محطات طبية
ملح الطعام .. ما له وما عليه!// د. مزاحم مبارك مال الله
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 22 حزيران/يونيو 2016 10:25
- كتب بواسطة: د. مزاحم مبارك مال الله
- الزيارات: 18466
ملح الطعام .. ما له وما عليه!
د. مزاحم مبارك مال الله
تعرّف الإنسان على الملح منذ ما يقارب ثمانية آلاف عام، فقد وجد الباحثون الأدلة القاطعة على تعامل القدماء مع المياه الحاوية على الأملاح في مياه الآبار منذ ذلك الزمان في مناطق ما يُعرف اليوم برومانيا والصين، وتطور الاهتمام بالملح من خلال معالجة مياه البحار والمحيطات وأصبحت تجارة عظيمة تضاهي تجارة الذهب، كما انه استخدم في بعض الطقوس.
والملح يدخل في التراكيب النسيجية للحيوان أكثر من النبات، ويعد عاملاً مهماً من عوامل ديمومة حياة الإنسان. يستحسن الناس الطعام بوجود الملح فيه، وهو في حقيقة الأمر، تعوّد الإنسان على مذاقه، ولكن بنفس الوقت فالغالبية العظمى لا يدركون المخاطر الشديدة التي يحملها بالرغم من أنه يجعل مذاق الوجبات الغذائية ألذ وأطيب، وحينما نقول (ألذ وأطيب) وذلك بسبب تعوّد البراعم الحسية الموجودة تراكيب اللسان التشريحية الدقيقة عليه وكذا الحال بالنسبة للمذاق الحلو.
الأطباء يعدون الملح من السموم البيضاء، نعم فأن استخدام الملح المفرط أو العشوائي أو حتى بلا تحديد، يجعل أضراره تطفح الى السطح وتشكل خطراً حقيقياً على حياة الإنسان.
كثيرة جداً هي العائلات التي لا تستسيغ استخدام الملح، وكثيرة هي أيضاً تلك العائلات التي لا تعرف للملح استخداماً أخر عدا بضع حبيبيات منه توضع مع المواد الأولية في أعداد وجبة الطعام، وهذا ناتج عن الثقافة الصحية وبالتالي التعوّد على تناول الطعام خالٍ من الملح.
الملح(كما هو)، ليس له فائدة صحية مباشرة، فعنصراه الرئيسيان (الصوديوم والكلور) الهامّان للجسم (و تحديداً عمل الخلايا النسيجية)، يمكن الحصول عليهما من المواد الغذائية الموجودة في الطبيعة ونستخدمها في وجباتنا الغذائية، ويقول العلماء أن ما يحتاجه الإنسان في اليوم الواحد من كلوريد الصوديوم استكمالاً أو تحسباً لعمل الخلايا يعتمد على حالته الصحية، فالكمية تتراوح بين نصف غرام وستة غرامات، علماً أن نصف هذه الكمية يحصل عليها من المواد الغذائية الأولية والتي تدخل في أعداد الطعام، وبذلك فهو ليس مجبر دوماً على إضافة ملح الطعام الى غذائه، وأكثر المواد الغذائية التي تحتوي على كلوريد الصوديوم هي الألبان، الأسماك، خصوصاً البحرية، واللحوم بشكل عام والقمح.
والغريب أن الشركات الإنتاجية تنتج ملحاً وتسوّقه تحت أسم (ملح المائدة)، وهنا مكمن الخطورة حيث تعمل على تثقيف الناس بجعل الملح حاجة لا بد منها على مائدة الطعام أو سفرة الغذاء، فقد أثبتت الدراسات أن أحد مصادر الخطر في الاستخدام السئ للملح هو حينما نضعه تحت الأنظار على المائدة.
ملح الطعام، مركب كيمياوي يتكون في الطبيعة من اتحاد عنصرين حريّن هما عنصر الكلور(Cl) وعنصر الصوديوم(Na) فيتكون المركب كلوريد الصوديوم NaCl، وهو ما يعرف تجارياً بملح الطعام (وقد سمي بملح الطعام لتمييزه عن باقي الأملاح وهي نواتج لآلاف أنواع االتفاعلات الكيمياوية بين مختلف العناصر والمركبات وأغلبها لا يمكن استخدامها من قبل الجنس البشري. كلوريد الصوديوم يكون على شكل بلورات بيضاء اللون، ولكن إذا احتوى على شوائب فأن لونه إما يكون رمادي او اصفر. ملح الطعام سريع الذوبان في الماء وينفصل الى ايونَي الكلور والصوديوم.
فكلوريد الصوديوم بالإضافة الى استخدامه مع الطعام فهو يستخدم كمادة حافظة مانعة للتعفن والتفسخ، والسبب يعود الى أن الغالبية العظمى من الجراثيم والميكروبات لا يمكن أن تعيش في وسط مالح وخصوصاً في التراكيز الملحية العالية، كما أنه يستخدم بشكل واسع في دباغة الجلود.
يتم الحصول على ملح الطعام من ماء البحر الذي يحتوي على مركبات ملحية ذائبه فيه، وهي أساساً موجودة في الصخور والتربة، وماء البحر يحتوي على مركبات الكلور والصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، ويستخرج ملح الطعام تجارياً بتبخير ماء البحر بطرائق خاصة تعزل كلوريد الصوديوم عن باقي أنواع المركبات، بدرجة نقاوة تصل الى 98%( ويضاف له مانع تكتل غير ضار للجسم)، وهناك مصدر أخر للملح الاّ وهو باطن الأرض والذي يحتوي على الصخور الملحية والتي تكونت عبر ملايين السنين. إن اشهر البلدان المنتجة للملح هي الصين وفرنسا والهند وايطاليا واليابان واسبانيا والولايات المتحدة وبريطانيا والمكسيك وكندا.
وبالنظر لسعة انتشار واستعمال ملح الطعام على مستوى سكان الأرض، فتم استغلاله كإجراءات وقائية من قبل منظمة الصحة العالمية لتقليل الإصابة بأمراض الغدة الدرقية الناتجة عن نقص اليود في الطعام، لذا تمكنت الجهات العلمية التكنولوجية الطبية عام 1924 من إضافة مركبات عنصر اليود (الأيودين) اليه، وأصبح ملح الطعام مدعم بالأيودين، وفعلاً فقد انخفضت نسبة الإصابة بأمراض الغدة الدرقية الناتجة عن نقص اليود الى مستويات متدنية أثبتت صحة توجه الجهات الصحية العالمية.
وكذلك تم استخدام ملح الطعام لتلافي نقص (الفلور) والذي ينتج عنه تسوس الأسنان خصوصاً لدى الأطفال، فأملاح الفلوريد تضاف أما لملح الطعام أو الى الماء.
هناك نوعان من الملح المتوفر في السواق:
الأول - هو ملح المائدة (كلوريد الصوديوم المكرر وبنسبة نقاوة 99%)، ويضاف اليه الايودين وبنسبة 1%.
الثاني – الملح البحري ويتكون من 95% من كلوريد الصوديوم و5% معادن أخرى كالمنغنيز، الكالسيوم، الفسفور، الأيودين الطبيعي وغيرها.
ميزات تخصصية:
من الناحية البايوكيمياوية فأن الصوديوم (Na) هو الأكثر أهمية في جسم الإنسان، حيث يشكل 40% من كتلة ملح الطعام، وله فوائد جمّة للجهازين العضلي والعصبي للقيام بمهمتيهما بشكل طبيعي، ويدخل في عملية تنظيم الماء والسوائل بشكل عام في داخل الجسم، وتقول أحدث الدراسات أن الصوديوم هو المسؤول الأول والمباشر في عمل القلب الى جانب البوتاسيوم، كما قد أثبتت الدراسات أن للصوديوم علاقة مباشرة أيضاً في وضعية ضغط الدم، لذا أصبحت النظرية التي تقول أن زيادة استخدام الصوديوم الموجود في ملح الطعام تؤدي الى ارتفاع الضغط، هي الأقرب الى القبول، وهذا ما جعل بعض الشركات أن تنتج ملحاً خالياً من الصوديوم.
الصوديوم يعاد امتصاصه من قبل الأنسجة التشريحية المجهرية الكلوية، أي أن التعامل معه يتم في الكليتين ولكن تحت التأثير الهورموني، ولكن يصبح تأثير أعادة امتصاصه غير صحي في حالة الاستخدام غير السليم للكورتيزونات وكذلك حبوب منع الحمل، فيتسبب في أحتباس السوائل والأملاح في الأنسجة مما يعني حصول التورم المائي فيها، فتظهر على شكل أنتفاخات وخصوصاً في الساقين وحول العينين. وهذا ربما يحصل بشكل مؤقت وفسيولوجياً (طبيعياً) سرعان ما يزول في الفترة التي تسبق حصول الدورة الشهرية.
إن جسم الإنسان البالغ يحتوي على 100 غرام ملح، يفقد منها يومياً وكمعدل 25 غرام بواسطة التعرق والإدرار، فيحتاج الى تعويض ذلك، وأن عدم التعويض يتسبب في الكثير من العلامات والأعراض على شكل اضطرابات، وتظهر تلك الحاجة بشكل جلي جداً لدى سكان المناطق الاستوائية، وهذا ما يُفسر لماذا كان البدو الرحّل يتناولون الملح حينما يتنقلون في الصحارى.
ان زيادة ملح الطعام تؤدي الى الهيجان والحركة الزائدة، التهاب الأغشية المخاطية للمعدة والأمعاء والأوردة والشرايين، كما انه يؤثر سلباً على الكبد والكليتين والمسالك البولية، ولوحظ ان تأثيره مضاعفاً لدى الذين يعانون من السمنة.
وقد لاحظ الأطباء ما يلي :
1. تناول كميات كبيرة من الملح يسبب ارتفاع ضغط الدم ، حيث يحصل خلل في توزان المعادن في الجسم فيحتبس الماء في الجسم وبالتالي زيادة حجم الدم وزيادة الضغط معه.
2. التراكيب المجهرية في الكلى مسؤولة عن تنقية الفضلات في الجسم وتصفية الدم من المعادن الفائضة ومن بينها كميات الصوديوم الزائدة، وبزيادة كمية الملح والصوديوم يزيد العبء على الكلى مما قد يؤدي مع الوقت الى تشكل حصى الكليتين، كما وان ضغط الدم المرتفع قد يؤدي الى ضرر شرايين الكلى الدقيقة ويشكل خطر على كفاءتها.
3. بما ان زيادة تناول الملح يؤدي الى ارتفاع ضغط الدم، فهو أيضا مرتبط بزيادة احتمال الإصابة بأمراض القلب والشرايين، وزيادة حجم الدم قد يؤدي الى تضخم القلب فيصبح أكثر عرضه للتعب وللجلطات والأزمات المفاجئة.
4. يلعب الصوديوم دور مهم جدا في توازن القاعدة والحامض في الجسم، والاهم في إفرازات الجهاز الهضمي، وزيادة تناول الصوديوم يؤثر سلبا على الجهاز الهضمي ويزيد من حدوث حرقة المعدة، ويرتبط بحدوث القرحة، وقد ثبت ارتباط تناول الكميات الكبيرة من الملح بالإصابة بسرطانات المعدة.
5. الصوديوم الزائد في الجسم يعمل على سحب المياه من داخل الخلايا بحسب الخاصية الاسموزية وبالتالي جفافها، وزيادة الشعور بالعطش في الجسم لتناول السوائل التي تعيد الأمور الى توازنها.
6. زيادة الصوديوم في الدم يؤدي الى خلل توازن المعادن والهورمونات في الجسم مما يؤثر على العديد من العمليات الحيوية وخاصة التي تعتمد على تنظيم كهرباء الجسم، والتي تدخل في عمل الأعصاب. فتزيد من فرص حدوث التشويش والدوخة والاكتئاب، كما ويتأثر عمل عضلات في الجسم ويسبب لها الشد.
7. زيادة الصوديوم في الجسم تؤثر على نسبة الكالسيوم فيمنع امتصاصه مما يؤثر سلبا على كثافة العظم ونموه فيسبب هشاشة العظام وخصوصاً لدى المتقدمين بالعمر من كلا الجنسين.
هناك فوائد لملح الطعام:
1. يخفف من التهاب الحلق باستخدامه كغرغرة.
2. يخفف من آلام القدمين من خلال وضعهما بالماء الفاتر مع الملح.
3. يخفف من آلام لسعة النحل والبعوض بالاستخدام الموضعي.
4. يساعد على التخلص من رائحة الفم الكريهة بالغرغرة.
5. يقلل من انتفاخ العينين من خلال الكمادات الملحية الدافئة.
المتواجون الان
388 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع