كـتـاب ألموقع

ضياع الإطاريين وضياع الفرصة التي منحها لهم مقتدى// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

ضياع الإطاريين وضياع الفرصة التي منحها لهم مقتدى

صائب خليل

7 تشرين الأول 22

 

كتبت البارحة اعترافا بالخطأ بأني كنت الوحيد الذي احترمت مقتدى وتصورت انه سيكون عند كلمته بالانسحاب من السياسة بعد كل هذا التأكيد والإصرار. اما الباقين كلهم، من اتباعه ومن خصومه فقد عاملوه كأنه "زعطوط" لا يجب اخذ كلمته على محمل الجد مهما أكدها وكررها وكاد ان يقسم عليها. واخيرا انضم هو الى حملة محتقريه فعاد يتدخل بالسياسة مؤكدا صحة حكم الآخرين عليه كزعطوط لا يؤخذ على محمل الجد.

في هذا القضية هناك اتهامات اخلاقية واضحة لمقتدى الذي قبل على نفسه هذه المهانة والسمعة وتراجع عن كلامه امام الجميع، ولكن ايضا لأتباع مقتدى الذين تجاهلوا ما قاله ولم يحترموا قائدهم وأمره لهم بالانسحاب وعدم تسمية انفسهم بالصدريين، واستمروا بنشاطهم بنفس التسميات وكأن شيئا لم يكن. وهناك اخيرا اتهام اخلاقي لهم حين يقبلون على انفسهم ان يتبعوا قائدا وهم يعاملونه كزعطوط لا كلمة له!

 

ما كتبته اعلاه يكاد يكون تكرار لما كتبته في ذلك المنشور المختصر. لكن هذا ليس كل شيء، بل ليس اهم شيء. انه الجزء المضحك المأساوي (أو ما يسمى الكوميديا السوداء) من القصة. الجزء المضحك المبكي منها، والذي يجب ان يثير الغضب والحزن والخوف من الآتي، في الإنسان الواعي، وهو ما حاولت اثارته في منشوري السابق، دون الكثير من النجاح.

 

الجزء الأهم في القصة هو ما يتعلق بالحقائق السياسية التي كشفها انسحاب مقتدى عن اتباعه أولا وعن خصومه الإطاريين ثانيا.

فاستمرار التظاهرات (وإن كانت خفيفة) يدل دلالة قاطعة، ان من كان ينظم التظاهرات، (وكذلك من يلقب نفسه بوزير القائد) لم يكن يأتمر بمقتدى الصدر! فحتى لو ان مقتدى قد عاد اليوم يغرد بالسياسية، فمن الواضح ان انسحابه في وقتها كان حقيقيا وليس مسرحية، وانه اتخذ كافة الاجراءات ليوضح ذلك، فلماذا تم تجاهلها من قبل من يقود له جماهيره من البداية؟

لا تفسير لذلك إلا كونهم لا يستلمون اوامرهم منه مباشرة بل من جهة اخرى تحرص ان تبدو الأوامر وكأنها تخرج منه، لكنها هي التي توجه تعليماته بشكل أو بآخر، وتوجه متظاهريه بشكل غير مباشر من خلال قادة التظاهرات، والذين ربما تم تجنيدهم او تدريبهم من قبل السفارة! قد يبدو اتهاما بلا ادلة كافية، لكن ليس عندي غير هذا تفسير لاستمرار تنظيم التظاهرات بعد انسحاب مقتدى.

 

الحقيقة الثانية المهمة وغير المفهومة سياسيا هي موقف الإطاريين من الموضوع. تخيل ما يلي:

أمامك خصم يمثل جماهيرا كبيرة جدا.. تتبع قائدا تقدسه وتطيعه بشكل مطلق وأعمى. ولأن هؤلاء يطيعونه لأسباب عاطفية لا يلعب المنطق أي دور فيها، فإنهم يشكلون عصبة خطرة عليك وعلى بلدك. لأنه إن اتجه قائدهم بشكل خاطئ، فليس هناك فرصة أو أمل بإقناعهم بترك قائدهم، مهما كان توجهه مدمرا للبلد. لذلك لن يكون أمامك خيارات الا ان تترك البلد تحت رحمتهم، أو تخوض ضدهم حربا اهلية دامية! انت تشعر ان هذه الملايين مخدوعة بهذا القائد المتقلب غير المؤتمن والخصم العسير الفهم والتفاهم، لكنها ملتصقة به ولا تقبل أي منطق او نقاش، وليس بيدك أية أداة لفصلهما عن بعضهما، فما يقوله مطاع مهما يكن!

إن من يجد نفسه في هذه الحال الخطرة والسوداوية، يفتح عيونه لكل أمل، وربما لا يجد امامه سوى ان يدعوا السماء يائسا، لتحل له المشكلة. وفجأة تستجيب السماء بدون ان يدعوها احد، وإذا بفرصة تأتي "على طبق من ذهب" ويقوم مقتدى بنفسه بفصل نفسه عن جماهيره، بكلمة منه، يقدسوها ولا يستطيعون رفضها!

ما هو التصرف المنطقي للإطار في هذه الحالة؟ أن يبقى يركز ويذكر هذه الجماهير بانسحاب قائدها ويؤكد لها ان البقاء بشكل تيار "صدري" هو مخالفة لقائدها وأنها ببقائها في التظاهرات انما تخون ذات القائد الذي تدعي اتباعه مهما يقول. أن تكرر خطابه التلفزيوني وتعيده في وسائل اعلامها وان تكتب المقالات عنه لتثبته في اذهان اتباعه وتدعوهم للتصرف على أساسه.

وماذا لو كان قادة الإطار يشكون في أن مقتدى قد يعود عن كلمته في اية لحظة؟

حتى في هذه الحالة يجب تجاهل هذا الاحتمال والإصرار على التعامل مع الأمر كأنه قرار أزلي وأمر انتهى (وهذا ما كنت انا افعله في الحقيقة في كل منشوراتي السابقة، وهو لم يكن خطأً من الناحية السياسية). فهناك ثلاث فوائد لهذا الموقف:

الأولى أنك ستجعل الأمر أكثر صعوبة على مقتدى للتراجع عن موقفه، خاصة ان امتدحت تنازله وأكدت ثباته على كلمته. هذا سيخلق جوا يجعل من المحرج على مقتدى ان يتراجع عن قراره، وقد يتركه أو يتأخر به كثيرا..

والثانية انك في هذه الأثناء تكون قد اقنعت الكثير من الأتباع بترك التيار ونسيانه والالتفات الى أعمالهم، وثبتت في نفسهم الشكوك بمن يصر على البقاء منهم. فإذا عاد مقتدى (كما حصل) سيجد الكثيرين قد تركوه ولن يعود الا بعضهم، وهذا مكسب كبير جدا لا توجد طريقة أخرى لتحقيقه.

والثالثة انك ستكشف من سيبقى في التظاهرات من مجندين للسفارة، وتفضح كذب ادعائهم باتباع مقتدى الصدر، وتحصر تأثيرهم وتتمكن من التعامل معهم، وحتى السفارة لن تكون قادرة على الدفاع عنهم بنفس الحرية السابقة.

 

ما الذي فعله الإطاريون بدل ذلك؟ إنه العكس تماما! لقد تململوا دون ان يبدو عليهم أي انتباه للفرصة، وبقى اكثرهم يتصرف كأن انسحابا لم يكن! وحتى جمهور الإطاريين كان يتحدث عن الصدريين ويسخر من قرار انسحاب مقتدى، ويقلل من شأنه، دون ان يدرك أنه بذلك يخدم خصومه ويهيئ الجو لعودة مقتدى بأقل الخسائر. وهكذا بقى الجميع يتحدث عن "التيار الصدري" (رغم منع مقتدى استعمال اسمه!) وبقى قادة الإطار يكررون "دعوة السيد مقتدى" الى الحوار، واستمر المتملقون اكثر بالتأكيد انه لا يمكن تكوين حكومة بدون مشاركته!! وكأنهم لا يدركون ما الذي تعنيه "مشاركته" من مشاكل في احسن الأحوال، وكأنهم لم يعرفوه في يوم من الأيام، ولا عرفوا عصابات اللصوص والعملاء التي تحيط به والكفيلة بإفشال أي مشروع للبلد، إضافة الى العلاقات المشبوهة جدا لقياداته مع السفارة وطابع العنف والاستهتار الذي يميزهم.

هذا لا يعني ان الإطاريين صالحين عموما، لكن في الأقل فيهم بعض من فيه أمل، على العكس من القيادات السنية والكردية الغارقة في الوحل والعمالة. وكذلك لا أمل بأتباع مقتدى، فحتى الشريف بينهم ينقاد كالخروف لقائده الذي لا يعرف احد ما الذي يقوده ومن الذي يقوده وإلى أين.

لكن من الواضح ان هؤلاء الـ "بعض من فيه امل" في الإطار في ضياع تام، وقد يكونون قلة ضعيفة محاطة باللصوص والمجندين والمحتالين الذين يدفعون بالإطار في اتجاه آخر. ويبدو ان "ذوي الأمل" في الإطار غير قادرين على ان يعوا دورهم وخطورته بالنسبة للوطن، ويختطوا لأنفسهم خطا مستقلا عن الكتلة الهجينة من كل صنف ولون والتي تسمي نفسها "الإطار الشيعي"، او في الأقل ان يكون لهم موقف واع في داخلها، لعلهم يكونوا مؤثرين اكثر في توجيهها، ولعل الناس تشعر بوجودهم ويصير عندها بعض الأمل.

 

لقد حصل الإطاريون على فرصة ذهبية لفرض واقع جديد لصالحهم على الأرض، دون ان يستطيع احد ان يلومهم عليه، لا مقتدى ولا اتباعه ولا حتى السفارة و "المجتمع الدولي" الذي بقوا يتوسلون رضاه بسذاجة عنيدة ترفض التزحزح والتعلم، حتى عاد مقتدى وعادت شروطه وعادت أجواء العنف والتملق والمشاعر المتشنجة والمناورات القبيحة التي لا يبدو أنها ستنتهي قريبا.