اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

عاشقان وسط لفحِ النار// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

عاشقان وسط لفحِ النار

إضاءة على المشهد في فلسطين

د. سمير محمد أيوب

 

افاق ببطء، ورأسه مثقل بصداع شديد. عقد حاجبيه. تحسس جبهته بكف يده اليسرى. وأمسك بالأخرى كمامة الأوكسجين، وأزاحها بعصبية بعيدا عن أنفه وفمه. إتسعت حدقتا عينيه. تلفت حائرا باحثا عن نفسه، بين تضاريس غرفة غريبة عليه. عاود إغماض عينية وهز راسه. حينها إنثالت ذاكرته الثلاثينية، أمام عينيه. سعل وتمتم على إثرها بكلماتٍ، أيقظتها من غفوتها.

 

رفعت رأسها المتكئة من شدة التعب والنعاس، على طاولة أمامها. إعتدلت في جلستها. أصغت السمع منصتة. إنتصبت واقفة، وبسماتٌ فَرِحةٌ تعتلي شفتيها. إتجهت إليه. سمعها وهو مغمض العينين تقول: ألحمد لله عالسلامة يا عيسى. فرحتي بنجاتك غامرة.

 

أحس قلبُه بنبراتِ الصوت. وتشرب كفُه دفء أصابع تلامسه. فأيقن أن في الأمر أمراً. وما أن إعتدل في تمدده، رمشت عيناه كثيرا قبل أن يصيح: مَنْ؟ خديجة؟ ربي لك الحمد. أينك وقد أضعتك منذ تخرجنا من الجامعة. ما أتى بك إلى هنا، وفي هذا الوقت المُبْكِر؟

 

لامس إبهامها شفتيه وهي تقول: هوِّنْ عليك يا عيسى. فأنا طبيبتك المتابعة لحالتك، منذ أن أحضروك إلى طوارئ المستشفى، قبل يومين بحالة حرجة جدا، مُختَنِقا بالغازات السامة التي ضخها العدو على المنتفضين من أهلنا. ولكن، حدثني عما أتى بك إلى غزة من ريف الناصرة، وأنت مهندس الطاقة البديلة في الجليل؟

 

أمعن النظر في عينيها مباشرة ، فإقتربت منه حد الإشتباك. إحتضنها كطفلٍ أضاع أمه، محاولا أن يقول: تعرفين، منذ كنا في جامعة الموصل ، أحمل جبالا من البغض لكل من أوصلنا وما أوصلنا، إلى ما نحن فيه من هوان، ومن تفريط مجاني يتمأسس.

 

جئتُ لغزة العزة، لأحفظ لنفسي عزيمتها، فلم يُخْلق الجبارون مستسلمين للسقوط. ليس من مصلحة الضعيف، الإعتياد على التنازل وتكرار الإنحناء، بل معاملةُ النفس أو ما تبقى منها، بقسوةٍ، كي تستعيد رباطة جأشها، والتمسك بها فاعلة.

 

لحسن حظي، إندلعت ألمواجهات صباح وصولي، وفي المساء سارعت للمشاركة فيها بحماس. أوصلني بين يديك. أحمد الله أنني جئت . وشاركت وأُصِبْت. فكافأني الرب بك، بعد أن أضعتك.

 

بعد وجبة دسمة مع أسرتها في مخيم الرمال، إتجها يدا بيد، إلى مقهى منزو على الشاطئ. تناول لفافة من علبة تبغ أمامه، وعبق قهوته يتراكم في رئتيه. مغمض العينين، يرتشف بتلذذ وتأنٍ, كأنما يتذوق القهوة لأول مرة. سألها: لو إستشهدت في تلك المواجهة، كيف كانت ستبدو لك الحياة بدوني يا خدوج؟

 

أناخت برأسها على كتفه وهي تقول: بالتأكيد، كَرَبٍّ بلا رحمة ولا مغفرة. أو كرسولٍ مصطفى، مُؤيَّدٍ بِمعجزةٍ، وأوحيت له رسالة، كُلِّفَ بتبليغها للناس، ولم يفعل.

 

أو كسيدة نساء الأرض، أمِّنا مريم البتول، بلا نَخْلٍ، وبلا من كَلَّمَ الناسَ في المَهدِ صبيا.

 

أو، قُلْ كعروبةٍ بِلا فلسطين، وفلسطينٍ بِلا جبارين، وبطولاتٍ بلا نساء ، وجنرالات بلا فِتيةٍ وأطفال.

 

وأكملت تسأله وهي تُراقب شفتيه، بعيني زرقاء اليمامة: ماذا تقول يا عيسى، لو سألتك كم تحبني؟

 

جلس قبالتها والصمت الصاخب يشدو، وفرح الكون يتجسد في حدود قامتها وكتفيها ومحيط عينيها، وشمس إبتسامة رضا، تُطِلُّ  من على شفتيه  قال: أحبك بحجمِ رحمةِ الله التي وسعت كل شئ، وقدرته على قبول توبة التائبين.

 

نهضت ومَضَتْ إليه. إلتقته وكأنها إستعادت جزءاً كان ضائعا منها. فضمهما صمت البحر الصاخب. إحتضن وجنتيها بكفيه، واستذكرا سنوات الإغتراب والتعلم والتشكل السياسي، بعيدا عن فلسطين. وأكملا بجبروت مشترك: طالما فلسطين محتلة، معا سنكمل مطاردة العدو في كل مكان.

ألأردن – 25/5/2018

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.