كـتـاب ألموقع

هل سمعت النداء؟// حسين السنيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

هل سمعت النداء؟

حسين السنيد

 

كان الناسك قد اتم صلاته للتو,عندما مر الرجل الحطاب من امام المعبد , وحين رأى الناسك مشغولابالتسبيح , صاح باعلى صوته :

-    منذ كنت طفلا وانت على هيئتك هذه , 40 عاما من التسبيح؟ 40 عاما وانت تنادي الله .. هل اجابك ذات مرة ؟ 40 عاما تنادي ولم تستحق ان يلبي ربك نداءك ولو لمرة واحدة؟

وعبر الرجل الحطاب ..اطلق كلماته القليلة وعبر ,دون ان يضيف اي كلمة اخرى ,مضى في دربه وهويجر خلفه كومة من الاخشاب التي كانت تخمش اديم الارض وتترك خلفها عشرات الخطوط الملتوية مثل الطرق الجبلية المجنونة. في مثل هذه الطرقات وجد الناسك نفسه تائها بعدما سمع كلمات الرجل الحطاب , حيث لابداية لها ولانهاية.

وظل الناسك يبكي بحرقة حتى الطلوع , وحين صار الضوء شمسا ,فتح عيونه بصعوبة ووجد حبيبات دموعه امامه متجمدة من شدة البرد, لمعت اشعة الشمس الاولى على الدموع و سرعان مابدان بالذوبان, امعن النظر فلمح صورته تنعكس على حبيبات الدمع. رفع رأسه فوجد وجهه ينعكس على قطرات الندى المنتشرة بكثافة على سقف المعبد , استدار يمينا, ثم يسارا , للاسفل والاعلى ,فلم يجد الا وجهه.

ابتسمت عيون الناسك ..ادرك ان كل تسابيحه لربه ,كانت تلبية ربه له ,جارية على فمه ,مثل دموعه التي كانت تعكس وجهه ..فكل كلمة تسبيح خلال 40 عاما كانت انعكاسات لامتناهية لنداء الله ..

اتم الناسك 40 عام اخر, يستمع لتلبية ربه .

***

جلست كبيرة نساء المعبد ,على كرسيها الخشبي وجلسن على الارض من حولها باقي النساء, استطاعت فتاة صغيرة ان تجد طريقها لكبيرة نساء المعبد بصعوبة, كانت ترتدي جلبابا ابيضا وويمكنك من خلال وجناتها المتودرة ان ترى العروق الممتدة تحت الجلد . وحين استقرت بالجانب الايسر من كبيرة النساء همست في اذنها بصوت دافئ :

-    يا اماه ... كيف تقربتي للرب ؟ هل رأيتيه ؟ هل سمعتيه؟

اطلقت كبيرة النساء زفرة واجابت :

-    نعم ... رأيت الرب وانعكاساته ذات يوم, حين كنت فتاة يافعة مشعة بالجمال وتواقة لمعرفة الله, يومها اصطحبني المعلم الاكبر للمعبد البعيد .

اجابت الفتاة مستعجلة :

-    انه معلمنا وملهمنا الكبير, اتمنى ان اكون مثله .

ابتسمت كبيرة نساء المعبد واردفت :

-    دعيني اكمل وسابوح لك بسر .. في يوم شتائي بارد جدا, اصطحبني المعلم الاكبر للمعبد البعيد وكنا انا وهو فقط وكان يمسكني من يدي بقوة حتى لا اقع, كنت بعمرك تقريبا وقدمت للتو للمعبد ومتعطشة للقاء الرب, دلفنا المعبد البعيد والذي يقع في ابعد نقطة, انحنى المعلم الكبير علي وراح ينزع ملابسي بالقوة, كنت ابكي بحرقة واضربه ولكنه كان تبدل لوحش مفترس, فلم استطع الهروب. خرجت من المعبد البعيد والدم يلطخ افخاذي وقدمي. كنت على وشك الموت, وامشي في التلال دون ان اعرف اين ذاهبة, وما لبث ان وجدت نفسي امام معبد مهجور, حاولت الهروب, فخرج ناسك منه.. ادخلني وقدم لي الطعام والدواء .

ولن انسي اني لمحت انعكاسات نور الله من قطرات الندى المتجمدة على السقف ودموعه المنثورة في محرابه .. وعرفت ان الله يكون حيث تكون القلوب.

اسمعني ذلك الناسك , دوي نداء الرب الذي مايزال يرن في اذني.