غنام غنام الظاهرة المسكونة بهاجس التعددية والإنسانية// هايل المذابي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

هايل المذابي

 

 

غنام غنام الظاهرة المسكونة بهاجس التعددية والإنسانية

هايل المذابي

اليمن

 

منذ شهور ليست ببعيدة تهيأت لي الظروف المناسبة جدا، إذ كنت اقيم في القاهرة، من مشاهدة عرض مسرحي لمرتين متتاليتين يفصل بين كل عرض وآخر شهرين وهذا العرض المسرحي هو "ليلك ضحى" تأليف وإخراج الفنان العربي غنام غنام.

لم يسعفني الذهن بحالة من النقاء تسمح بالكتابة الجادة عن العرض المسرحي هذا واكتفيت بقراءة سابقة عن الاسم واشتقاقاته الذي تحمله المسرحية وهي أي طبيعة الاشتقاق لاسم المسرحية أهم ثيمة يمكن ان نكتشفها في مسرح غنام غنام منذ بداياته وحتى اليوم وهو دائما يبحث عن الثنائيات الجنسية في هذه الثيمة كأبسط تعبير عن حالة الفطرة الأزلية المسكون بها الكائن الذي يقطن هذا الكوكب.

لنتفق اننا لا نستطيع أن نرى ساق الشجرة أولا ثم فروعها واغصانها ولكن الصواب هو أننا نراها كاملة دائما ولعل هذا ما يجب الإشارة إليه حين نتحدث عن مسرح وفن غنام غنام.

في عروض المسار الثاني من عروض مهرجان المسرح العربي 2019 بالقاهرة كان ثمة عرضان لغنام الأول يمثل مرحلة من بداياته أو لنقل من قديمه ويحمل اسم "صباح ومسا" وقدمته فرقة دوز تمسرح المغربية وأخرجه عبدالجبار خمران والآخر يمثل المرحلة الثالثة من مراحل الإنتاج الفني لغنام وأخرجها هو بعنوان "ليلك ضحى".

ثمة مسلكان في الفن والعلم لاكتساب المعرفة والتعلم الأولى هي افواه المعلمين والثانية هي الكتب والمؤلفات وقديما تميز الجاحظ عن أقرانه بطريقة ثالثة في اكتساب المعرفة وهي غمار العامة حين نزل إليهم ليتفهم دوافعهم ويصنع كتابه البخلاء وغيره. وبرأيي أن غنام غنام قد صنع صنيع الجاحظ ذاته حيث أضاف على مستوى الإخراج طريقة خاصة تبتعد عن الكتب وتبتعد عن افواه المعلمين في هذا الفن وهذا ما تؤكده أعمال المرحلة الثالثة له وأهمها "ليلك ضحى" و"سأموت في المنفى" فنجد أنه يعتمد على جمع ظواهر مجتمعية ثم يعيد ترتيبها ليصيغ منها تحفة فنية كأنما نفخ فيها من روحه ليكون منها مخلوقه الجديد الذي له صلة بماضيه لكنه يحمل هوية غنام وينسب من جديد وينتمي له.

غنام يميل في معظم أعماله إلى التناص مع قوالب مألوفه حتى ينال عرضه المسرحي قبولا أكبر ومن ذلك صوت فيروز لكنه يذهب إلى أبعد من هذا حين نتأمل أن تناصه في معظمه موسيقيا مع أغاني ومعزوفات فيروز لإن هذه الأخيرة تمثل صوتا له امتدادت حضارية وإنسانية يدين الفن العربي في وجوده الحداثي إلى تفاصيله وإبداعاته وحتى انه يمثل أيقونة إنسانية بديعة لا يختلف إثنان على نزاهته وخلوصه من نزعات التعصب وغير ذلك من الأشكال السلوكية المتطرفة.

وإن كان ثمة كلمة حق يمكن قولها في حق هذا الفنان الذي أخلص في فنه فهي أنه قد تسامى كثيرا حتى سمى على جرحه وسمى في ذات الوقت على الشكل الفني السائد في الأعمال المسرحية العربية.

كأمر شخصي لو أن الزمن يعيدنا إلى عصور الشعر الذهبية أي عصور ما قبل الإسلام وكان للمسرح حضور إلى جانب الشعر وكان لكل عاشق للمسرح الحرية في التتلمذ على يد مسرحي سابق في ظل غياب الأكاديميات الفنية الحاضرة اليوم لما وجدت أفضل من هذا الفنان للتتلمذ على يديه وإعادة إنتاج أعماله وتقليد نهجه قبل أن أكتشف ذاتي وأحقق وجودي بعد مرحلة الرواية هذه ففي الحقيقة إننا نعيش تلك الحالة التعليمية القديمة في ثوب جديد فالمناهج الفنية التي تدرس المسرح متشابهة والفنانون يشبهون شعراء العصر القديم في تفاصيل رواية الشعر والتتلمذ على أيدي من سبقوهم ورواية أشعارهم ثم بعد حالة التقليد والرواية تتكون ذائقة خاصة لكل راو وتلميذ ليكون شاعرا قائما بذاته فيما بعد.

أخيرا أقول أن غنام غنام ظاهرة فنية قلما نجد نظيره في العصر الحديث وثلاثة أرباعه مكون من غير ذاته لكن الأجمل في تفاصيل هذه الظاهرة أنها تحمل في حناياها الحياة الجماعية وتشير في نتاجها إلى سياقات شمولية تمثل حقبة زمنية بكل مافيها من خير وشر وصراع بينهما أما قرار معرفة غنام غنام فهذا شأن آخر يحتاج إلى تأمل الحاضر الذي تسرب إليه والماضي الممتد فيه والمستقبل المشرق بدواخله.