اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

عشوائيات في الحب– العشوائية40: عَنْهنَّ أكتب– الجزء3// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب 

عشوائيات في الحب– العشوائية 40: عَنْهنَّ أكتب– الجزء الثالث

د. سمير محمد ايوب

 

يبدو أنَّ البئرَ الذي كنّا نجلسُ في حرَمِهِ، هو المَورِدُ الوحيدً للماء في تلك الناحية. ما أن أتمَمْتُ مَلءَ إبريق الفَخّارِ من ماءه لنشرب، بدلوِ المطَّاطِ المُستَخْلصِ مِنْ بقايا دواليبِ السيّارات، تابَعتُ نَشْلَ الماءِ وصَبِّه في جرنِ البِئر، لِسُقيا غنمِ مُضيفَتي.

 

إلتَفَتَتْنا معا فجأة ، صوبَ صوتِ امرأة خمسينية تُحيّينا ، بعد أن نزلت عن ظهر حمارها العَفيٍّ كأنّه حصان ، مستأذنة ملء قِرْبَتين بالماء . علمتُ وأنا أتابع نشلَ الماء ، أنّ السيدةَ نحّالَةٌ تتجه يوميا بمثل هذا الوقت ، إلى تفقُّدِ مِنْحلَتَها الموزعة فوق الأرض المجاورة .

 

قبل أنْ أتمَّ ملء القِرَبِ بالماء ، أقبَلَتْ علينا مِنَ الناحية الغربية ، فتاتان تمشيان على استحياءٍ مع بضعِ شياه . بعد تبادل التّحايا ، أخبرتنا الصغرى كما خمَّنْتُ ، أنّهُما تنتظران انتهائي ، ليستعيرا الدّلوَ لتسقيا أغنامهما . فَسقيتُ لهُما .

 

بعدَ مشقّةِ السُّقيا ، لجأتُ إلى شجرةِ تينٍ إحْماطيٍّ قائمة قرب كومة الطين بعيدا عن حواف البئر ، لأعِدّ إبريق الشاي ، بانتظار تجهيز طعام الافطار الذي ستنكب صديقتي الراعية على إعداده . وسرعان ما اتفقت النسوة الأربع على أن نتناول إفطارنا معا هنا .

 

ما أن ذهبت النحالة إلى مِنحلَتها لتحضر شيئا ، فتَحت مُضيفتي صرَّة الطعام ، وتناولت منها رأس بصل فَحْلٍ ، وبضربة واحدة بقبضة يدها اليسرى فَغَشَتْه ، و تابَعت تقطيعَ حبات البندوره البلدية والخيار البَعِل بشبريّتِها ، وفي دِبْسِيّة من الألومنيوم ، خلطَتْ البصل والبندورة والخيار المقطع ، مع الزيت والليمون ورشة ملح ، ومن ثم تناولت علب الخاثر والزيتون الأخضر والزعتر وخبزَ الطابون .

 

وما هي إلا دقائق ، حتى عادت من خمّنْتُ أنّها الصغرى من الأختين  تتقافَزُ كالحجل ، وهي تحمل علبة من الزبدة البلدية ، وأقراصا من الجبن الطري ، وخبز شراك طازج . وعادت النحالة على عجلٍ من مَنحلتِها ، تحمل قُرصا من شهدِ العسل الجبلي الداكن ، في صينية من الستانلس اللامع ، مع رزمة من خبزالتنور البلدي .

 

تمّ توزيع الأكل على قطعة قماش ناصعة البياض تم بسطها فوق العشب : سلطة الرعيان ، لبن خاثر ، زيتون أخضر ، زيت الزيتون والزعتر ، وعسل الجبل ، وجبن وزبدة كركية بيضاء ، وتناثرت حول الطعام ، كاسات الشاي الغامق مُسبقِ التحلية ، متجاورة مع الكثير من خبز الطابون والشْراك والتّنور .

 

قبل أن نبدأ متعة الأكل ، تراقصت من حولنا عصافير ، تطالب بشي من فتات إفطارنا . إستجبنا فَرِحين . تسابَقَتِ العصافيرُ دون خوف أو وجَلٍ ، لالتقاط ما نَثرْنا منْ فُتاتٍ حولَنا . وازداد فرحُنا حين تناهى إلى أسماعنا ثانية ، صوتُ النّاي من البعيد .

 

مع تكرار كاسات الشاي ، حدّثتنا النحّالةُ وهي تترحّمُ على والد صغارها الثلاث ، أنّها بعد رحيله المُفاجئ ، لَمْ تستسلم للحاجةِ ولا للشكوى أوالتذمر . شمّرَت عن ساعديها ، وباعت مصاغَها ، ومع قرضٍ حَسَنٍ من جارتها مديرة المدرسة ، أسّسَت منحلا بسيطا في البداية . سرعان ما بارك الله جهودَها وأمانَتَها ، فاتّسَعَ . وباتَت مشهورةً في المنطقة ، بعسلِها الموثوق به وبملحقاته .

 

أمّا الفتاتان فلهما حكاية أخرى ، كما قالت عنها بفرحٍ الأخت الكبرى . أنا أمَلْ واختي هذه رِضا ، توأمٌ مِنْ أسرةٍ فقيرة . بتشجيع من أبينا الطاعن بالسن ، بعد رحيل والدتنا يرحمها الله ، التي كانت تعمل جَبَّانَةً بالأجر عند آخرين ، وبعد نجاحنا في الثانوية العامة ، بعد أشهرٍ قليلة من رحيل الوالدة ، ولِنُمكِّنَ أختنا نجاح من استكمال دراستها الجامعية ، إستثمرنا خبرة أمِّنِا وسمعة أبينا ، في تأسيس مجبنة في المدينة . توسّعت فنقلناها إلى هُنا ، بالقرب من مصادر الحليب . أتْقنّا عمَلَنا وأخلَصنا به . بِتْنا معروفتين بإنتاج أجود أنواع  الجبن والزبدة والسمن والمخيض والجميد . نبيعه تواصِيَ لزبائن مستدامين . وأبشّركم أنّ أختَنا الثالثة نجاح ، وهي أكبرنا الثلاثة ، ستتخرجُ صيفَ هذا العام ، مهندسة في التصنيع الغذائي .

 

قبلَ أنْ نتواعد على تكرار هذا الأفطار كلّما لاحَتْ لنا فرصة ، إلتفتَتْ مُضيفتُنا المهندسة الراعية إلينا جميعا وهي تقول : أمّا أنا فليَ حِكايةٌ أخرى ، يُسعدُني رِوايتَها لكم الآن . ولكن ، إسمحوا لي بدقائق قليلة ، أطمئنُّ بِها على قيلولة غَنَمي . وجَدَتْها كالعادةِ في قيلولَتِها مُتلاصقةً مُتراصَّةْ كأقراصِ الجبن ، ومِنْ ثَمّ قالت وهي مُطْمَئِنّة : ....

 

للحديث بقية ...

الأردن – 22/6/2020 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.