اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

أنا مع الحسين: قصة قصيرة// حسين السنيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

أنا مع الحسين: قصة قصيرة

حسين السنيد

ملاحظة : لا اعرف اذا كانت هذه القصة حقيقية ,او ضرب من الخيال !! لكني وجدتها يوما مكتوبة بين دفاتري...

 

فتحت عيني مهلوعا مرتجفا على صوت دوي سقوط قذيفة مدفع قريبة, هزت جدران البيت ,بحركة سريعة قمت من مكاني. نظرت الى الساعة المعلقة على الجدار وكانت تشير الى السابعة. كنت قدغفوت قبل نصف ساعة من شدة التعب ,اذ ما ذاقت عيوني طعم النوم طيلة اليومين الماضيين, لم ينقطع خلالهما قصف احياء المدينة.

-    امي ... امي ... ضحى ..آية 

-    نحن هنا

في الغرفة المجاورة كانت امي تتربع على الارض واخواتي الصغار –ضحى وآية – يرتمين في حضنها بضعف بادي عليهن ووجوه شاحبة, حتى هاتان الطفلتان اخذن نصيبهن من خوف اليوميين الماضيين.

قبلت رأس امي وجلست بجانبها .

-    ستنتهي قريبا .. لا تخافي .

ردت علي امي بحركة رأسها في حين كانت اناملها تسبح بمسبحتها السوداء الطويلة.

بقيت جالسا وقد غصت بتفكيري في بحر مجنونة امواجه ,كنت اشعر بأني معلق, فاقدا وزني ,والعجز قد تمدد في كل خلايا عقلي .لم يتبقى الشيئ الكثير من مؤونة البيت ,ماذا سأفعل اذا استمر القصف اكثر من هذا؟ بطفلتين جائعتين مريضتين وام عجوز ؟ فانا اب هذه الاسرة بعدما اغمض ابي عيونه للأبد قبل اربعة اعوام.

نهضت واتجهت نحو السلم المؤدي لسطح البيت محاولا الهرب من هذه الافكار التي كانت تضرب كالطبل في رأسي.

نادت امي : الى اين ماما؟

-    لاتخافي ,فقط اريد ان ارى مايحدث؟

-    انتبه .. انزل بسرعة .

صعدت فوق سطح البيت حيث كنت استطيع ان ارى مدى واسع من المدينة ,وقد ادهشني المنظر .. اعمدة الدخان كانت تتصاعد من كل مكان , هذه البناية تحترق وتلك تهشمت زجاجها وآثار الرصاص واضح عليها.المدينة بأكملها كانت تتنفس الموت و تصرخ تحت ضربات سوط الجلاد ..

قمت اتفحص بنظري البيوت القريبة منا , بعض البيوت كانت مشرعة الابواب والشبابيك بعد مداهمتها و تركها بعد ذلك خاوية على عروشها , وبيوت اخرى كانت مقفلة الابواب ,فبعضهم ترك المدينة حاملا ماتبقى من ايامه بين راحتيه,ليلجاء عند اقاربه في القرى النائية اوالمحافظات البعيدة.

درت بنظري بكل الاتجاهات .. وفي لحظة اخرى تسمرت انظاري ,لم اصدق ما ارى .. يا الهي انه بيت جارنا "ابواحمد" تتصاعد منه السنة النيران , بدء كل جسمي يرتجف و اسرعت فزعا و نزلت السلم بقفزات طويلة و هممت بالخروج من البيت.

صرخت امي : الى اين ؟؟

دون ان اتوقف او التفت لها قلت : بيت ابواحمد يحترق

امي : لا تروح ..امي ..اصبر ..اصبر

لم انتبه لكلام امي ولم اتوقف ورحت اركض بالشارع باقدام حافية كالمجنون ,ناسيا الحرب و القصف ونفسي.

كان هدفي كله في تلك اللحظات الوصول لدار ابواحمد , جارنا .. صاحب الدين والخلق ..والد خطيبتي "فاطمة" , التي احببتها و وصلت لها بعد قصة حب طويلة وحارقة.. ااااه فاطمة ..فاطمة ..كم احبك.

كنت اركض بكل ماعندي من قوة , ولم يملاء شيئ عيوني سوى وجه حبيبتي فاطمة.

لا اعرف كم استغرقت من الوقت لاصل لبيتهم , و لكن وجدت نفسي امام  البيت ,وكان الباب نصف مفتوح..دخلت البيت بخطوات مرتعشة و اول ما شاهدت ..النخلة, و قد شب النار فيها,فاغرورقت عيوني بالدموع رغما عني ..وبدت لي النخلة ترقص مع النيران.

-    ابواحمد ..يا عمي ... ,يا عمي ... يا خالة ... فاطمة

ناديت ثم رحت افتش الدار ولم اجد سوى الخراب ..زلزال مدمر ضرب البيت وسرق اهله معه ..لم يبقى شيئ في البيت على حاله ..في احدى الغرف عثرت على قرآن فأخذته وقبلته و رجعت لاقف امام النخلة التي اتشحت بالسواد حزنا على اهل بيتها.

-    هل تم اعتقالهم ؟ هل تمكنو من الهروب؟ اين حبيبتي الآن؟؟

كانت هذه الأفكار تاخذني لحد الجنون , كان بودي ان اصرخ و امزق ملابسي..كانت رغبتي شديدة بان ابكي بصوت عالي.

-    ارفع يديك..

صوتا خشنا لا اعرفه , ادرت وجهي ..رجل عسكري,يتصبب عرقا و وجه قد احمر ,محاجره كانت تبدو فارغة من العيون ..مصوبا بندقيته الغاضبة نحوي.

صرخ مرة اخرى : ارفع يديك يا احمق ..اما تسمع؟ ادر وجهك صوب الجدار..هيا

رفعت يدي المرتجفتين و ادرت وجهي دون ان اتكلم..

اقترب مني العسكري بخطوات محتاطة.

-    من انت؟ ماذا تريد هنا؟

-    لاشيئ ..لاشيئ ..جئت لأطمئن على اهل الدار ,انهم اقاربي

-    هااااااا ..اذا انت معهم ,قل الحقيقة

-    لن اخفي عليك شيئا ..انهم اقاربي وانا اسكن الزقاق المجاور

صرخ العسكري:

-    اخرس . ثم اتبعها بسلسلة من الشتائم

قلت له في محاولة لكسب وده : اسمع ..ساعطيك ما تريد ..فقط دعني اذهب

ثم استدرت نحوه بهدوء ,في اقل من لحظة تلقيت ضربة منه على رقبتي ,افقدتني توازني فجثوت على ركبتي ..بدأت اشعر بالدوار ..قلت بصعوبة:

-    دعني اذهب ..ارجوك ..امي وحيدة ..اخواتي

فنزلت الضربة الثانية الحاسمة باخمص البندقية على رأسي ,اوقعتني على الارض ..فاظلمت السماء و لم احس بشيئ بعد ذلك.

***

حين وعيت كنت ارى ماحولي مشوشا, احدهم يقبض بيدي من الخلف ويسحلني على الاسفلت الحارق , بصقت ماتجمع من دم في فمي  و استجمعت باقي قواي ,حاولت ان افهم اين انا و مايجري من حولي.

ادرت رأسي يمينا ويسارا فوجدت الكثير من العسكريين ..

صاح احدهم :

-    سيدي ..سيدي ..وجدناه في بيتهم و يقول انه اقاربهم .

تقدم نحوي احدهم وكان يحمل رتبا على كتفيه ..انحنى و بحلق لثواني في وجهي ثم قال :

-    ماذا كنت تريد هناك؟

تكلمت بصعوبة :

-    لاشيئ ,دعني اذهب ..امي واخواتي بحاجة لي ..اتوسلك

ضحك بخباثة ..و ضغط ببسطاله  على رجلي المدماة .. فصرخت من شدة الالم .

-    كلكم تقولون هذا ..كلاب ..عملاء

رفع بسطاله عن رجلي و ركلني بقوة على وجهي .. اغمي علي مرة اخرى.

***

عندما افقت , وجدت نفسي على متن سيارة حمل كبيرة ,مع مجموعة كبيرة من الناس ..قلبت الوجوه من حولي ..شيوخ وشباب و حتى نساء وبعض الاطفال , والايادي كلها مقيدة ..

التفت لشيخ يجلس بجنبي , كانت لحيته طويلة بيضاء و وجه سمح.

سألته :

-    الى اين يأخذوننا؟

-    لاعليك ابني ..لاتخاف

وبعد لحظات من السكوت اردف  :

-    ان الله ارحم الرحمين , هولا ينسى احد..

السيارة تسير في الصحراء حاملتا على ظهرها وجوه من الرماد..لملمت نفسي في حين بدأت الدموع تنزل من عيوني ..كنت تائها تماما ,لاحد اعرفه ولا اعرف اين انا ؟ماذا سيحل بي؟ والى اين ذاهب؟ وماذا سيكون مصير امي و اخواتي الصغيرات؟ وماذا حل بحبيبتي فاطمة؟.

شعرت بدفئ يد على كتفي ..التفت وكان الشيخ و قد شرقت ابتسامة على وجهه.

-    ربما نذهب للحرية ياولدي ..لاتقلق سنكون بخير.

احمرت السماء و الشمس عزمت ايضا ان تغيب  وتتخلى عنا لتتركنا للذئاب والظلام . توقفت السيارة في مكان اجهله و قام الجنود بانزالنا من السيارة بالركلات و الشتائم ,تفاجئت بان المكان مليئ بالعسكريين و الآليات والدبابات و عدد من البلدوزرات . كما اننا لم نكن الوحيدين هناك ,بل تم نقل عدد من السيارات المليئة بالمعتقلين الذين لم يعرفو باي ذنب اعتقلو كما كنت انا .

اجلسونا على الارض بشكل دائرة كبيرة فيما كان ينتشر الجنود بيننا وخلفنا مدججين بالاسلحة نازعين جلدهم البشري ,فما كان جوابهم لتوسل المرأة الخائفة او العجوز العطشان او الشاب  المرتجف خوفا الا الشتائم او ضربات من هراواتهم.

وبعد مضي وقت ليس بالقصير وحين حل الظلام تماما ,وصل موكب ضخم من السيارات العسكرية  ,ترجل من احد السيارات شخص كان واضح بانه مسؤول اعلى على كل العسكر الحاضرين. التف حوله المسلحين وقامت التحيات العسكرية تضرب من كل اتجاه وسط ترقبنا بعيون تائهة له. شق طريقه وصار في منتصف الساحة ,كنت الان استطيع ان اراه على ضوء الانارة المنعكس من مصابيح السيارات المنتشرة حولنا..رجل ضخم بشوارب عريضة وطويلة والرتب على متنه تتراقص حمراء اللون.

بدء يتكلم بصوت عالي :

-    اسمعوني ... اسمعوني

و تلوه الجنود المنتشرين حولنا : اسمعوه ..اخرسو ... اسكتو

و بعدها اكمل:

-    نحن نعلم ان الكثير منكم ممن شاركو في هذه المؤامرة هم بينكم الان , كما بينكم من هو بريئ ,فمن يعطينا معلومة عمن هو خائن لوطنه وشعبه ..تركناه ليذهب لبيته واهله .. ارونا اياهم ,انتم تعرفونهم .هيا..

غطت الجموع في الصمت .. وهنا تولدت شعلة امل في قلبي ,فالذي لم يعمل شيئا ضد الدولة و الحزب سيطلقون سراحه كما قال القائد.

شق صوت بعيد صمت الناس ,سمعت صوتا يتعالى ويقترب ,ادارت الناس رؤوسها لترى صاحب الصوت ..تعالت الهمهمات ..اقترب ومر من جانبي وكان رجلا يبدو في الثلاثينيات من العمر.

كان يصرخ ويتكلم بصوت مرتجف:

-    يا ناس لاذنب لكم ..لا ذنب لي ,انا اريد اعيش ,مالي بالثورة.

فتحو الجنود الطريق امامه ليصل للقائد في منتصف الساحة .

-    سيدي ..سيدي انا لاعلاقة لي بالثوار العملاء ,هو ..هو من كان معهم وقادهم في مسجد منطقتنا.

و اشر بيده نحو شخص , ارتفعت الرقاب والرؤوس لترى هذا الشخص الخائن في حين ركض الجنود نحوه بسرعة و جائو به لمنتصف الساحة و القو به تحت ارجل القائد ..

-    اذا .. انت معهم ..ها؟؟

اشر برأسه لاحد الجنود الواقفين جنبه ,فقام الجندي وبحركة سريعة بركل العجوز عدة ركلات على بطنه ووجهه.

-    اجبني يا بطل ؟ انت مع من؟ مع الحسين؟ تريد ان تكون شهيدا؟ قل انت مع الحسين او صدام حسين؟؟

رد الشيخ من دون تردد وبصوت عالي سمعه كل الناس : مع الحسين ..

انهارت كلمات العجوز ثقيلة على القائد , فسحب سلاحه بسرعة واطلق رصاصتين على العجوز, توقف العجوز من الحركة على الفور و لكن بقي صوته يتردد في الاذان : مع الحسين.

صرخ القائد و هو يلوح بسلاحه : من منكم مع الحسين؟ من منكم يريد ان الحقه به؟

كان ردنا على القائد الصمت ,ككومة اموات ..وحتى الانفاس كانت تتسرب من الصدور بسكوت .

-    انا مع الحسين ... انا مع الحسين ... انا مع الحسين

كان صوت عالي انطلق من الخلف , انفجر كالبركان والان يمكن ان اراه وبصعوبة ..شاب يركض صوب القائد ,استطاع ان يتجاوز عدد من الجنود فيطرحهم ارضا , يهتف انا مع الحسين .. كاد ان يصل  للقائد لينقض عليه , و لكن رصاصاتهم لم تمهله ,فنزل عليه الرصاص كالمطر ..فاطفاء ناره وخر الشاب على الارض مكفنا بدماء.

سادت لحظات من الصمت القاتل قبل ان يصرخ القائد:

-    من منكم بعد يريد ان يكون مع الحسين؟؟ فاليتقدم

كان القائد اصيب بهستيريا وهجم كثور هائج علينا ,انعكست للحظة ضوء على وجه القائد فرأيت محاجره وكأنها اطباق دم .فمسك احد الرجال من قميصه وصوب سلاحه نحو رأسه :

-    انت مع من؟؟ الحسين؟اوصدام حسين؟

الرجل كاد ان يموت خوفا فرد بصوت مات في حنجرته : لاسيدي ..انا مع صدام ..انا مع صدام

تركه وصوب سلاحه صوب شخص آخر قريب منه : وانت مع من يا احمق؟

-    انا مع صدام ..سيدي صدام

ابتعد القائد بعد ذلك بسرعة وكأنه يهرب فالتف حوله عدد من الجنود وبعد دقائق تحركت سيارات موكبه , وفي لحظات اخراقبل مجاميع كبيرة من الجنود علينا.فدب الموت في المكان وتعالت الصرخات واصوات البكاء .كانت العيون مزيفة مستسلمة للموت المحقق ..حاول احدهم الهروب من قبضتهم فركض باقصى قوته نحو الصحراء ولكنه لم يكن اسرع من رصصاتهم التي لحقته واردته في مكانه. هنا لامفر من الموت ,كلنا استسلمنا لهذا ..

بدأو يقودون الناس في مجموعات من20 الى 30 شخص ويذهبون بهم بعيدا وبعدها نسمع رشقات اطلاق النار.

جاء دوري ,واخذوني مع مجموعة ,فرأيت ان هناك حفرة ,ويوقفونا على حافة الحفرة  وقبل ان يشدو عيوني لمحت الحفرة لاجدها مليئة بالجثث.

ما بقي شيئ امامي ,فهذه النهاية وانا واقف الان على حافة قبر ينادي هل من مزيد؟؟.. مرت بسرعة امامي صورة امي المفجوعة وضحى وآية وفاطمة التي ربما كانت سبقتني للقبر.

 الان الموت يفتح ذراعيه لي ومايزال صوت العجوز والشاب يرن في اذني ,امتزجت بصوت اطلاق الرصاص .. انا لست مع الحسين ,سأموت هكذا..

بدء اطلاق النار ..وقامت الرصاصات المسعورة تتسابق لتسقطنا في الحفرة . اصوات التكبير والبكاء والصراخ المجنون يختلط مع صوت الرصاص المجنون ورائحة البارود ..تشهدت في حين اسمع الواقفين جنبي يسقطون واحد تلو الآخر ,كبستان نخل يهذي فيه فأس مجنون .

سقطو الذين كانو واقفين بجنبي .. الان جاء دوري ..

-انا مع الحسين ...انا مع الحسين.

 

في منتصف الليل .. اعتصر القمر شيئا من ضيائه ,قطراتا وسكبها على الاخاديد الممتلئة باللحم البشري المهروس , ليخمد الجحيم المسعورة هناك .

وبعد استراحة قصيرة للجنود, خلالها غسلو ايديهم واكلو وشربو ودخنو السكائر.

 

عادو .. فوجدو اثر زحف بشري خارج من غيابة الجب وخيط دم متوهج تسلل بعيدا في الصحرا, ليضيع في المدى الرحب .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.