اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

قراءة في المجموعة القصصية (باصات أبو غريب) للكاتب بولص آدم// جمعة عبدالله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

جمعة عبدالله

 

عرض صفحة الكاتب 

قراءة في المجموعة القصصية (باصات أبو غريب) للكاتب بولص آدم

جمعة عبدالله

 

أدب السجون يملك حديث طويل ومتشعب في حياة العراقيين. إذ لا تخلو مراحلة من مراحل العراق السياسية  من السجون والمعتقلات والمجازر  في هذه سراديب الموت. كل سلطة قمعية باطشة طامعة بالسلطة تأتي على ظهر الدبابة, برنامجها الاول حشر الناس والابرياء بالسجون, فكل مراحل العراق المتقلبة مليئة بحشود الحاشدة المحشورة  بالسجون كأسلوب ونهج  للحكم الطاغي والباطش بالتنكيل, في اسلوب المعاقبة كسلاح للنفي داخل السجون من اجل تكميم الافواه وخنق الرأي المعارض والسياسي. وقد كبر حجم السجون كماً ونوعاً  وكيفاً في زمن الدكتاتورية المقبورة الساقطة, سواء في السجون العلنية او السرية, تشهد تزاحم في عدد السجناء من كل الاصناف, المعارض والبريء في اسلوب التنكيل والتعذيب الوحشي, وكثير من السجناء توفي في زنازين الموت. انها نهج ثقافة العنف الذي تستخدمه السلطة في القمع والارهاب, والترغيب بين الحياة والموت, وكثير من المثقفين والمبدعين والكتاب تعرضوا لحياة السجن في العسف والاضطهاد وعاشوا تجربة السجن رغم  البشاعة الوحشية لحياة السجون, لكن ما كتب من اعمال روائية وقصصية وفنون اخرى إلا القليل من هذا الزخم الكبير, وبالنسبة للحجم الهائل من زار حياة المنفى في السجون. وقد اشتهرت السجون في العراق, مثل سجن (نقرة السلمان) سجون بغداد والكوت والمحافظات الاخرى, سجن رقم واحد في معسكر الرشيد في بغداد المشهور بقطار الموت, ارادت السلطة البعثية عام 1963, أبادة وموت السجناء دفعة واحدة لاكثر من 500 سجين سياسي من النخب الاجتماعية الفاعلة, لكن شهامة ووطنية سائق قطار الموت, انقذهم من الموت المحقق, مع هذا فأن أدب السجون يشهد الفقر في الاعمال الادبية والروائية العراقية, وقد شخص الراحل الكبير الدكتور حسين سرمك هذه الظاهرة,  بشحة اعمال أدب السجون في مقدمته الرائعة لهذه المجموعة القصصية ( باصات أبو غريب ) بقوله ( بالرغم من أن وطننا صار في مراحل كثيرة من تاريخه سجناً كبيراً , وبالرغم من أن كثيراً من المبدعين العراقيين, قد تعرضوا لتجارب مريرة من السجن والتعذيب, إلا أن ما كتب عن ادب السجون العراقي كان قليلاً جداً, بصورة تثير الكثير من الغرابة والتساؤلات, يكفينا القول أن دورة معرض القاهرة الدولي 48 لعام 2017 , شهدت ثلاثين رواية عن أدب السجون , لم يكن بينها رواية عراقية  واحدة في هذا  المجال ) وكان الراحل الكبير مهتماً  بشكل خاص بموضوعة أدب السجون في الاعمال الادبية العراقية, واصدر الكتاب الجزء الاول. حول أدب السجون, على ان يكمل مشواره في الجزء الثاني, وخاصة للاعمال الادبية لم يمر ذكرها في الجزء الاول, لكن مشاغله الكثيرة في الجهد الفكري, ثم جاء الموت  وخطفه, فضاع مشروعه الثاني. لذلك اعتبر أن ما قام به الكاتب ( بولص آدم ) هو مواصلة لمشروع الراحل الكبير, لان المجموعة القصصية , تحمل مواصفات خاصة, لانها تحمل نكهة تتمثل بالمعايشة والتجربة الحقيقية لحياة السجون, وبكل تأكيد ان من يكتب من داخل المعايشة السجن , أفضل لمن يكتب خارج المعايشة السجن, مهما كان الابدع في الخيال والتصور الفني. لكن مع شحة الاعمال التي تناولت أدب السجون في الرواية والقصة, التي انتجت في هذا المجال واشتهرت, في كشف حياة السجون واسلوب التعذيب الوحشي, تجسدت في الاعمال الروائية والقصصية المبدعة , نذكر منها على سبيل المثال:

1 - رواية ( القعلة الخامسة ) فاضل العزاوي

2- رواية ( دابادا ) للشهيد حسن مطلك , وكانت سبب أعدامه من قبل النظام الدكتاتوري

3 - رواية ( الفتيت المبعثر ) محسن الرملي

4 - رواية ( أعجام ) سنان  أنطون

5 - رواية ( أدم ) فرات ياسين

6 - رواية (  أنا الذي راى ) محمود سعيد

7 - رواية ( الفئران ) حميد العقابي . وغيرها .

ولا اشير الى الروايات العربية التي جسدت حياة السجن والسجين, فهي كثيرة لا تعد ولا تحصى, وتميز الادب السجون العربي بالاهتمام الشديد في هذا المجال.  وتتناول هذه المجموعة القصصية ( باصات أبو غريب ) بشكل مختلف عن روايات أدب السجون في الطرح والتناول, بشكل ربما غير مألوف في هذا الصنف الادب الهام, لايعني انه كتبها بذاكرته المسجونة في السجن آنذاك, في تجسيد تجربته في منفى السجن بالمعايشة الفعلية تجرع مرارتها وقهرها في زنزانة السجن وذاق عذاب السجن . وهي تعتبر شهادة أدانه الى النظام الدكتاتوري في ممارساته الوحشية . ان تناول المتن السردي بشكل مغاير عن المألوف في السرد الروائي  في التشخيص والتناول بهذه المميزات:

1 - تعامل النظام مع السجناء بحشرهم بصنف واحد هو الاجرام, والسجن يضم سوية سجناء الرأي الحر والمجرمين والقتلة في ردهة واحدة. المعارض والسارق في زنزانة واحدة. هذا يعطي انطباع بان النظام الدكتاتوري لايفرق بين السجناء وجيناتهم. مثلما كانت تتحدث الروايات أدب السجون, الردهات او الزنزانة مستقلة بين سجين الرأي  وبين القاتل والمجرم والسارق وتاجر المخدرات.

2- لم يتحدث النص السردي للمجموعة القصصية عن وسائل التعذيب الجسدي  في كرسي الاعتراف بهدف الاسقاط  والبراءة من جهته السياسية والحزبية ولم يتوقف التعذيب الوحشي إلا ان يعترف السجين بما يحمل في جعبته من اسرار سياسية وحزبية , وخيار السجين  بين الحياة والموت.

لم نجد اعمال السخرة والانتقام. كما كان يفعل  ستالين) في اجبار السجناء على الاعمال الشاقة والصعبة حتى تزهق ارواحهم اثناء هذه الاعمال المرهقة, أو في  اسلوب الابادة الجماعية كما خططت السلطة الوحشية في قطار الموت في ابادة اكثر من 500 سجين دفعة واحدة.

3 - السجناء في زنزازين مغلقة الاحكام لا يدخل حتى ضوء الشمس وليس نوافذ يتطلع عليها السجناء على الخارج بجعل احدهم ان يصعد على ظهره الآخر, ليتمتع بالمنظر الخارجي للسجن.

4- لم نجد  العناء في مشكلة  التغوط والتبول داخل الزنزانة وعلى منظر السجناء. كما هو مشار اليه في روايات السجون. ولكن بماذا تختص حياة السجن والسجناء التي دونتها المجموعة القصصية ( باصات أبو غريب ) تشكل هذه الخصائص:

 1 - مسألة الاهمال والحرمان بنظافة السجن, بحيث ( القمل ) يطلق عليه  (حيوان) الكلب الذي يغزو مراتع الازبال سواء في اجسام السجناء أو في شعور رؤوسهم , أو في مراتع الزبالة أو في قشور البطاطا.

2 - السجناء كل شاغلهم وهواجسهم الاولى, في انتظار الافراج والعفو من رحمة رئيس الطغمة الدكتاتورية سواء في تخفيض عقوبات الاعدام الى المؤبد, او مكرمة الافراج, سواء كان السجين قاتلاً او سياسياً.

3 - التعذيب النفسي لدى السجناء يخلق حالات الخيبة والاحباط أو قد تؤدي الى حالات ممارسة العنف بين السجناء. كما في قصة ( الطعنة الغامضة )

4 - الحلم بالحرية في خيالات التي تأخذهم خارج اسوار السجن ان يحلموا ان تنزل عليهم ( باصات ) تنقلهم الى اهلهم وبيوتهم, مثل قصة ( باصات ابو غريب ) التي حملت عنوان المجموعة.

قال انويا لرفيقه في السجن (سمير) بما يدور في خياله من حلم في زيارة البيت والاهل, والتمتع بالصباح القيمر والشاي المهيل والخبز الحار. آه يا أم داؤود آخ.  نهض سمير الحلاوي, واخذ بالصياح والصراخ ( أصعد أخي . . أستعجل . نفر واحد, بغداد . بغداد ) او الحلم في انتظار مكرمة الافراج, مثل هذا  القاتل المفتول العضلات الذي يدعي البطولات , ويضغط على كاتب مجموعة ( باصات أبو غريب ) ان يدون بطولاته في قصة او في  قصص, وهو الذي  قتل حارس سوق الذهب, وضرب بالمطرقة صاحب محل الصياغة. يأمل ان يخرج من السجن مرفوع الرأس, ويذهب الى سبائك الذهب التي سرقها ودفنها تحت التراب , ليبني بيتاً في الموصل ويعيش عيشة الملوك. كما دون في سرد ( باصات أبو غريب )

5 - العقاب الجماعي: دوافع اليأس والاحباط تخلق المشاجرات والمطاحنات, حتى استعمال العنف العدواني, مثل قصة (الطعنة الغامضة) . حدث عراك بالسكاكين بين اثنين من السجناء, طعن احدهما الاخر, احدهما نقل الى المستشفى في حالة خطيرة,  والاخر اختفى بين السجناء فجمعهم السجان في ساحة السجن تحت المطر والبرد ساعات طويلة, والسجان يتطلع بشراهة وعدوانية حتى يخرج القاتل من صفوفهم. واخيراً لم يتحمل القاتل جراح ضربة السكين , فكشف عن ملابسه الداخلية ملطخة ببقع الدم الكبيرة وتقدم الى السجان.

 6 - خيبة بالحرية في قصة ( حدث ذات مرة في الممر ) حضر السجناء وقرأ الاسماء التي يجب ان تجهز نفسها للافراج, واخذهم الى الممر الطويل الذي يفضي الى باب السجن الى باب الحرية, وطلب منهم الانتظار, وانتظروا ساعات , لكن خاب أملهم بالحرية , فرجعوا تلوكهم الخيبة والاحباط.

7 - شهية الجوع: في قصة ( صندوق بنيامين ) ورث الصندوق من مريض في السجن ونقل الى جهة مجهولة وضاعت اخباره, كان لا يتحرك إلا والصندوق معه, وكانت فرحة ( بنيامين ) كبيرة في منحة الصندوق, وعندما فتح الصندوق وجد في داخله ( علبه من مسحوق الغسيل ) وكان ( بنيامين ) يستلم نصف راتبه العسكري, ويذهب الى حانوت السجن, ويشتري بالراتب كله معلبات اللحوم الهولندية , ينهشها في وجبة واحدة . ويتنفس الصعداء مرة واحدة كل شهر.

8 - الدمعة العصية: في قصة ( انتظار الابوذية ) كان ( دعير ) المطرب الريفي الذي يصدح كل يوم بمواويل الجنوبية. وحين سمع بخبر موت طفله الوحيد ( حميد ) بسبب اهمال زوجته, التي انشغلت بمطاردة الفأر, وسقط ابنها في بالوعة الدار. اصابه الوجوم وخرس, ولم تسقط دمعة واحدة على طفله الوحيد. واثار لغط كبير بين السجناء لحالته الغريبة. بأنه لم يبكِ على أبنه.

( - اتركوه أرجوكم حالياً ... وقعت على رأسه المصيبة ... النواح حرام

- آمنا بالله أخي , لكن البكاء على الميت العزيز ضروري جداً .

- سجين آخر . ساعدوه يا جماعة الخير البكاء بركة )  .

 ولكن تراكم الالم والوجع . انفجر بالبكاء

ان المجموعة القصصية ( باصات أبو غريب ) تمثل  محاولات جادة في التناول والطرح بتجربة السجن والعذاب النفسي , وهم داخل المنفى الصغير . أتمنى ان يواصل مشروعه الادبي بأدب السجون . الذي يضيف الى المكتبة العراقية , طعم مختلف في الادب الروائي والقصصي لادب السجون .

 

     جمعة عبدالله

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.