عبدالله

 

الحصاد السردي في المتن الروائي لهذه الرواية (شروكَية- شوقي كريم حسن) هو نتاج حصيلة زبدة المعايشة الحياتية, في ابعادها الاجتماعية والسياسية, لمنصات زمام السرد واحداثه المكثفة بالتزاحم بالاحدث الجارية في سياق المتن الروائي, ويعطي اهمية بالغة لفعل الذات الداخلية, ومصارعته مع الواقع الموضوعي القائم, حين تكون الاحلام مطبات متعثرة ومشلولة ولا تتقدم, بل تتراجع الى الوراء, لا يمكنها مسايرتها في مياه الواقع الفعلي, لشريحة المسحوقة والفقيرة, في المجتمع والحياة, ورصد تحركاتها اليومية, وهي مشحونة بعباءة الحزن والاهمال والحرمان, هذا واقع الفعلي لسكنة (مدينة الثورة) , التي تعيش بين نارين, نار تسلط السلطة الطاغية, التي تعتبرها مخزن بشري, جاهز لوقود وحطب الحروب العبثية, ونار القهر الاجتماعي, في الاستلاب والمسخ تحت مظلة الحرمان والاهمال. لذا فأن الاحلام تتعثر في اول خطواتها الحياتية. لهذا الفتى الجنوبي وهو بطل الرواية, والراوي والسارد, يشعر منذ طفولته, بحالة التيه والضياع, ويشكو الجفاف واليأس الحياة لمدينة الفقراء والمسحوقين (مدينة الثورة) في مطباتها الظاهرة (مدينتنا المأهولة بالطين تمتلئ بروائح المزابل وروث الخيل وثغاء الاغنام ونداءات بائعي الملح والمجانين, ثمة صخب لا يمكن ان ينتهي, تظل الامهات صاحيات للصراخ, ويظل الاولاد يلعبون وسط برك الفوضى الآسنة, فيما تنزوي البنات عند زوايا الغرف القصية) ص70 . , هكذا يأخذنا الروائي (شوقي كريم) ليدخلنا في عمق المعاناة الحياتية, لهذه الشريحة المسحوقة, بالمحاصرة والتسلط والانسلاخ والمسخ. كأن لعنة المعاناة القاسية اصابتها كحالة موروثة لا خلاص منها, لايمكن الفكاك منها. كأن اهلها هم في الحقيقة فئران اختبار, في مضاجع القهر والعسف والاضطهاد. كأن حياتها اصبحت لا تفارق رائحة الموت والبارود. هذه هي اصداء ثيمات الرواية (شروكَية) , ويوظف الروائي ببراعة حالة الاسترجاعات (فلاش باك), ويكسب اهمية بالغة, بأن الكاتب الروائي, هو من اهل (مدينة الثورة) ويقدم قريحة معايشته الحياتية, لذلك يغوص في المتن الروائي, الى اعماق حياة هذه الشريحة الاجتماعية بالمسحوقة بالفقر والحرمان. ويقدم خزين ذاكرته من ينابيع  الطفولة, الى ينابيع السجن, كسجين رأي, في السجن المركزي في بغداد. ويستغل حالة السجن, ليلوذ بعباءة الذكريات التي مرت بها شريط حياته, ليكسر حاجز الحصار في السجن, وهو في زنزانته, كوسيلة لكسر حالة الوحشة التي يتجرعها في عذبات السجن, ليجعل من خزين الذاكرة حاسته المتيقظة على الدوام, كمعين لايمكن الاستغناء عنه, وبما يدورداخل الزنازين من حالات جائرة لا ترحم , تجعله متيقظاً يتحسس الاشياء, حتى بدون شعور, يسترق السمع لصوت رنين المفاتيح وهي تقفل الابواب, لتترك السجناء في حالة من القلق والخوف والترقب, لكي تحفز  ذئاب الاسئلة المستفزة التي تخمطه في اثارتها الملتهبة, وهو يلوك المهانة والذل والعزلة داخل السجن, فتكون ساعة النوم, الاختيار الامثل لاسكات هذه العواصف الهائجة داخل جمجمة عقله, والنوم هو حالة هدنة موقتة, وهو احسن فعل لاختيار السجين, لينزع عنه بشكل موقت, خشونة المعاملة القاسية داخل السجن, بالمهانة والذل, لتجعلهم حرائق للقلق والخوف والترقب, ان الرواية تحرث في الزمكان بشكل محدد ومعروف, لذلك ينطلق الفتى الجنوبي الذي كبر عضده في بئر الحرمان, ليروي حياته التفصيلية, اشبه بحكايات شهرزاد, ملكها,  الفقر والحرمان والمعاناة, وبطلها الفتى الجنوبي, نتعرف عليه بالكشف الذاتي لسيرته, بأنه من عائلة فقيرة مسحوقة. الاب عاطل عن العمل, الام هي المعيل الوحيد للعائلة, لانها تملك ماكنة خياطة, وهي مصدر عيشهم اليومي, يضطر الفتى الجنوبي, ان يتحول الى مدرسة المسائية, ويجمعون المال, لشراء عربة لبيع النفط, وجمعوا المال اللازم من التركة التي تركها الجد الغائب. وهي عباءة ودلال نحاس, وساعة قديمة, يقال بأن السلطان عبدالحميد قدمها هدية الى جده الغائب, وهكذا ينطلق الفتى الجنوبي, يجر عربته  يجول ويصول في الشوارع والازقة الضيقة, لبيع النفط, وفي احدى جولاته يتعرف على أمرأة كبير السن, وتجري معه مساومة اغرائية, مقابل درهيمات قليلة, يشبع شبقها الجنسي, يوافق على الصفقة, التي تمزق عذرية طفولته, ويشعر بأنه اصبح رجل كامل المقام, بالرجولة والفحولة. ولكن كلما تقدم في السن, تزداد وتيرة الاسئلة الصاخبة داخل عقله, ويدخل في حالة صراع حام, بين ذاته الداخلية ومطبات الواقع الموضوعي القائم, ليخوض غمار متعدد الجوانب في صراعه الحياتي, لكن يتقين بأنه يعود بعد جولات من الفحولة ,مكسور الهموم والجناح, بأن احلامه تبعثرها رياح الواقع, وتسير به نحو محطات الانسلاخ والمسخ, ومغامراته الفاشلة, التي يجد نفسه, لم تسعفه, في اسكات همومه, فيجد نفسه صريع ومحبط, اي انه يشعر بالعجز والانهزام, في مجارية الواقع بما يحمل من ثيمات جمة, اقوى من طاقته (ليس ثمة أمل من شيء. . حياتنا انهزام متكرر!!) ص136 . يتزوج زوجة عمه المفقود في طاحونة الحرب, وكانت له علاقة مريبة لهذه الزوجة, قبل زواجها من عمه, كأنه يعتقد بهذا الزواج عودة لحبه الضائع الذي اختطفه عمه عنوة, لكن يشعر بأنه محبط ومحطم من هذا الزواج, بمثابة خيانة الى عمه المفقود في طاحونة الحرب, ولم يكن حالة انقاذ لازمته النفسية العاصفة, بل زادت من حطامه وخرابه الروحي والنفسي, لذلك يتجنب اطلاق صفة زوجته, بل زوجة العم, وينتقل هو من طاحونة الحرب, الى طاحونة السجن, لذا فأن حوصلة الاسئلة الصاخبة في رأسه تتزايد اكثر وتيرة  وحدة عاصفة, ليحاول ان يجد الاجوبة, التي تهدئ عواصفه الهائجة. وفي محاورة مع جدته, التي تنعته بأنه يشبه جده في طرح الاسئلة المشتعلة بالهموم . نقتطف منها هذه المحاورة الدالة في معانيها البليغة:

( - جدتي . او تعرفين لمَ نحن فقراء ؟!!

اقول - يقول جدك أشياء , لا اعرف كيف ارتب كلماتها ؟!!

يقول - جدتي . أو تعرفين لمَ نحن نسكن بيوت الطين ؟!!

أقول - جدك . يقول اشياء , لا اعرف كيف ارتب كلماتها !!

-------------

يقول - جدتي, لمَ كل هذا الحزن؟ لمَ كل هذه المواجع؟ لمَ كل هذه القبور التي تحيط بنا؟ لمَ هذا النواح الذي لا ينتهي؟ لمَ دموع أمهاتنا أكثر من شهقات ضحكاتهن؟!!

أقول  - جدك , كان يعرف جواب كل شيء !! ) ص171

ولكن تنتهي الاحداث السرد الروائي, في عرائبية عجائبية, يطلق سراحه من السجن المركزي, في نفس الوقت يعود عمه المفقود في طاحونة الحرب

لذا فأن رواية (شروكَية) ابدعت في الايغال في اعماق الذات , وصراعها الناشب مع الواقع الموجود والموضوعي

× رواية ( شروكَية ) الروائي شوقي كريم

× الناشر : دار ميزوبوتاميا . للطباعة والنشر والتوزيع

× 260 صفحة

 

جمعة عبدالله

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.