اخر الاخبار:
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

صور بغداد الافتراضية في المخيال اليهودي العراقي// نبيل عبد الأمير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

عرض صفحة الكاتب

صور بغداد الافتراضية في المخيال اليهودي العراقي

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

    المنجز الفني ليهود العراق يتضمن صور الحنين والاعتزاز بالهوية الثقافية العراقية, وهو الوطن الأم, من خلال الأفلام السينمائية واللوحات التشكيلية والموسيقى والغناء الأصيل, فذاكرة يهود العراق تمثل انعكاسات الحنين إلى أرض الوطن من الجيل الثاني والثالث, وتمسكهم بالموروث المكاني واسترجاع الفضاء البغدادي والتمسك بالهوية البغدادية.

 

    صدر حديثاً عن دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر والتوزيع في بغداد للدكتورة خالدة حاتم علوان كتابها الموسوم (صورة بغداد الافتراضية في المخيال اليهودي العراقي), وهو الكتاب الرابع في توثيق تاريخ يهود العراق الأدبي والروائي, الكتاب يحتوي على (252) صفحة من الحجم المتوسط, وهو دراسة في تمثلات سرد الفضاء التاريخي في المنجز الفني للأفلام واللوحات والموسيقى لأبناء يهود العراق.

 

    الكتاب يتضمن ثلاثة فصول, الفصل الأول يخص التعليم في مجال السرد البصري لاستعادة المكان من خلال الافلام الوثائقية التي انتجها يهود العراق, وتؤكد الدكتورة خالدة حاتم علوان حول اهتمام يهود العراق بالأفلام الوثائقية في هذا الكتاب, ففي صفحة 52 من الكتاب تذكر الدكتورة قائلة :"يبدو اهتمام يهود العراق بإنتاج افلام وثائقية اكثر من روائية يعود لجملة اسباب, ربما في مقدمتها اشراك طبقة واسعة من المجتمع بوصفهم الجمهور المتلقي", فضلاً عن أن الافلام الوثائقية تعتبر جزءاً من وسائل الإعلام التي تساعد على استيعاب وحفظ التراث والتاريخ ليهود العراق, تلك الأفلام التي سلطت الضوء على ماضيهم, والعلاقات الجمعية مع ابناء العراق, والذاكرة العراقية, وتصوير الواقع في ممارسة نشاطهم في المجتمع العراقي وسيرة الطائفة على وجه العموم, فهيَ أفلام سيروية أكثر منها تاريخية.

 

    بحثت الدكتورة خالدة حاتم في مجال أربعة أفلام تمثل لشخصيات متنوعة, منهم السياسي والفنان ورجل الأعمال والروائي والصحفي, ففلم (إنسَ بغداد), وفلم  (عراق رويال), وفلم (ظل في بغداد), وفلم (تذكر بغداد). تلك الأفلام الأربعة تمثل موضوعة المكان والهوية, وتركز على معاناة اليهود العراقيين بالانتماء للهوية العراقية.

 

     إذ بينت د. خالدة أهمية الأفلام وثائقياً, وتعريف الجمهور بالشخصيات الرئيسة والمخرجين والمصورين للفلم وأماكن التصوير والمواضيع التي تدور حولها الأفلام, لكن من المؤسف نجد أن الطائفة اليهودية وعلى مدى تاريخها الرافديني قد غُيبّت في المناهج الدراسية العراقية والمنتديات الثقافية, وكل مل يَمت بصلة لهم كمكوّن ضمن مكونات الشعب العراقي الذي عاش في أرض بلاد الرافدين زهاء أكثر من 2600 عاماً, حتى الرحيل القسري عام 1951م, وتفريغ العراق منهم عام 1974م.

 

   كانت اللغة الغالبة في الأفلام اللغة العربية وخاصة اللهجة البغدادية المؤطرة لعمليات الاستذكار في تلك الأفلام. تؤكد د. خالدة في صفحة 74 من الكتاب حول اللهجة البغدادية ليهود العراق قائلة :" لقد كان من جملة ما انماز به يهود العراق هو التحدث باللهجة اليهودية البغدادية أو اللهجة البغدادية التي لا يزالون يتكلمون بها في بيوتهم حتى اليوم في إسرائيل", وهذا ما يتجسد في حواراتهم داخل بيوتهم مع أفراد العائلة, فضلاً عن متابعة أخبار العراق والسماع للأغاني العراقية التراثية, كما أن للغة العربية واللهجة البغدادية المخففة تشير إلى تمسكهم بأرض الوطن, علماً أن اللهجة البغدادية هي الأكثر وضوحاً مع شخصيات فلم (إنسَ بغداد), وكأنهم لا يزالون يعيشون في بغداد, لذلك يؤكد شمعون بلاص في حواراته في الفلم عن ما تختزنه ذاكرته في العراق, واصفاً إحدى نقاشاتهم في الخلية الحزبية الشيوعية وبلهجة بغدادية واضحة قائلاً :"لأول مرة, في أول اجتماع مع الخلية الحزبية, لمَن رحت بگهوة شعبية جداً ومكتوب عليها خاص للإسلام (يضحك) وآني جاي دا اقره كتب, يعني مثقف (يضحك) فـ... رئيس سكرتير الخلية كان مدرس, إنسان لطيف جداً, گلي احنا هسه دنتباحث بأشياء فلسفية وكذا, شوف دنبحث الفرق بين المثالية والمادية, اشنو الفرق؟ گتلة المثالية رجل يحجي مثالي ومثل عليا وما ادري شنو, والمادية واحد يجري وراء المادة, اشوف دا احجي وساكتين كلهم, اشو هذا شويه (ديبتسم), گلي أي صحيح بس هذا تفسير من ناحية أدبية (يضحك)", من خلال حديث بلاص تبدو المفردات البغدادية لا تزال تسكن في قلوبهم.

 

    لقد عالجت الأفلام الوثائقية موضوع الهوية والحنين للعراق, فضلاً عن اهتمامهم ببغداد والحنين إليها من خلال نتاجاتهم السردية والبصرية والتشكيلية, كما شملَ تداولهم لأسماء مناطق سكناهم في بغداد من أحياء (قمبر علي, الدهانة, المسبح, البتاوين, حنون). كما ينقل لنا فلم (ظل في بغداد) لبطلة الفلم ليندا عبد العزيز منوحين الأماكن التي عاشت فيها فترة طفولتها وشبابها حتى هروبها من العراق, فالعاصمة بغداد بدءً بساحة النصر وانتهاءً بمنطقة المسبح.

 

   أمّا فلم (تذكّر بغداد) لبطل الفلم إدوين شكر ورحلة ذهابه إلى بغداد وزيارته لبيتهم القديم فيها, ذلك البيت الذي وجده إدوين معروض للبيع من خلال رحلته, وكانت رغبته الكبيرة بشراء البيت, فهو يمثل مرتع الطفولة والشباب وذكرى العائلة والوطن الأم, فكانت ذاكرته وقّادة في تحديد مكان دارهم في العاصمة بغداد, كان لنهر دجلة الذي يشكل خصوصية وقدسية لإدوين شكر ولأبناء الطائفة اليهودية العراقية, فقد مَثّلَ غصة في قلوبهم, إذ كانت ساحة لممارساتهم الاجتماعية وشاهداً على براءة الأيام الماضية ونقائها من الحقد والكراهية بين الطوائف.

 

    المكان والأزقة والأحياء لها مكانة عزيزة في المخيال اليهودي العراقي, الذي يؤشر عمق التماهي مع الوطنية, من تلك الممارسات هي الجلوس في المقاهي وممارسة العاب شعبية شهيرة اهمها (الدومينو والطاولي), ففي فلم (عراق اندرول) وعبرَّ رحلة الفنان والمسيقار (دودو تاسا) في المقاهي العربية التي يرتادها العراقيون بكثرة, ولا سيما المقاهي التي تطل على نهر دجلة, ونزهتهم بالزوارق واكلة السمك المسگوف.

 

   الأفلام الوثائقية تعرض صور التعايش السلمي الذي كان سائداً في بغداد والمدن العراقية من وجهة نظر شخصيات الأفلام, والأحياء التي سكنها يهود العراق كانت مختلطة ومتنوعة الهويات الدينية, وهذا يمثل التمدن والتحديث الذي شهده المجتمع العراقي. من خلال متابعة الفلم يحاول الأبن الأصغر للفنان صالح الكويتي (شلومو/سليمان) أن يوضح لـ(دودو) حفيد داود الكويتي لأبنته كارميلا ما معنى أن يهدي الملك غازي ساعته لعازف يهودي؟ واستيعاب تلك العلاقة واسبابها, إذ يشرح لهُ المكانة التي حظي بها جده صالح الكويتي من قبل الملك غازي في وقف التصادم والعداء النازي للديانة اليهودية, فلم تكن الهوية الدينية عائقاً أمام الملك في التعبير عن محبته وتقديره للأخوين الكويتي.

 

   فلم (عراق اندرول) قدمَ الصورة السلبية للآخر ممثلة بتوجهات رئيس الوزراء العراقي (توفيق السويدي) بتجريد العراقيين اليهود من ممتلكاتهم كافة ومصادرة اموالهم وترحيلهم إلى إسرائيل. كما تسلط بطلة فلم (ظل في بغداد) السيدة ليندا عبد العزيز منوحين حادثة إعدام اليهود أثر اتهامهم بالتجسس لصالح إسرائيل حقبة نهاية ستينيات القرن الماضي في ساحة التحرير وكيفية رقص الآخر على اجساد الضحايا, كانت في تلك اللحظة من السهولة أن يتهم النظام لأبناء العراق من اليهود بتهم الجاسوسية والعمالة, تلك التهم البائسة التي ذهب ضحيتها ابناء العراق الأنقياء.

 

     كان لتولي حزب البعث السلطة في العراق دور كبير في عمليات الاضطهاد لأبناء المكون اليهودي, ومساهمة عناصره وقوى الأمن من الملاحقات والاختطافات والاعدامات العلنية والسرية, واستمرار موجة الاضطهاد حتى عام 1972م حين اختطف المحامي عبد العزيز منوحين والد ليندا ولم يعثر عليه حتى هذه اللحظة.

 

   أما الفلم الرابع (مطير الحمام) أو (المطيرجي) للروائي إيلي عمير, تذكر الدكتورة خالدة حاتم في صفحة 105 من الكتاب قائلة :"يستند الفلم إلى رواية مطيرجي في بغداد وتتحدث عن حقبة الأربعينات وبداية الخمسينيات في بغداد التي تعد من السنوات الحرجة في تاريخ يهود العراق, بدءً بحادثة الفرهود عام 1941 وتداعيات إعلان دولة إسرائيل وصراع التيارات الفكرية آنذاك في الساحة العراقية, وتحديداً الحزب الشيوعي العراقي والمنظمة الصهيونية المحظورة في العراق", لكن الكاتبة د. خالدة تناست دور منظمة (عصبة مكافحة الصهيونية) وهي الواجهة للحزب الشيوعي العراقي ودورها في مكافحة التنظيمات الصهيونية ومنها التنوعة وانتماء بعض يهود العراق إلى هذه المنظمة اليسارية وإلى تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي.

 

    الفلم يسلط الضوء على طبيعة المجتمع اليهودي العراقي وطقوسه وتقاليده وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين ابناء الطائفة من جهة وبين المسلمين من جهة أخرى, كل ذلك يقدم من خلال البطل الشابي (كابي) (دانيال كاد) ذي الـ16 عاماً. الفلم يمثل حياة الطائفة اليهودية البغدادية باللغة العربية, للمخرج نسيم دّيان, وقد ترجم إلى اللهجة اليهودية البغدادية من قبل الممثلة اهافا كيزين.

 

    أحداث الفلم توضح واقع حال يهود بغداد بين الأعوام 1948- 1951م أي منذُ إعلان دولة إسرائيل حتى اقرار قانون إسقاط الجنسية العراقية عن ابناء المكون اليهودي العراقي وتهجيرهم القسري وتداعيات الوضع السياسي المتأزم في المنطقة وقتذاك.

 

    الفلم وثقَ واقع حادثة الفرهود عام 1941م وحادثة إعدام التاجر شفيق عدس وأخيه, كما وضح الفلم ضلوع الحكومة العراقية آنذاك بمؤامرة الترحيل القسري حتى وصل الأمر باستخدام القوة والتهديد والوعيد لترحيلهم من خلال التفجيرات التي حصلت في تلك الحقبة, كما يركز الفلم على حملة الاعتقالات التي طالت افراد المنظمة الصهيونية تنوعة.

 

   مخرج الفلم يصور السجن المركزي في منطقة باب المعظم بحيطانه القديمة ذات الألوان الباهتة وحجمه المتسع والوان الكآبة والتشاؤم وفقدان الأمل في هذا السجن الرهيب للسجناء السياسيين. كما يوثق فلم (المطيرجي) الحياة الاجتماعية ليهود بغداد ورفضهم للعادات والتقاليد المتحررة, وتعنيف (راشيل) بسبب ملابسها المتحررة التي لا تتلائم وطبيعة المكان الذي يعيشون فيه. ومن جملة الممارسات الاجتماعية التي يوثقها الفلم ما يتعلق بالألعاب الشعبية ومنها (الدومينو) و(الطاولي), فضلاً عن دور التنظيمات الصهيونية والشيوعية التي اعتنق فكرها بعض يهود العراق ورفضهم الهجرة إلى إسرائيل. كما بين الفلم تمسك العائلة اليهودية بأرض الرافدين ورفض (نعيمة) والدة (كابي) وزوجة (سلمان) الذي تبنى زوجها المشروع الصهيوني من الهجرة الجماعية, فحين يخبرها سلمان بقرار الهجرة تنتفض وتجيبه بانفعال ورفض قاطع للهجرة (أنا اظل هون وية اجدادي واجداد اجدادي), إذ تؤكد قِدَم وجود الطائفة اليهودية في العراق, كما تدخل في صراع مع زوجها الذي يحاول اقناع ولده (كابي) بالرحيل والعمل من المنظمة الصهيونية. كما جسد مخرج الفلم الملابس البغدادية العربية كالدشداشة والكوفية التي يلفها (ابي صالح) بطريقة تميز بها العراقيين.

 

   أما الفصل الثاني من الكتاب فيتطرق إلى الذاكرة البصرية واستعادة الفضاء البغدادي في الفن التشكيلي للوحات التذكارية من بغداد للفنان العراقي إيلي سودائي تضم ما يقارب الـ(26) لوحة عمدت د. خالدة إلى تحليل كل لوحة على حِدَة للوقوف على خصوصياتها, وقد شاهدت بعض تلك اللوحات على جدران أحد دور العرض السينمائي في بغداد, التي انشأتها عائلة سودائي.

 

    أما الفصل الثالث فقد خصص في الكتاب للتوثيق الموسيقي والغناء من قبل د. خالدة حاتم, كان للأخوين صالح وداود الكويتي الدور في الحفاظ على اسس المقامات العراقية, فلقد طور الموسيقار صالح الكويتي نغم مقام اللامي ووسع مساحته, وبعد رحيل الأخوين صالح وداود الكويتي استعاد الموروث الموسيقي حفيد داود الكويتي مطرب الراب (دودو تاسا) الذي يمثل الجيل الثالث من الذين ولدوا في إسرائيل لأبوين عربيين.

 

   تذكر د. خالدة حاتم في صفحة 211 عن دودو تاسا قائلة :"اصدر البومه الأول من العام 2011 واطلق عليه اسم (دودو تاسا الكويتي), وحظي بإعجاب وقبول كبيرين, فيما اصدر البومه الثاني (على شواطي دجلة) في العام 2015", إذ نجح دودو في تأدية الأغاني باللهجة البغدادية, وبسبب نجاحه وجهت لفرقتهم دعوات عدة لإلقاء عروضهم الغنائية في فرنسا عام 2012م وفي هولندا عام 2016م, مما عمدَ دودو تاسا إلى توثيق موروث جدّه الفني عبرَ الفلم الوثائقي (عراق رويال) عام 2014م, فقد خلق حوارية موسيقية بين الحانه والحان جدّه في محاولة اغناء هويته الثقافية الجديدة.

 

   الكتاب يبين اهتمام الدكتورة خالدة حاتم علوان بالموروث السينمائي والتشكيلي والغنائي ليهود العراق, فقد اسفر الكتاب عن اهمية ودور يهود العراق في مجال الفن, وعن دراسة واهتمام الجيل الثاني والثالث من يهود العراق في المهجر بموروثهم الفني ونجاحهم في توظيف السرد البصري اسلوباً لخلق الذاكرة الجديدة عبرَ استدعاء الفضاء البغدادي بمصداقية تسجيلية وثائقية عالية. لكن لا ننسى أن الكتاب فيه بعض الأخطاء المطبعية ولكنه ذات اخراج جميل ورائع من ناحية الطباعة والغلاف, إذ تنسجم صورة الغلاف مع مضمونه.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.