كـتـاب ألموقع

سماء زهرية .. شمس خضراء// حسين السنيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

الموقع الفرعي للكاتب

سماء زهرية .. شمس خضراء

حسين السنيد

 

تقول صديقتي وهي تمسك بيدها زهرة قرنفل :

-    لون هذه الزهرة يشبه لون السماء ..

ثم ترفع الزهرة وتشمها بعيون نصف مفتوحة. وتتركني مذهولا , انظر الى الزنبقة الزهرية اللون , والمح السماء بطرف عيني . واقول في قرارة نفسي ..

-    ولكن يا صديقتي , الزنبقة باللون الزهري !!

وتكمل صديقتي :

-    هل تعرف لماذا الشمس خضراء ؟

افتح فمي متعجبا وقبل ان انبس بكلمة  تتكلم هي , وماتزال الزنبقة الزهرية امام وجهها .

-    لانها تهدي الحياة الى كل كائن اخضر في هذا العالم , الاوراق والازهار والاشجار , حتى نحن البشر ,لايمكن ان نكتسب الحياة الا من خلال دفئ الشمس وروحها التي تنفخها فينا عبر ذلك الوهج الاخضر, ولذلك الشمس اصبحت خضراء اللون ,لانها مصدر كل خضرة العالم .

 

تزيدني دهشة بما تقول , ولا اتصور ان احدا في هذا الكون كله يختلف معي ان الشمس ليست خضراء اللون , وربما يمكن ان نختلف انها بيضاء او صفراء او ذهبية , ولكن مستحيل ان تكون خضراء ..مستحيل.

تكمل صديقتي وقد انزلت هذه المرة الزنبقة الزهرية وراحت تنظر الى الشمس بشكل مباشر :

-    اتعرف لماذا البحار زهرية اللون ؟

وكالعادة لا تدعني ان احرك شفتي لانطق وتقول بصوتها المرتجف الذي يثير عندك الميل للنوم حين تسمعه:

-    السبب هي السماء .. السماء الزهرية والتي تقابل وجه البحر كمرآة , وتصور ان البحار قبل ان تصبح زهرية اللون كانت شفافة , وبقى البحر ينظر في مرآته الزهرية لالاف السنين, فلا يستطيع ان يرى نفسه لانه شفافا, فحسد السماء حد الغليان لانه كان يعتبر نفسه رديفا للسماء بل سماء اخرى مفروشة على الارض, والاف سنين اخر كانت كافية للبحار ان تمتص وتحتوي روح السماء  ,فتصبح زهرية مثلها .

تقول صديقتي وهي تشير الى سفح جبل بعيد في الطرف الآخر للمدينة:

-    الجبال اصبحت حمراء لانها جراح في جسم الارض, متورمة متقرحة ومتخمة بالاوجاع, لااعرف بالضبط لاي سبب! ولكنها تورمت وتورمت وكبرت وكبرت واحمرت واشتد احمرارها, وكانت تؤلم الارض بشدة وحين وصلت الارض لمرحلة من الوجع كان لايمكن ان تتحمله, اشفقن الغيوم الزرقاء الطائفات في السماء الزهرية والتفن حول هذا الجرح المتورم وضمدن الجرح وطافن حوله وبقين يطفن الى ان شفي, ولكنه بقى عاليا واحمرا, فصار جبلا . ولذلك حين تستيقظ باكرا وقبل ان تعلن الشمس الخضراء عن وجودها خلف الجبل الاحمر, ستجد الغيوم نزلن على رأس الجبل, انهن الضماد الذي يجب يبقى على الجرح, حتى لا تتالم الارض. واذا بقى الجرح من دون ضماد, تفجر ..وثارت التقرحات من جوفه ,وصار بركانا.

 

اما انا فاحسست بان عقلي قرر ان يوقف العمل بغتة , ولو لثوان, وعيوني يكدن ان يقتلعن من الحدقات ويخرجن بصرخة مدوية: ماهذا يا صديقتي؟ السماء الزهرية والشمس الخضراء والبحر الزهري والجبل الاحمر والغيوم الزرقاء؟ لابد ان خللا في عينك او عقلك؟ او تنظرين للعالم من خلال قطعة من زجاج ملونة فترين الالوان مقلوبة ؟

لا اعرف ان الكلمات اعلاه كانت دوي لصراخي الداخلي؟ او بالفعل قلتها؟ ولكني كنت متاكدا من انها سمعته وادركته.

 

وفي لقائنا الاخير, كنت عازما ان اريها الالوان الحقيقية, فجلبت معي قطعة من زجاجة مثلثية الشكل وحين جلسنا على مصطبة خشبية في حديقة محاذية للنهر ,قلت لصديقتي :

-    اليوم سأريك شيئا ..

اخرجت الزجاجة ورفعتها امام ضوء الشمس ,فانعكست الالوان السبعة على ظهر المصطبة, حيث كان حفر العشاق والعابرين المجهولين والاصدقاء واليائسين,  الحروف الاولى من اسمائهم عليها . وانعكست الالوان السبعة للطيف الشمسي على الحروف المحفورة على جسد المصطبة .

قلت لها :

-    هذه الالوان هن يشكلن كل الوان الكون .. انظري.

ابتسمت و نظرت لي بعيون خجلة وقالت بنبرة استفهام

-    لكل لون معنى و قصة ... فما قصص هذه الالوان كلها ؟

 

طبعا لم استطع الرد , اطرقت رأسي ارضا . فلم افكر قبل هذا بمعنى الالوان .

قالت :

-    اتعرف لماذا انعكست عدة الوان من خلال الزجاجة؟ انها انعكست على تلك الحروف المحفورة , ولكل حرف من هذه الحروف قصة وضحكة ودمعة , ولكل قصة لونا , ولذلك تعددت الالوان , وتبدلت بلون الحرف المحفور .

صرخت صديقتي في حالة من الانبهار: انظر ...انظر الى تلك الحمائم الزرقاء والحمراء , يتراقصن وكانهن يعزفن اكثر موسيقى فرحا بهذا الكون .

رفعت رأسي فوجدت الحمائم الزرقاء والحمراء تمر من فوقنا راقصة على معزوفتها الفرحة التي لم اتمكن من سماعها في حينه..

قلت :

-    ما لون تلك المعزوفة يا صديقتي؟

قالت من دون تردد:

-    انها بيضاء

رفعت رأسي مرة اخرى ..وسمعت المعزوفة البيضاء وايقاعها المتدفق حياة وفرح.

 

قال لي ابني الذي تعلم للتو ان يرسم على الورق:

-    بابا ..انظر الى هذا المنظر

فوجدت انه رسم بيتا وشمسا و طيورا وغيوما في الافق وكل هذا المنظر امام البحر وكان خلف البحر جبلا بعيدا. وقد لون السماء والبحر باللون الزهري والشمس خضراء والغيوم زرقاء والجبل احمرا ..

فقلت له باستغراب :

-    بابا .. رسم جميل ,لماذا هذه الالوان ؟ انها الوان خاطئة

فقال لي

-    ليس عندي كل الالوان,فلونتها باقرب لون الى اللون الحقيقي.. ولكنه اجمل!

 

وقفت في حديقة المنزل , تحت شجرة الليمون ,وكان ينفح بوجهي هواء بارد عذب , ولمحت في السماء حمائم حمراء وزرقاء ترقص على ايقاع تلك السمفونية البيضاء الخالدة .

 

تقول صديقتي التي لم ارها بعد ذلك اليوم , ان لكل لون قصة , وكل شيئ تلون بلون ما بسبب مقنع . وكم اتمنى ان اراها مرة اخرى لاسألها السؤال الذي لم اجد جوابه طيلة هذه السنين , و اذا كنت تقرأين سطوري اجيبيني رجاء..

-    ما لوننا نحن البشر يا صديقتي ؟