اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ما أشبه اليوم بالبارحة// ادم دانيال هومة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

ادم دانيال هومة

 

عرض صفحة الكاتب 

ما أشبه اليوم بالبارحة

ادم دانيال هومة

 

هذه الرسالة كتبها المناضل القومي الآشوري سنحاريب بالي إلى صديقه الصحافي الآشوري المناضل فريد الياس نزهة قبل سبعين عاماً خلت وهي تحكي الواقع الأليم الذي كان يعيش فيه أدباؤنا ومفكرونا يومذاك. وهي نفس المعاناة التي يعيشها اليوم أدباؤنا وشعراؤنا... وشعبنا بمجمله، لا. بل ازداد الطين بلةً.

 

الجامعة السريانية

هل تتوقف المجلة الاشورية عن الصدور؟

سنحاريب بالي

صديقي الكريم فريد حفظك اللهُ وبعد: منذ أيامٍ کتب لي الصديق ابراهیم أفندي كوركجي رسالةً يقول فيها: إن فريداً كتب لي عن الأزمة الاقتصادية الحرجة التي يمرُّ فيها وأنه يخشى أن تحول هذه الأزمة دون متابعته إصدار المجلة.

أخي فريد! لا أعلم ماذا أقول. اُقسم لك أن هذا الخبر قد وقع مني وقوع الفاجعة الكبرى. وأودُّ أن لا تكون القضية إلى هذا الحد المؤلم. ولكن إذا أنت، لا سمح اللهُ انتهيت إلى هذه النتيجة، فالحق معك أيها الصديق ولا لومَ عليك أبداً. أنتَ بذلتَ كل قواك في سبيل قومك؛ جاهدت جهاد الأبطال؛ جادلت؛ ناضلت؛ ناقشت؛ انتقدت؛ حلّلت؛ علّلت؛ بحثت؛ وأعليت ببحوثك شأن أمتك الآشورية (السريانية) الى أبعد وأسمى ما يتغنى به أحرارها. وأخيراً، قلت لهذا الشعب كلّ ما يجب قوله. وكل ما قلته صواب صحیح واضح أوضح من أقوال الانجيل. ولكن هذا الشعب لم يفهم عليك!.

انطلق يونان النبي إلى نينوى وانذر أهلها ليعودوا إلى رشدهم والّا فان الله يسقط المدينة فوقهم ويهلكهم جميعاً لأربعين يوماً من انذاره. وذلك الشعب الغفير الجاهل الذي لا يعرف يمينه من شماله، ارعوى من انذار ذلك المرسل الأمين وندم على إثمه وعاد الى رشده وأصلح ما فسد من شؤونه. وهذه خمسة عشر عاماً وأنت تصرخ في آذان هذا الشعب وتنصح وتنذر بسوء عاقبة التمادي في هذه الحال العقيمة التي يقيم عليها وبكل أسف أقول: إن هذا الشعب لم ينتصح ولا تنبه من غفلته ولقيت منه الامرّين.

إذا يئستَ يا فريد، واستحوذ عليك القنوط، أو سقطتَ صريعاً في حومة النضال فلا لومَ عليك ولا عار. أجل! لا لومَ عليك أنتَ ولا لومَ على هذا الشعب. فأنت لا تلام لانك استنفدت كل ما بوسعك في الجهاد حتى سقطت صريعاً في حومته. وهذا الشعب لا لومَ عليه، لأنه أي مزية عنده للصحافة ليفقه معنى المصيبة أو يُسأل عن هول الجريمة ؟ هو شعب؛ له عيون ولكن لا يبصر. وله آذان ولكن لا يسمع. وله أفواه ولكن لا تتكلم. أعمی أصم أبكم؛ لا إرادة ولا شعور، فعلى من العتب؟

هذا الشعب الذي في كل شئونه ومشاريعه ومصالحه من كل نوع آلة عمياء صماء في أيدي ذوي العمائم واللحى المستبدين من أحبارنا الجهلاء المفلسين من كل فضيلة. وإذا سألت أحدهم ريالاً لمناصرة أديب أو مشروع ثقافي، يتعلل بألف علة ويعترض ألف اعتراض لأن رياله خوّله حق الاعتراض والتذمر، وهو في الغالب لا يحسن إدارة بيته. أما إذا ناداه سيده الحبر، لبى مطيعاً، ولو كلفه السجود له أو لثم قدميه لما تأخر لحظة عن ذلك. وكيف يكون شعبنا في هذه الحالة المحزنة لو لم نكن نحن كذلك ؟ هل في أمم الارض وشعوبه من يُوازينا مقاماً ؟

يا صديقي الفريد! إذا توقفت المجلة، لا سمح الله، أتظن أن هذا الشعب يحس بفقدها او يتكدر لتوقفها؟ لو أنه كذلك، لدلّ على أن عنده شعور، ولو أن عنده شعور لحال دون توقف الجامعة السريانية عن الصدور. قد يحزن لتوقف المجلة بضعة من الأحرار، وبعض آخر يأسف برهة من الزمن وأخيراً ينسون أنها كانت في الوجود.

خُذ لك مثلاً، مجلة «الحكمة» ومديرها الأديب مراد فؤاد جقي. فمن من أبناء قومك فرح بولادتها أو حزن لموتها ؟ عفواً يا أخي! مجلة الحكمة لم تمت موتاً طبيعياً بل قُتلت عمداً وقُتل معها محررها أيضاً ولذلك اسألك: منذ ذلك اليوم إلى الان، هل سمعت كلمة من مراد جقي او خبراً عنه؟ كلّا! ولماذا ؟ لأنه آشوري!

إننا نشبه الرجل الأعمى. تعطي الأعمى جوهرةً فما يسرُّ بها، وتسلبه إياها فما يحزن لفقدها. في هذا العصر، عصر الكهرباء يوجد في جزائر الأوقيانوس قبائل لم تزل تمارس معيشتها على أحط أدوار الحياة. فهي الى الان تعيش في «العصر الحجري». لا تغضب يا فريد إذا قلت لك إن سريانك في منتصف القرن العشرين يعيشون عيشة أهل القرون الوسطى بأخلاقهم وعوائدهم وآدابهم. وأنت تعرف هذا وتحاول أن تقفز بهم أجيالاً إلى الأمام بما تطرحه عليهم من المسئولية.

من المعلوم المؤكد أن قادة الأفكار مثل غيرهم، يجيءُ دورهم ويسقطون ضحية جهادهم. أما القاعدة إنه اذا سقط القائد صريعاً، يتولى القيادة قائدٌ آخر. أما نحن فقد شذّنا عن هذه القاعدة. وعندها نصاب بفقد قائدنا المصلح، لا نجد من يخلفه ولا من يشكو الفراغ الذي ترکه ویرث الحسرة والكآبة أهلُ بيته فقط.

مهلاً يا أخي! رويداً يا فريد، فستنقشع هذه الغيوم المتلبدة في أفقنا ولعلنا نحصل على جزءٍ مما نطمح اليه. أنا أعلم ثقل الحمل الذي تنوء به، والمسئولية الكبرى التي تتحملها وقد مرَّ أمامي كثير من هذه المشاهد المؤلمة، وشاهدت بعيني رأسي ما وقع لأحرار أمتنا من النهاية الفظيعة. ولكن أنت يجب أن تفوقهم جلداً واحتمالاً. لأن نزعتك تختلف عن الجميع. فتشجّع ولا تيأس وكن الفتى الآشوري الجريء. وإن من كان هدفه هدفك وأسلوبه أسلوبك، لا يستغرب أبداً ما لقيت وما تلاقي. واعلم انّ هذا الصعب العسير، كان من البدء مقدّراً محتوما. فلا تشكُ ولا تتذمر.

وِست نيويورك  ك ١ ۱۹٤۹                                      

سنحاريب بالي

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.